الكيمياء والصيدلة > كيمياء
رحلةٌ مع ((الصابون))، أقدم الصّناعات الكيميائيّة العضويّة
يعود الفضل لأول صناعة للصابون للبابليين قبل 5000 سنة تقريباً، حيث جمعوا بين الدهون الحيوانية ورماد الخشب والماء ليصنعوا أول مادة منظفة عرفها التاريخ.
ومن ثم جاء المصريون القدماء والإغريق والرومان... حتى وصلنا إلى الصابون الحلبي الطبيعي الأكثر شعبيّةً عبر العصور (الذي تحدثنا عنه في موقعنا سابقاً هنا ).
تطورت هذه الصناعة تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وتم إدخال مواد بديلة في صناعة المنظفات، مثل تفاعل بعض الكحولات مع حمض الكبريت لتشكّل أنواعاً مختلفةً من كبريتات الألكيل، التي تتحول إلى منظفات ذات قدرة أفضل من سابقتها. وتمت إضافة مواد محسّنة ومجمّلة كثيرة إلى هذه المنتجات، فأصبح منها المنظّف للمطبخ ولغسيل الملابس ومنها معاجين الأسنان والحلاقة ومنظفات الشعر (الشامبو) والصابون العادي والشخصي والمعطّر والملوّن، ومنها الطبّي المعقّم والمضاد للجراثيم antibacterial. ومنها التجميلي وغيرها المنظّف للوجه والمقشّر، وكذلك المنظفات التي تحتوي على حبيببات فعّالة في أُمور عديدة.
تعالوا معنا لنتعرّف أكثر على تركيبة الصابون!
هذه الصناعات من أشمل الصناعات وأعقدها رغم بساطتها كسلعة أحياناً... يأتي تعقيدها وتنوعها من كونها عضوية (هيدروكربونية أي تحتوي على ذرات كربون وهيدروجين)؛ إذ تحتوي في تركيبها على ذرة الكربون القادرة على تشكيل هياكل متنوعة وسلاسل لا نهائية منها.
تدخل هذه الصناعات في كل مجالات الحياة، فهي تنتج المنظفات ومستحضرات التجميل والعطور والزيوت والمواد البلاستيكية والمطاط والأصباغ والورق والمبيدات الحشرية والأدوية والوقود المستهلك عادةً...
يتم إنتاج هذه الصناعات عن طريق المركبات العضوية الموجودة في الطبيعة من فحم ونفط وغاز وبترول والتي تسمى بالبيتروكيماويات.
ولكي نتعرف على هذه الصناعات عن قرب دعونا نذهب برحلة عبر أهم منتجاتها وهي الصابون أو المنظفات بشكل عام...
هل سبق وسألت نفسك عن المكونات الأساسية في صابونتك؟ كيف تعمل هذه الصابونة وكيف تنظّف الزيوت والدهون والأوساخ التي من الممكن أن تتجمع على أيدينا وأجسامنا...؟
الصابون هو ملحٌ تتم صناعته من تسخين حمضٍ دسمٍ أو مزيجٍ من الأحماض الدسمة يتم عزلها من النباتات أو الحيوانات، ومن أهم هذه الاحماض الإستيرول (وهو أحد الدهون الحيوانية الأكثر استخداماً في أمريكا، أما في عالمنا العربي فيكون الحمض الدسم غالباً ذا منشأ نباتي من زيت القطن أو الزيتون مثل صابون الغار المشهور بمدينة حلب).
يتفاعل هذا الحمض الدسم مع مركب قلوي قوي مثل هيدروكسيد الصوديوم فينتج صابون الصوديوم القاسي، أو مع هيدروكسيد البوتاسيوم فينتج صابون البوتاسيوم الذي يكون ليّناً أو سائلاً وأكثر انحلالاً من صابون الصوديوم. وتسمى هذه العملية بعملية التصبّن، وهي العملية الأساسية لتشكل خثارة الصابون، والمواد التي ذكرناها هي مكونات أولية ورئيسية في صناعة الصابون كمنظف عادي.
ماذا عن آلية التنظيف التي يعمل بها هذا المنتج؟
إن كلاً من صابون البوتاسيوم والصوديوم لديه القدرة على الذوبان في الماء ويملك فعالية كمادة منظفة ... فكل جزيئة منها لديها نهايتان؛ إحداها قطبية محبّة للماء تتضمن المجموعة الكربوكسيلية والشاردة المعدنية، أما الاخرى تكون لا قطبية غير محبّة للماء وتتضمن السلسلة الألكيلية.
فالنهاية القطبية الهيدروكربونية تجذب جزيئات الماء القطبية، أما النهاية غير القطبية فتجذب الزيوت والمواد غير القابلة للذوبان في الماء مثل الشحوم والدهون، أي الأوساخ.
تكون جزيئة الصابون في الماء غروية البنية كروية الشكل. الأجزاء غير القطبية فيها تكون مذيّلة وتلتصق بها الأوساخ، في حين تقوم الأجزاء القطبية في مركزها بجذب الماء الذي بدوره يحمل معه الأوساخ العالقة بأذيال جزيئة الصابون فينظّف السطح تماماً وتتم عملية التنظيف.
لكن عادة عندما تتم هذه العملية في الماء الحاوي على شوارد الكالسيوم والمغنزيوم (الماء العَسِر) فإن خثارة الصابون ستستبدل شواردها بشوارد الكالسيوم والمغنزيوم الأقل ذوبانية عندها يصبح الصابون أقل فعالية...
ولكن بالرغم من أهمية هذا التطور الذي عايشته هذه المنظفات، إلّا أنّ مساوئها وأخطارها أصبحت جسيمةً علينا وعلى بيئتنا!
فالمواد الأولية التي ذكرناها في صناعة المنظف دورها أساسي هو في التنظيف، أمّا المواد الثانوية مثل الألوان والروائح فهي مجرد مواد مجمّلة للمنتج. ولكن هناك مواد كيميائية مساعدة ومكمّلة تضاف إلى المنتج لتحسن عمله ولتكسبه صفةً خاصة كصفة التعقيم أو التجميل والتقشير أو التنظيف والتبييض، وغيرها الكثير... وهذه المواد غالباً هي المسببة لتلك الأخطار.
فمثلاً من أبسط هذه المواد سلفات الصوديوم Sodium Sulfate التي تضاف عادة كمادة مساعدة على الذوبان والتي وجدت الأبحاث أن هذه المادة قاسية جداً على الجلد ويمكن أن تسبب تخريشه... كما أن هنالك بعض المواد الكيميائية التي تُضاف على أساس فعاليتها ضد الجراثيم (البكتيريا) كمادة التريكلوسان Triclosan التي تؤثر سلباً على عمل الهرمونات المنتَجة من الغدد الصماء (التي سبق وتكلمنا عنها هنا ).
فضلاً عن الفوسفات التي تُضاف لتثبيت شوارد المغنيزيوم والكالسيوم في الماء العسر من أخطر المواد على البيئة، حيث تذهب إلى المجاري المائية الطبيعية عبر الصرف الصحي مما يؤدي إلى موت الكائنات الحية فيها. تطوّرت هذه المنتجات فأصبحت مصدر خطرٍ على البيئة بأكملها أيضاً... أضف إلى ذلك أنّ التّرسبات التي تنشأ عند استعمال الصابون في الماء العادي من الممكن أن تتسرّب عبر المجاري المائية إلى الأنهار والبحيرات فتسبب ضرراً لها.
المصادر:
مصدر الصورة: