الطب > مقالات طبية
تجربة الاقتراب من الموت.. ما حقيقتها؟
نتائج أكبر دراسة عالمية تناولت عقل ووعي الإنسان عند موته:
إن المصطلحات المنتشرة مثل تجربة القرب من الموت أو تجربة الخروج من الجسد قد لا تعبّر عن التجربة الحقيقة للموت وعادة ما تصف ظواهر تم اعتبارها في كثير من الأحيان وهما ً وهلوسة، لكنّ عددا ً قليلا ً من الدراسات الموضوعية تناولت هذه الظواهر بشكل دقيق، ومنها دراسة عالمية استمرت ل 4 أعوام وشملت 2060 مريضاً أصيبوا بسكتة قلبية في 15 مستشفى في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنمسا. وتوصّلت إلى عدد من النتائج أظهرت بأن ما لدينا من المعلومات عن تجربة الموت، أو ما نسميها (تجربة القرب من الموت Near-death experiences) هي بعيدة عن الحقيقة، وقد تم نشر نتائج هذه الدراسة في مجلة Resuscitation (الإنعاش).
في بعض حالات السكتة القلبية قد يتطابق ما يتذكره المريض من معلومات بصرية مع أمور حدثت فعلا ً خلال مروره بها، لكن وفي عدد أكبر من الحالات قد يكون المرضى خاضوا تجربة موت "حية" لكنهم لا يتذكرون ما حدث فيها بسبب إصابة الدماغ أو تأثير الأدوية المهدئة والمنوّمة على ذاكرتهم.
يقول الدكتور Sam Parnia رئيس قسم أبحاث الإنعاش في جامعة نيويورك والباحث الرئيس في هذه الدراسة: "على عكس المفهوم الدارج، لا يعتبر الموت لحظة معينة، إنما هو عبارة عن عملية تكون أحيانا ً قابلة للعكس، وتحدث بعد أن يؤدي المرض الشديد أو حادث معين إلى توقف القلب والرئتين والدماغ عن العمل، وإذا تم عكس هذه الآلية فنحن نطلق على هذه الحالة اسم (سكتة قلبية)، لكن إن لم يتم عكس هذه الآلية فيصبح اسمها (الموت).
تظهر الدراسة بأن 39% من المرضى الذين نجوا من حالة السكتة القلبية وكانوا قادرين على الخضوع لمقابلات لذكر ماحدث معهم وصفوا إدراكهم لحالة من الوعي، لكن لم يكونوا قادرين على تذكر أحداث معينة مروا بها في هذه الحالة.
كما قام الباحثون مسبقاً بوضع لوحات في غرف الإنعاش على رفوف ذات مستوى مرتفع قليلاً عن أسرّة المرضى، وذلك بهدف أن يتم سؤال المرضى عن محتوى تلك اللوحات لاحقاً، ففي حال مرّ أحدهم بتجربة خروج من الجسد حقيقية لكان بإمكانه أن يرى الغرفة من الأعلى وبالتالي يصف محتويات تلك اللوحات.
ومن بين هؤلاء الأشخاص (اي من ضمن ال 39% الذين شملتهم الدراسة) 46% منهم وصفوا ذكريات كثيرة خلال مرورهم بالسكتة القلبية، لكنها لم تكن متوافقة مع ما يطلق عليه بتجربة القرب من الموت، وتضمنت هذه الحالات مرورهم بتجارب مختلفة كان بعضها ذا طابع مخيف أو اضطهادي أو متعلق برؤية حيوانات أو أضواء ساطعة. 9% فقط ذكروا مرورهم بتجربة تتطابق مع مصطلح (القرب من الموت)، و 1 بالألف (أي مريض واحد فقط) قال بأنه مر بما يدعى (تجربة الخروج من الجسد) والتي تتضمن قدرته على تذكر رؤية أو سماع أحداث معينة حدثت أثناء كونه (ميتاً مؤقتاً)، أي أنه كان بوعيه أثناء ذلك.
أما بالنسبة إلى اللوحات على الرفوف، فبسبب أن 78% من الحالات حدثت خارج غرف الإنعاش المجهزة باللوحات، فقط 22% من المرضى تم انعاشهم في غرف محتوية على لوحات ولم يصف أيّ منهم محتوى تلك اللوحات، أما المريض الوحيد الذي يُعتقد بأنه مرّ بما يمكن أن يكون تجربة خروج من الجسد فلم تحدث عملية إنعاشه في غرفة مجهزة بلوحات. مما يظهر أهمية أن يتم التركيز في الدراسات القادمة على هذا النوع من الاختبارات الموضوعية أكثر عن طريق توفير أهداف بصرية قابلة للاختبار بدلاً من الاعتماد على معلومات غامضة غير محددة.
ولكن طبيب النفس والأعصاب Peter Fenwick يعتقد أن تجربة الخروح من الجسد هي تجربة شائعة لدى العديد من الناس، وعلى الرغم من توقف الدماغ أثناء السكتة القلبية، لكنه يقول بأن بعض المرضى ذكروا سماعهم لأحاديث كانت تجري في غرفة مجاورة للغرفة التي تعرضوا فيها للسكتة القلبية، وبعضهم الآخر كان قادراً على رؤية جسمه من جميع الاتجاهات بما فيها من الأسفل، مما جعل الدكتور Fenwick يعتقد أنه "بمكن للوعي والدماغ أن يكونا منفصلين عن بعضهما".
هناك حالة واحدة مثبتة تم فيها استخدام بعض المنبهات السمعية أثناء كون المريض بحالة السكتة القلبية، ومنها وجدنا بأن الوعي لدى المريض كان موجوداً لمدة ثلاث دقائق أثناء كون القلب متوقفاً عن النبض. يبدو هذا الأمر برمّته متناقضاً، حيث أن الدماغ يتوقف عن العمل بعد 20-30 ثانية من توقف القلب عن النبض، ولا يستعيد وظائفه إلا بعد عودة القلب للعمل من جديد، لكن ما حدث في هذه الحالة من تذكر واسترجاع لأحداث معينة كان متوافقا ً مع أحداث حقيقية حدثت والدماغ عملياً (متوقف عن العمل)."
وبسبب ندرة الأشخاص الذين يتذكرون بدقة ما حدث معهم أثناء توقف قلبهم أو ما يدعى بالخروج من الجسد، والذين لا تتعدى نسبتهم 1 بالألف من الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، فنحن بحاجة إلى المزيد من الأبحاث الجدية في هذا المجال.
المصادر:
Parnia S، et al. AWARE—AWAreness during REsuscitation—A prospective study. Resuscitation (2014)،
مصدر الصورة: