الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
ما هو غسل الأموال؟
غسيل الأموال هو ظاهرة منتشرة في عالم المال والأعمال، ولها العديد من الآثار السَّلبية على اقتصاد الدول، وتحتاج غالباً لتخطيطٍ على مستوى عالٍ من الحرفية؛ لضمان عدم اكتشافها، فماذا يعني مصطلح غسيل الأموال وكيف تتم هذه العملية؟
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2005 وُجِّهَت إلى عضو الكونغرس الأمريكي توم ديلاي تُهَمٌ تتعلق بغسيل الأموال، ممَّا اضطرَّه إلى التنحي عن منصبه زعيماً للأغلبية في مجلس النواب، فغسيل الأموال هو اتِّهام خطير، ففي عام 2001 أصدرت السلطات القضائية الأمريكية أحكاماً ل 900 قضية تتعلق بغسيل الأموال، كان متوسط أحكام السجن فيها ست سنوات.
إنَّ تنامي الأسواق المالية العالمية جعل غسيل الأموال أسهلَ من أيِّ وقتٍ مضى، والدول التي تعتمد قوانين تتعلق بالسرية المصرفية مرتبطة مباشرة بالبلدان التي تعتمد قوانين الإفصاح المصرفي، ممَّا يجعل من الممكن إيداع الأموال "القذرة" من طرف جهات مجهولة في بلد ما ثم نقلها إلى أي بلد آخر، ويجري غسيل الأموال في كل بلد في العالم تقريباً، وعادةً ما يرتكز مخطط هذه العملية على تحويل الأموال عبر العديد من البلدان من أجل طمس أصولها.
غسيل الأموال، في أبسط صوره، هو جعل المال الذي يأتي من المصدر (أ) يبدو وكأنَّه قد أتى من المصدر(ب)، ومن الناحية العملية، يحاول الخارجون عن القانون تَمويه أصل المال الذي حصلوا عليه عن طريق أنشطتهم غير المشروعة إذ يبدو وكأنَّه قد حصلوا عليه من مصادر قانونية، وإلا لما استطاعوا استخدام هذا المال لأنَّه سيربطهم بالأنشطة الإجرامية، و بذلك سيؤدي هذا إلى إلقاء القبض عليهم.
إنَّ الأنواع الأكثر شيوعاً من المجرمين الذين يمارسون غسيل الأموال هم تجار المخدرات، والمختلسون، والموظفون المرتشون، والسياسيون الفاسدون، ورجال العصابات، والإرهابيون، والمحتالون، ويُعدُّ تجار المخدرات الأكثر حاجةً إلى أنظمةٍ جيدةٍ لغسيل الأموال؛ لأنَّهم يتعاملون بالأوراق النقدية بصفةٍ كاملةٍ تقريباً، الأمر الذي يُسبب لهم كثيراً من المشاكل اللوجستية، ليس لأنَّ التعامل بالأوراق النقدية سيجذبُ انتباه رجال الشرطة فحسب، بل لأنَّ هذه النقود ستكون ثقيلة للغاية! فعلى سبيل المثال يزن ما قيمته مليون دولار أمريكي من الكوكايين الذي يباع في الشوارع قرابة 20 كلغ، في حين أنَّ رِزَمَ الدولارات الأمريكية التي تمثل مليون دولار أمريكي تزن قرابة 116 كلغ!
لعملية غسيل الأموال الأساسية ثلاث خطوات:
1. التوضع: في هذه المرحلة يضع غاسل الأموال النقود القذرة في مؤسسة مالية مشروعة، وغالباً ما تكون على شكل ودائع مصرفية نقدية، وهذه هي أخطر مرحلة من مراحل عملية غسل النقود لأنَّ الكميات الكبيرة من النقود تكون واضحة للغاية، ويطلب من المصارف عادة الإبلاغ عن المعاملات ذات القيمة العالية.
2. التعمية: وتنطوي هذه الخطوة على إجراء العديد من المعاملات المالية؛ لتغيير شكلها و يادة صعوبة متابعتها، وقد تتضمن هذه الخطوة العديد من التحويلات المصرفية من بنك إلى آخر، والتحويلات البرقية بين حسابات مصرفية مختلفة بأسماء مختلفة في بلدان مختلفة، والقيام بالعديد من عمليات الإيداع والسحب بمبالغ مختلفة من المال بين الحسابات، وتغيير العملات وشراء المُقتنيات الثمينة مثل القوارب والمنازل والسيارات و الماس؛ لتغيير شكل المال، هذه هي الخطوة الأكثر تعقيداً في أي مخطط لغسل الأموال، والهدف الرئيس منها هو جعل مصدر المال القذر الأصلي صعب التعقب بقدر ما أمكن.
3. الإدماج: في مرحلة الإدماج، يعاد إدخال المال إلى التيار الرئيس للاقتصاد في أشكال مشروعة ظاهرياً تبدو وكأنَّها قد أَتت من معاملات قانونية، وقد ينطوي هذا على تحويل مصرفي نهائي إلى حساب إحدى الشركات التجارية المحلية التي يستثمر فيها غاسل الأموال نقودَه مقابلَ نسبٍ من الأرباح، وبيع يخت تم شراؤه في أثناء مرحلة التعمية أو مثلاً شراء مفك براغي ثمنه عشرة ملايين دولار من شركة يمتلكها غاسل الأموال! عند هذه النقطة، يمكن للمجرم استخدام المال دون أن يضبطه أحد، ومن الصعب جداً إلقاء القبض على غاسلي الأموال في أثناء مرحلة الإدماج إذا لم تكن هناك وثائق في المراحل السابقة.
إنَّ غسيل الأموال هو خطوة حاسمة في نجاح عمليات الاتجار بالمخدرات والأنشطة الإرهابية، ناهيك عن الجرائم الاقتصادية، والفساد الحكومي، وهناك عدد كبير من المنظمات التي تحاول التعامل مع هذه المشكلة. في الولايات المتحدة الأمريكية، تحققُ- وزارة العدل، ووزارة الخارجية، ومكتب التحقيقات الفدرالي، ودائرة الإيرادات الداخلية، ووكالة مكافحة المخدرات- في عمليات غسل الأموال والبنى المالية الأساسية التي تقوم بهذا العمل، وتقوم شرطة الولاية والشرطة المحلية أيضاً بالتحقيق في الحالات التي تقع ضمن اختصاصها، وباعتبار أنَّ الأنظمة المالية العالمية تؤدي دوراً رئيسا في معظم مخططات غسيل الأموال رفيعة المستوى، ويعمل المجتمع الدولي على مكافحة غسيل الأموال عن طريق وسائل مختلفة، بما في ذلك تأسيس فريق العمل المعنِّي بالإجراءات المالية المتعلقة بغسل الأموال (FATF)، والذي بلغ عدد أعضاؤه بحلول عام 2005 (33) دولة و منظمة، ويوجد لدى الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أيضاً فروع متخصصة بمكافحة غسيل الأموال.
المصدر: