الفيزياء والفلك > علم الفلك
هل اكتسبت بقعة المشتري الحمراء لونها من الشمس؟
لعلك سمعت أو شاهدت تلك اللطخة الحمراء الغريبة على سطح المشتري وبالطبع تساءلت عن ماهيتها، ووجدت أنها عاصفة ضخمة على أحد أكبر كواكب المجموعة الشمسية، عاصفة مذهلة مستمرة منذ بداية الأرصاد الفلكية عبر التلسكوب قبل 400 عام، والرصد الموثق منذ مئتي عام تقريباً. كلنا نعرف ذلك لكن هل سألت نفسك لماذا تتلون البقعة بذلك اللون الأحمر
اللون الضارب للحمرة الذي تتميز به بقعة المشتري الحمراء الكبرى هو على الأرجح ناتج عن مواد كيميائية بسيطة تتفكك بفعل أشعة الشمس في الطبقات العليا لغلاف الكوكب الجوي، وذلك بحسب تحليل بيانات جديدة قادمة من مهمة "كاسيني" التابعة لناسا بالإضافة لبعض التجارب في المخابر. وهذا ما يتعارض مع النظرية الرائدة حالياً في أصل اللون الصارخ للبقعة – والتي تقول أن المواد الكيميائية الحمراء آتية من تحت سحب المشتري.
قام بتقديم النتائج "كيفين باينز" أحد أعضاء مهمة "كاسيني" ويعمل في مركز الدفع النفاث التابع لناسا، وذلك في اجتماع فرع الجمعية الفلكية الأمريكية لعلوم الكواكب. "باينز" وزملاؤه وصلوا إلى استنتاجاتهم باستخدام مجموعة من بيانات التي حصلو عليها خلال التحليق القريب لكاسيني من كوكب المشتري في العام 2000 بالإضافة إلى عدد من التجارب المخبرية. في المختبر قام الباحثون بتعريض الأمونيا وغاز الأسيتيلين -- مواد كيميائية شائعة على المشتري—إلى ضوء فوق بنفسجي لمحاكاة تأثير الشمس على هذه المواد الموجودة في سحب البقعة الحمراء على ارتفاعات كبيرة. وكانت النتيجة ظهور مادة ضاربة للحمرة، وبمقارنتها مع نتائج أرصاد الطيف المرئي وتحت الأحمر للبقعة الحمراء التي أخذها كاسيني. ووجدوا أن خصائص تشتت الضوء في تجربتهم المعملية تطابق بشكل رائع أحد نماذج البقعة الحمراء الكبرى والذي يقتصر وجود المواد الحمراء فيه على الأجزاء العليا في الإعصار الضخم.
يقترح هذا النموذج أن معظم البقعة الحمراء الكبرى عديم اللون تحت طبقة السحب العليا من المواد الحمراء، يقول "باينز". فتحت "الحرق الشمسي" الأحمر ستكون الغيوم على الأرجح بيضاء أو رمادية، ومن شأن وجود عامل التلوين هذا والذي يقتصر وجوده على الجزء العلوي من الغيوم أن يكون متعارضاً من النظرية المنافسة، التي تفترض أن اللون الأحمر للبقعة يرجع إلى مواد كيميائية متقلبة شكلت عميقاً تحت طبقات السحب المرئية، ولو كانت المادة الحمراء تنقل من الأسفل فيحتم ذلك وجودها في ارتفاعات أخرى أيضاً، ومن شأنه أن يجعل البقعة الحمراء أكثر احمراراً.
يتكون المشتري بالكامل تقريباً من الهيدروجين والهيليوم، مع القليل من عناصر أخرى. والعلماء مهتمين بفهم ماهية تركيبات العناصر المسؤولة عن الصبغات والألوان التي نشاهدها في سحب المشتري، وسيوفر ذلك نظرة ثاقبة وفهماً أفضل لمظهر "مكياج" الكوكب الضخم.
باينز وزملاؤه هدفوا مبدئياً لتحديد فيما إذا كان لون البقعة يعود إلى تفكك جزيئات معقدة (بيكبريتيد الأمونيوم) بفعل الشمس والذي يشكل إحدى طبقات السحب الرئيسية في المشتري، ولكنهم سرعان ما وجدا أنه بدلاً من اللون الأحمر الذي كانوا يتوقعونه، نتج عن تجربتهم ظل رائع من اللون الأخضر، النتائج السلبية دفعت بالفريق إلى تجربة تركيبات أبسط من الأمونيا والهيدروكربونات الشائعة في المشتري على ارتفاعات عالية. وبتفكيك الأمونيا والأسيتيلين باستخدام الأشعة فوق البنفسجية اتضح أن ذلك أفضل نموذج يناسب البيانات المجموعة من قبل "كاسيني".
البقعة الحمراء الكبرى تعد من المميزات القديمة لغلاف المشتري الجوي فهي أعرض من الكرة الأرضية بمرتين. ويحتوي المشتري على ثلاث طبقات رئيسية من السحب والتي تشغل ارتفاعات محددة في سماءه وهي من الأعلى للأدنى : الأمونيا و بيكبريتيد الأمونيوم والمياه.
وبالنسبة للسؤال عن سبب رؤية اللون الأحمر الكثيف فقط في البقعة الحمراء الكبرى وبعض البقع الأصغر، فيعتقد الباحثون أن للارتفاع دوراً مفتاحياً في ذلك، فالبقعة الحمراء عالية جداً، يقول "باينز" ويضيف : أن هذه الأعاصير تصل إلى ارتفاعات عالية جداً لا تستطيع السحب العادية أن تصل إليها. ويظن الباحثون أن ارتفاع البقعة يمكن ويعزز بنفس الوقت من احمرارها. فرياح البقعة العاصفة تنقل جزيئات جليد الأمونيا في الغلاف الجوي أعلى من المعتاد، لتتعرض عندها إلى قدر أكبر من الضوء فوق البنفسجي الآتي من الشمس. وطبيعة البقعة الدوامة تحصر الجسيمات مانعة إياها من الهرب مما يسبب احمرار قمم سحب البقعة أكثر من المتوقع. مناطق أخرى من كوكب المشتري تعرض لوحات مختلطة من اللون ابرتقالي والبني وحتى ظلال من اللون الأحمر، وهي مناطق تكون فيها السحب الزاهية المرتفعة أرق من المعتاد، سامحة لنا بذلك أن نرى أعمق في الغلاف الجوي حيث توجد المواد الأكثر تلوناً وتنوعاً.
من الجدير بالذكر أن بعثة "كاسيني-هويغنز" هي مشروع تعاوني بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوربية ووكالة الفضاء الإيطالية ومخبر الدفع النفاث.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/ Space Science Institute