سلسلة الحب- الجزء الثالث: بناء العلاقات.

استمع على ساوندكلاود 🎧

العلاقة بين الشريكين تحتاج دوماً للعناية والرعاية والتوطيد، فهناك عدة عوامل تساعد على تقوية الصلة وتعميق جذور الحب لتصبح ثابتة راسخة مع مرور الزمن ...

إذاً كيف نبني علاقة قوية؟

أولا : الارتباط :

الإنسان كائن اجتماعي مجبول على الارتباط والانتماء، منذ اللحظة الأولى التي يرى فيها النور حتى بقية حياته، وقد اعتمد كل من العلماء Kim Bartholomew و Leonard Horowitz أربعة أنواع للارتباط بين الشريكين بناء على نظرة الشخص لذاته وللآخرين سلباً أو إيجاباً، أفضلها الارتباط الوثيق، حيث يكون الأشخاص الواثقون إيجابيين حيال أنفسهم والآخرين، يشعرون بقيمة أنفسهم وقدرتهم على تقديم الحب فيتوقعون القبول والترحيب من الآخرين، تتميز علاقتهم بالسلاسة والرضا وهي أكثر العلاقات استمرارية.

أما النوع الثاني فهو الارتباط الشاغل (أو الشخصية الحريصة-المتناقضة) فتشمل التصور الإيجابي تجاه الآخرين ولكن مع الشعور بالنقص الذاتي، يكون فيها الشخص ضعيف الثقة بغيره مما يجعله كثير الشك والغيرة، وقد ينفصل عن شريكه عدة مرات، وأثناء الجدالات يميل للانفعال والغضب غالباً.

أما الأشخاص الذين يملكون نظرة سلبية تجاه الآخرين فيقعون إما في الارتباط المرفوض أو الارتباط الخائف، حيث يتشارك هذين النوعين صفة التهرب، إذ يميل الشخص للانفصال أكثر من إنماء العلاقة وتطويرها، كما يفضلون العلاقات الصبيانية اللعوب التي لا تتضمن الحب إطلاقاً، كأن يعبر النوع الرافض "ما بدي أتقيد بشي ولا بحدا، بدي أضل عصفور طيار!". أما الخائف :"ما برتاح لما حدا يكون قريب مني كتير، من بعيد لبعيد أريح!".

ويعزو بعض الباحثون هذا التنوع في العلاقات العاطفية إلى التأثير التربوي، بأن مقدار ما يكتسبه الطفل من رعاية واهتمام والديه ينعكس بشكل طردي على ما يقدمه من دفء وعواطف لشريكه في المستقبل.

بينما يعتقد آخرون بأن أنماط العلاقات العاطفية تتعلق بمورثات الشريكين، حيث أن الجين المسؤول عن ميل فئران الحقول للعناق والتزاوج له أشكالٌ مختلفة بين البشر، ففي دراسةٍ وجد أشيع أشكاله لدى الأشخاص المتزوجين المخلصين، بينما وجد شكل آخر لدى العازبين أو محبي اللهو، كما لوحظ أن الذين كانوا يميلون للغضب والقلق أثناء فترة مراهقتهم تكون علاقاتهم أكثر ضعفاً وهشاشة .

ثانيا: الإنصاف :

حينما يطلب منك زميل غريب في الجامعة استعارة كتابك أو قلمك، أو شرح بعض النقاط الغير مفهومة لديه، غالباً ستلبي طلبه ثم تشعر بأنه مدينٌ لك بخدمةٍ حين حاجتك، لأن رد الجميل أمر اعتدنا عليه في المجتمع الأخلاقيّ، لكن مهلاً، لن تشعر بذلك حينما يكون هذا الشخص هو صديقك الحميم، فحينها ستعطي دون مقابل، أو لربما ترفض ذلك دون أن تشعر بشيءٍ من الإحراج، فكيف إذاً بعلاقةٍ أقوى من الصداقة؟ (أو مثلها على الأقل).

في العلاقات طويلة الأمد والناجحة لا نجد بين الشريكين حساباتٍ للأفضال وأثمانها (كم مرة أخذت وكم مرة أعطيت)، فما يحتاجه أحدهم يلبيه الآخر بكامل رغبته ودون انتظار الجزاء، حتى وإن كان فيما يقدمه مشقة أو عناء، ويقول Wieselquist بأن هذا الإيثار المتبادل والنابع من رغبة الفرد نفسه يؤدي لنمو الثقة والطمأنينة بين المحبين.

وفي مثال حي وجد نتيجةً لاستفتاءٍ تابعٍ لمركز Pew للبحوث أن من بين تسعة خياراتٍ تدل على الزواج الناجح احتلت "مشاركة الأعمال المنزلية" المركز الثالث بعد "الإخلاص" و "العلاقة الجنسية السعيدة".

وفي مثالٍ آخر أجرى Robert Schafer دراسةً على مئات الأزواج خالصاً إلى أن الكثير منهم يشعر بأن زواجه غير منصفٍ بسبب كونه المسهم الأكبر في إدارة المنزل أو رعاية الأبناء أو الحصول على لقمة العيش، وهذا الشعور بالإحباط والظلم يتولد تدريجياً مع استمرار الزواج والاعتياد ودخول الأطفال ومسؤولياتهم على حياة الزوجين، بينما يسود الحب والرضا المتبادل "شهر العسل" وما يليه.. ثم لا تطول إقامة العسل على ما يبدو ليحل البصل والبطاطا والنيدو ومسؤوليات الأبناء ضيوفاً ثقال مدى الحياة!!

ثالثاً: الكشف عن الذات :

إحدى أجمل مزايا العلاقة المطولة العميقة التي يسعد بها الشريكين هي الكشف عن مكنون النفس والانفتاح على الطرف الآخر، التعبير بكل حرية عن جوانبنا النفسية والفكرية والشخصية بصدق دون أن نخشى فقد حبهم، عما نراه جميلاً في أنفسنا أو معيباً، فمع تطور العلاقة وتوطدها يتعرف كل من الشريكين على حقيقة الآخر بشكلٍ أكبر دون حواجز وأقنعة، حيث أشارت الدراسات إلى أن معظمنا يستمتع بهذه الحميمية، فهل هناك أروع من أن تنفرد بالخصوصية التامة لشخصٍ يعرف عنك كل شيءٍ أيضاً، ومن لا يملك شخصاً مقرباً إلى هذه الدرجة سيعاني من الوحدة والاكتئاب، أما عن سبب إنشاء هذه الصلة بين الطرفين فيُعتقد أنها أشبه بالفعل ورد الفعل، مثل رقصةٍ متناغمة يبدأ أحدهما بالقليل فيرد الآخر بالمثل ثم تكبر هذه الحلقة شيئاً فشيئاً.

وعن تأثيرات ذلك يقول الأخصائي النفسي Sidney Jourard بأن تعبير الشريكين لبعضهما بحرية عما يكتمانه عن الناس يغذي الحب ويعمق جذوره، إضافة لتأثيره الطيب على النفس والشعور بالارتياح والتغلب على القلق والمشاكل التي تواجهنا.

وفي دراسةٍ لمعهد Gallup عن الزواج تبين أن 75% من الأزواج الذين يتشاركون الأسرار والمشاعر سوياً يعتبرون زواجهم سعيداً جداً (مقارنة بنسبة 57% ممن لا يصرحون بها أمام أزواجهم)، فبالنسبة لهم فإن مشاركة المشاعر وسماع اعترافات كل منهما أمرٌ مفعم بالعاطفة والتعبير الصادق، وعادةً ما يتبادلون الآراء والانطباعات حيال علاقتهم ويحترمون شركاءهم ويصفونهم بالعشاق الرائعون.

"هذا هو جوهر الحب، اتصال نفسين وتداخلهما، يتقاسمان المهام والواجبات، ويتبادلان الدعم والتحفيز، ويتشاركان السعادة والرفاهية" Arthur Aron.

المصدر:

David G. Myers Social Psychology 10th Edition