الكيمياء والصيدلة > كيمياء حيوية
جيلي وأناناس، هل قمت بتجربتها مسبقاً؟
هل سبقَ وقُمتَ بتحضيرِ طبقٍ من الجيلي وأضفتَ إليهِ الأناناسَ الطازج؟ وإن فعلتها سابقاً، هل نجحَ معكَ الطبقَ وتشكلَ القالب كالمعتاد؟
للإجابةِ على هذهِ الأسئلةِ لابدَّ لنا من تحضيرِ قوالب جيلي بأنواعٍ مختلفةٍ منَ الفواكهِ لنستطيع المُقارنةَ فيما بينَهُم. ولنأخذَ على سبيلِ المثالِ التفاحَ والبرتقالَ والكيوي والأناناس، ونوزِعُها على أطباقِ الجيلي وذلكَ بعدَ تحضيرِها بالطريقةِ المُعتادة المذكورةِ على العبوةِ. كما أنَّنا سنتركُ أحدَ الأطباقِ دونَ إضافةِ أيّة فاكهة ليكونَ طبقاً معيارياً. وسنلاحظُ بعدَ انتهاءِ مَرحلةِ التبريدِ أنَّ قوالبَ الجيلي المضاف إليهِم التفاحَ والبرتقالَ والقالب الخالي من قطعِ الفواكهِ قد تشكلوا جميعَهُم بشكلٍ جميلٍ وجيدٍ وبدونِ أي مشاكل. أمَّا بالنسبةِ لقالبي الجيلي المضاف إليهما الأناناسَ والكيوي لم يتشكلا وبقيا بحالةٍ سائلةٍ تقريباً. فما السببُ وراءَ ذلك؟
لنتحدثَ أولاً عن طبقِ الجيلي الَّذي غالباً ما ينشرُ تواجدهُ على أيَّةِ مائدةٍ الفرحَ بعيونِ الكبيرِ قبلَ الصغيرِ. مِنَ المُمكنِ أنْ تكونَ ألوانه والطريقة التي يهتزُّ ويرتعشُ بِها هي التي تجعلُ الفرحَ يدخلُ قلوبنا. فهل سبقَ وسألْتَ نفسَكَ عن سببِ تماسكِ وارتعاشِ هذا القالبُ بهذهِ الطريقةِ؟؟
يتعلَّقُ تشَكُل قالب الجيلي وارتعاشَه بالكيمياء، حيثُ يصلُ الجيلي إلى المستهلكِ على شكلِ حبيباتٍ مسحوقةٍ ناعمة، تضافُ إلى الماءِ السَّاخنِ لتذوبَ، ثمَّ توضعُ في الثَّلاجةِ ليتشكلَ القالبُ على الباردِ. هذا المَسحوقُ هوَ بروتينُ الكُولاجينِ collagen وكما هو معروفٌ يوجدُ الكولاجينُ في أجسامِ جميعِ الحيواناتِ، وكذلكَ في جسمِ الإنسانِ. وإنَّ للكولاجينِ تركيبةً وبنيةً متينةً ومنتظمةً للغايةِ مِمَا يعطيهِ القوةَ والمرونةَ. فكيفَ يسببُ هذا البروتين بتشكيلِ الجيلي؟
إذا قُمنا بفحصِ قالبِ الجيلي تحتَ المجهر، سَنَجدُ سلاسلَ طويلة مَرِنة وَرقيقةَ مِن جزيئاتِ بروتين الكولاجين. تكونُ جزيئاتُ الكولاجينِ حرةً عندَ طَبخها بدرجةٍ عاليةٍ من الحرارةِ، وبالتبريدِ تتصِلُ الجزيئاتُ معَ بَعضِها وتتشابكُ بقوةٍ بعدَ مُحاصرتِها لجزيئاتِ الماءِ وارتِباطِها بِبعضِها البَعض فتُصبحُ مرنةً ومُرتعشَةً. ولكن ما علاقةُ الأناناس بالجيلي؟
إذا أضفْتَ الأناناسَ الطَّازجَ عندَ إعدادَكَ الجيلي، فإنَّك ستلاحظُ بعد الإضافةِ أنّ الجيلي لا يتشكل ويعودُ إلى حالَتهِ السائلةِ ببطءٍ. والسببُ في ذلكَ بسيط، وهو أنَّ الأناناسَ يحتوي على إنزيمٍ يسمى البروميلين bromelain، وهو عبارةٌ عن أنزيمٍ يقومُ بتكسيرِ البروتينات، فهو واحدٌ من مجموعةِ الإنزيماتِ القادرةِ على هضمِ البروتيناتِ لذلكَ فهو يساعدُ أيضاً في عمليَّةِ الهضمِ المعروفةِ.
وبما أنَّ الجيلي يُصنعُ من البروتين، فيقومُ البروميلينُ bromelain الموجودِ في الأناناسِ بتَقطيعِ سلاسل الكولاجينِ الموجودة في الجيلي بَعدَ التبريدِ مِمَا يجعَلُهُ يعودُ إلى حالتِهِ السائلةِ مهما قُمْنا بتبريدِهِ.
يَجبُ التنويه أنَّهُ عندَ إضافةِ أناناس مُعلَّب، فسيتشكلُ الجيلي بدونِ أي مشاكل، وذلِكَ لأنَّهُ يتمُ تسخين الأناناس أثناءَ تعليبِهِ لدرجاتِ حرارةٍ عاليةٍ، حيثُ تُبطِلُ هذهِ الحرارة فعاليَّة إنزيمِ البروميلين bromelain. مع العِلمِ أنَّهُ مِنَ المُمكِنِ إبطال وتعطيل هذا الإنزيم بالأناناسِ الطازجِ أيضا،ً وذلكَ بغليهِ بالمَاءِ لبضعِ دقائق قَبلَ الاستخدامِ.
هُناكَ العَديدُ مِن الفواكهِ الأخرى التي تُسببُ هذا الأمرُ للجيلي، مِثل الكيوي والبابايا اللذانِ يحتويانِ على إنزيمِ الأكتينيدين actinidin. تدعى هذهِ المَجموعةُ مِنَ الإنزيماتِ بالبروتياز، وهي موجودةٌ بكلِ أنواعِ الفواكهِ، لكنَّ تركيزَها في الأناناسِ والكيوي يكونُ أعلى بكثيرٍ مِنَ الأنواعِ الأخرى. ويهاجمُ البروتياز جزيئات البروتينات الموجودة في الكائنات الحية ويبدأُ بهضمِها، وحتى أنَّنا كبشرٍ عندَ تناولِ هذهِ الفواكهُ بكِثرةٍ سنشعر بوخزٍ وقوةٍ تهزُّ كيانَ الفمِ، تحدثُ هذهِ القوة نتيجةَ عمليَّةِ الهضمِ التي تقومُ بها أنزيماتُ البروتيازِ لبروتيناتِ الجلدِ الموجودة في الفمِ.
المصادر: