الفيزياء والفلك > علم الفلك
هل سيصبح كوكبنا خارج المنطقة الأمنة للحياة في المستقبل القريب؟
ما هو مقياس قابلية الكوكب للسكن؟
أولاً يجب أن يكون صخرياً كالأرض يحوي ماء، وأن يكون مداره ضمن النطاق الصالح للسكن (فلا هو قريب جداً من نجمه فيسخن جداً ولا بعيد جداً فيصبح بارداً للغاية).و يتوارد الى ذهن العلماء السؤال: هل الأرض حقا هي الكوكب الأنسب للعيش؟
أثناء دراسة العلماء تأثير خواص النجوم والكواكب و أغلفتها الجوية وكيف تصنع مع بعضها توليفة لجعل الحياة ممكنة وجدوا أن الحياة على الارض اكثر خطورة مما توقعنا. ما جعلنا في البداية نعتبر كوكب الارض مليئاً بالحياة هو وجود الكربون فيه بصورة أساسية،و كذلك وجود الماء بشكله السائل،هذان العنصران يولدان الحياة،و لكنهما بالمقابل العنصران الأكثر انتشاراً في الكون ،فهما ينتجان مواداً كيماويةً قوية التحمل أكثر من أي مزيج أخر من العناصر المكتشفة .
بالنسبة للمياه،تواجد الماء السائل يعني تواجد الكوكب ضمن منطقة ضيقة من الفضاء محيطة بالنجم الذي يدور حوله الكوكب بحيث لو كان قريباً جداً من هذا الفرن الحراري النووي فستغلي المياه و تتبخر،و إن ابتعد كثيراً فمصير الحياة سيؤول الى التّجمّد،و حدود هذه المسافة يحدّدها كتلة النجم و عمره و التي بدورها تحدّد مقدار الحرارة و الاشعاع الضوئي لهذا النجم. يبدو أن الأرض متموضعة بالنسبة للشمس في مكان وملائم وصالح للحياة،و أي كوكب أخر صغير ،صخري،و يدور في المدار الصالح للسكن سيكون أيضاً ملائماً للحياة. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة فتقدير مكان تواجد المنطقة القابلة للسكن يعتمد على افتراضات أخرى حول طبيعة الكوكب بالاضافة لتواجد الماء السائل.
اذا أخذنا بالاعتبار موضع الأرض في النظام الشمسي فقط فان متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض سيصل الى مادون درجة التجمد.لكن ماينقذنا هو الاحتباس الحراري الناتج عن غازات ثاني اكسيد الكربون وبخار الماء فلو كانت الغلاف الجوي للأرض أكثر أو أقل سمكاً، أو ذو بنية كيميائية مختلفة فستكون الارض مكانا غير ملائمٍ للحياة.
بالرغم من أن هذه الظاهرة كانت نعمة على الأرض الا أنها تنقلب لنقمة على كوكب الزهرة ،فهو يشبه الأرض بتواجد محيطات على سطحه وبغلافه الجوي.لكن قربه من الشمس يجعل مياهه تتبخّر،حيث أن خاصية غلافه -الاحتفاظ بالحرارة- تسببت بارتفاع حرارته أكثر و أكثر ما أدى الى تغيرات مناخية بسبب "الاحتباس الحراري السريع" (وهو ظاهرة يمتص فيها الكوكب طاقة من النجم أكثر من الطاقة التي يعكسها الكوكب الى الفضاء ماسيؤدي الى جعل السطح أكثر سخونة)،و كأن كل غاز ثنائي اوكسيد الكربون الموجود في قشرة الكوكب طفا و ملأ الغلاف الجوي حتى وصلت درجة حرارة سطح الزهرة الى 460 درجة مئوية أي أعلى من درجة انصهار القصدير، الرصاص و الزنك.
في عام 1993 قام علماء جيولوجيا بأبحاث لتعيين حدود المنطقة معتدلة الحرارة بشكل دقيق في النظام الشمسي،حيث درسوا تأثير تفاوت شدة أشعة الشمس و أطوال أمواجها على تغير الغلاف الجوي و درجة حرارة سطح الارض.فوجدوا أن زيادة أشعة الشمس بمقدار 10% -ما يعادل تناقص المسافة بين الأرض والشمس بمقدار خمسة بالمئة يترتب عليه ارتفاع كبير في درجة الحرارة مما سيجعل الماء يتبخر و يتبدّد في الفضاء الخارجي،وخلال عشرات الملايين أو مئات الملايين من السنين سيتسبب هذا الاحتباس الحراري بجفاف الأرض واستحالة العيش عليها.
بحث العلماء أيضاً عن الحد الخارجي الأمثل لتموضع كوكب قرب الشمس-الحد الخارجي اي النقطة التي تهبط عندها درجة الحرارة الى حد تتسبب فيه بعصور جليدية أبدية) - وجدوا أنها تبعد عن الشمس 1.67 وحدة فلكية (الوحدة الفلكية تساوي 150 مليون كيلومتر أي متوسط المسافة مابين الأرض والشمس) أي أبعد بقليل عن مدار المريخ،هذه النتائج أثبت عدم مثالية موقع الأرض و أنها ليست في مركز المنطقة المعتدلة،بل على حافتها الداخلية الأقرب للشمس.
اعتمد العلماء في بحثهم على نموذج مناخي يحاكي قطاعاً منتظماً من الغلاف الجوي خال من الغيوم ونظم الطقس لكنه من نواحٍ أخرى كان متقناً جداً. فعلى سبيل المثال باستطاعته أن يمدنا بنوع من ردود الفعل الايجابية في حالة زيادة بخار الماء في الغلاف الجوي والذي سيؤدي الى الاحتباس الحراري ،و كان قادرا على محاكاة الظروف المناخية الغريبة للكواكب اخرى في المجموعة الشمسية.
و من خلال استقراء نتائج التجربة كان العلماء قادرين على وضع الحدود الخارجية والداخلية للمنطقة الصالحة للسكن لعدة نجوم بمختلف الأحجام وشدات السطوع ،ليكون هذا النموذج المعيار الأمثل للعلماء في ذاك الوقت في تقييم قابلية السكن على كواكب مختلفة.
و لكن في بداية 2013 قام العلماء –للمرة الاولى منذ عقدين- بتحديث الحسابات ،بسبب المتغيرات التي طرأت بمرور الزمن،فقبل كل شيء نعلم اليوم أن بخار الماء و ثاني اكسيد الكربون هما أفضل في امتصاص أطوال أمواج معينة من الأشعة تحت الحمراء مما اعتقدناه سابقاً هذا سيؤثر على فاعلية الغازات المسببة للاحتباس الحراري،فعند اعادة تطبيق النماذج على الأرض وجدوا نتائج لا التباس فيها تفيد بأن: المنطقة القابلة للسكن الافضل لكوكب شبيه بلأرض حول أي نجم كان تقع أبعد قليلا مما كنا نعتقد.
هذه المعلومات الجديدة ستعيد تصنيف الكواكب الخارجية المكتشفة فبعضها سيخرج من قائمة الكواكب الصالحة للسكن وبعضها الأخر سيصبح مكانا ملائما للعيش.فمثلا تعززت فكرة العيش في كواكب حول مجموعة النجوم الباردة القزمةمن النوع-M والتي تنتشر بكثرة في جوارنا المباشر،وخلال السنوات القليلة المقبلة قد يجد العلماء على الاقل 3 أو 4 عوالم ملائمة للعيش.
من المخيف أن المنطقة المعتدلة في النظام الشمسي أصبحت مع تغير الحسابات أبعد عن الشمس ،حيث تغيرت من 0.95 وحدة فلكية الى 0.99 وحدة فلكية فاذا اقتربت الأرض بنسبة 1%من الشمس ستبدأ مياهها بالتبخر الى الفضاء،وبذلك ستصبح الأرض على حافة الهاوية.
هذا منبه للبشر طالما أن الشمس ومع تقدمها بالعمر تزداد درجة حرارتها أكثر فأكثر وتصبح أكثر سطوعاً، سيؤدي ذلك لدفع حدود المنطقة القابلة للسكن الداخلية للخارج .فالأرض قد تبدأ بخسارة مياهها في القريب العاجل.
وعلى العكس تماماً،يجد الباحث ريمون بيرهامبيرت عالم المناخ من جامعة شيكاغو أن احتمال حدوث الجفاف الوشيك هو مجرد وهم سببه قصور النموذج المُستَخدَم،فهو يرى أن الارض تصبح أكثر قابلية للعيش!
من خلال بعض الحسابات التي أجراها وجد أنه بالقرب من حدود الاحتباس الحراري الكاسح أو الرطب فان كمية كبيرة من بخار الماء في الجو ستتشكل على الأغلب في المناطق ذات الارتفاع المنخفض،فتعكس ضوء الشمس الى الفضاء الخارجي وتبرّد سطح الارض.ولكن للصراحة،من الصعب التنبؤ بما سيحصل في غلاف جوي نصفه مكون من الماء،فعاصفة مطرية ضخمة قد تجعلنا نخسر نصف هذا الغلاف الجوي في منطقة واحدة،مما قد يسبب بامتصاص الكثير من الهواء في كل مكان مغيّراً ديناميكية الغلاف الجوي بأكمله.
لم تتوقف جهود العلماء في البحث،عالمة الفيزياء الفلكية سارة سيغر من معهد ماساتشوستس قامت مع زملائها ببناء نموذج لكوكب صحراوي فيه كمية مياه غير كافية لدعم المحيطات العالمية أو جو مشبع بالبخار واستنتجوا أن الكوكب الصحراوي ذو الغلاف الجوي الذي يحوي 1% سيحافظ على درجة حرارة سطح الكوكب بشكل يسمح بالحياة عليه -باعتبار أنه قريب من نجم شبيه بالشمس بمقدار 0.5 وحدة فلكية ،أي داخل مدار كوكب الزّهرة.
حصل ريمون بيرهامبيرت و زملاؤه على تمويل من NASA لتطوير نماذج ثلاثية الأبعاد للمناخ. نموذج قادر على بناء غيوم أكثر قوة و واقعية و دورات هيدروليجية لمجموعة واسعة من الكواكب الصخرية القابلة للسكن.
بالنسبة للكيميائي كولن غولدبلات فهو يرى أن الغلاف الجوي للارض في وقتنا الحالي اذا كان سيدخل في حالة احتباس حراري شديد الرطوبة و الحرارة فان بخار الماء الفائض سوف يمتص أشعة الشمس فوق الحمراء أكثر مما قُدّر لها سابقاً،مما سيقلل من السُّحُب و الغطاء الجليدي فسيزيد ذلك بدوره امتصاص الحرارة فيحدث احتباس حراري سريع.لنطمئن قليلاً..فأرضنا مرنة بما يتعلق بالتغيرات المناخية.
اذاً...هل الأرض في أمان ؟
باختصار وضع أرضنا كمن يلهو قرب الحافة في يوم ضبابي، فهو لم يهوِ بعد.و لكن لا علم لديه متى قد يقع.
المصدر: هنا