منوعات علمية > منوعات
ليس برجك، ولكن فصل ولادتك هو ما قد يتحكم -إلى حد ما- بشخصيتك
لعقودٍ من الزّمن أُخذ التنجيم على محمل الجدّ وأثرت خرافاته في سلوك البشر من مختلف الحضارات والديانات حول الأرض. يقطّع المنجمون ألفاظهم ويصلونها لتناسب حاجات معظم الناس وتلامس عقولهم من هنا أو هناك، وتمتلئ الأسواق بكتبهم الّتي تحمل تلك الخرافات بلباس علميّ أنيق مخادع ومراوغ.
فنُّ الخداع هذا، يجري على فرضيّة وجود 12 برجاً سماويّاً تؤثر مواقعها في شخصية البشر وحياتهم، ولكن أثبت العلم سقوط تلك الادعاءات لأسباب فلكية، وعلمية ومنطقية.. اقرأ المزيد هنا .. ثم جاء العالم فوريير ليظهر بدراسة علميّة منهجيّة بطلانَ ما يزعمه المنجمون من ارتباط بين توقعاتهم وبين سلوك الأفراد وشخصياتهم.
اليوم، وعلى خلاف التوقّعات العلميّة الّتي استبعدت فكرة تأثير موعد لحظة الولادة في شخصية الإنسان، يأتينا المكتب الإعلامي لمؤتمر برلين 2014 الّذي أجرته الكليّة الأوروبية لعلوم الأدوية العصبية والنفسيّة بورقةٍ بحثيّة تقترح علاقةً بين الفصل الّذي يولد فيه الفرد وبين اضطرابات مزاجه وتقلباته.
أظهر بحثٌ جديد ارتباطاً ما بين الفصل الّذي يُولَد فيه الفرد وبين احتمال إصابته باضطرابات المزاج (Mood Disorders)؛ إذ يتعرّض المولودون في فتراتٍ معيّنة من السّنة لاحتمالٍ أكبر لتأثّر مزاجهم بسهولة ما يؤدي إلى الإصابة بتلك الاضطرابات.
يحاول الباحثون المسؤولون عن هذه الدراسة الربط بين صفات الأفراد وميولهم المزاجيّة وبين الفصل الّذي ولدوا فيه.. تماماً كما كانت هذه الصفات والتقلّبات المزاجيّة تُوصَف فيما يدّعيه المنجمّون بأبراجهم، ولكن هذه المرة باستخدام منهجية العلم لا الخرافة.
تقول قائدة الفريق البحثيّ Xenia Gonda:
" أظهرت الدراسات الكيميائيّة الحيويّة أن فصل الولادة يؤثر في أجسامنا على نواقل عصبيّة أحاديّة الأمين كالدوبامين والسيروتونين الّتي يمكن معايرتها حتى عند البالغين، ما قادنا إلى الاعتقاد بأن لها تأثيراً طويلَ المدى في الأفراد.
شملت الدراسة 400 فرد وربطت بين فصل ولادتهم ونمط حياتهم ومزاجهم لاحقاً.
على الرغم من أننا لم نفهم بعد الآليات والوظائف المسؤولة عن ذلك، لكننا الآن نبحث عن إمكانية وجود علامات وراثيّة مرتبطة بفصل الولادة واضطرابات المزاج."
العلامات الوراثية التي تحدثت عنها Xenia قد تكون من فئة التغيرات فوق الوراثية epigenetic وهو ما يعرف بتغيرات في التعبير المورثي للجينات الناتج عن تعرض الكائن لظروفٍ بيئية معينة في خلال مرحلة معينة من حياته، مع قابلية توريثها إلى النسل.
ويقترح البعض أنه قد يكون لتلك الظاهرة علاقة بـ"اضطراب المزاج الفصلي" وهو ما يسبب الكآبة وانخفاض المزاج في خلال فصل الشتاء بسبب قصر فترة النهار وقلة التعرض إلى أشعة الشمس مما يؤثر سلباً على الدماغ ويخفض مستويات السيروتونين، وقد يكون هناك انتقال بطريقة ما لهذه التغييرات بين الحامل في أثناء فترة الحمل وبين جنينها.
إحصائيّاً، حصل الفريق على النتائج التاليّة:
- دوريوّ المزاج: والّذي يتظاهر بتقلّباتٍ متكررة بين الفرح والحزن، ترتفع هذه الحالة عند مولودي فصل الصيف مقارنةً مع مولودي فصل الشتاء.
- أصحاب المزاج العالي دوماً: يميل هؤلاء لمزاجٍ إيجايبيّ على نحوٍ مفرط دوماً وتكثر هذه الحالة بين مولودي الصيف والربيع.
- يكون مولودو فصل الشتاء أقلّ عرضةً للإزعاج من غيرهم من مواليد باقي الفصول.
- ويظهر مولودو فصل الخريف مقاومةً جيّدة للميل إلى الاكتئاب مقارنة بمواليد فصل الشتاء.
إذاً فما الفرق بين هذه النتائج وبين التنجيم والأبراج؟ ألا يمكن أن تكون هذه الدراسة دليلاً لصالح التنجيم؟
إن هذه النتائج التي حصلنا عليها باستخدام منهج علميّ تدق مسماراً آخر في نعش العلم الزائف المتعلق بالأبراج سواء اعتمد على 12 أم 13 برجاً: فإن كانت شخصية الفرد تتأثر بالفصول فهذا يعني أن مواليد نصف الكرة الأرضية الشمالي في يومٍ ما يمتلكون شخصية مغايرة تماماً لمولودي اليوم نفسه في النصف الجنوبي بسبب انعكاس الفصول بينهما.
ومع ذلك فإن العلماء المشاركين بهذه الدراسة يقولون بضرورة استكمال البحث في هذا المجال للحصول على نتائج أكثر دقة بواسطة توسيع عينة الدراسة لتشمل عدداً أكبر ومن بلدانٍ وظروف بيئية مختلفة ومتنوعة مما قد يمكننا من الفهم الكامل لآلية هذه الظاهرة.
يبهرنا العلم دوماً باكتشافاتٍ جديدة تصحّح مفاهيمنا الخاطئة وتوسّع مداركنا الضيقة، فساهموا معنا بنشر رسالة العلم الحقيقي والمعارف المثبتة في وجه الخرافات، وسنكون معكم دوماً لنقل آخر المستجدات العلمية من أصقاع الأرض كافة.
المصادر:
Birth season affects your mood in later life (Press Release of ECNP congress in Berlin،2014)