كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
في أحضان الكتب، في أحضان المتعة.
أي كتاب تقرأه هو صندوق فيه هدية، قد تكون جميلة تعجبك وقد لا تعجبك ولكن في النهاية هي هدية ومهما كنت فظاً لا يمكن أن تردها، فيكفيك من الكاتب ما كابده من جهد ليقدم ليقدم لك هذه الهدية. فما بالك يا عزيزي لو جاء الصندوق مليئاً بهدايا رائعة ومن النوع الذي تحب!؟
وما رأيك يا صديقي بأنك كلما فتحت هديةً ضحكت من قلبك وقلت: "هذا العفريت! كيف يعرف أنني أحبها!؟"، وتتوقع أن يكون كما يقول المصريون: "جاب أخره"، ولكنه يفاجئك بالمزيد وبالمزيد حتى قاع الصندوق.
هذا بالضبط ما حدث معي وأنا أقرأ كتاب المبدع بلال فضل "في أحضان الكتب" فهو قد كتب على الصفحة الأولى من الكتاب إهداءً جاء فيه:
"إلى أحب بقاع الدنيا إلي
إلى تحويشة عمري وبهجة زماني
وشريكة صباحاتي وونيسة لياليَ ورفيقة ضُهرياتي
إلى مغنيتي عن سؤال اللئيم وصحبة الأنذال
.. إلى مكتبتي
أطال الله عمري في أحضانك".
هل قرأتم شيئاً كهذا؟ في العادة تكون المكتبة وسيلة لكي نشحن الذاكرة ونجود بالحرف لنهدي الكتاب لشخص عزيز علينا، هنا نجد تجسيداً عملياً لمقولة الفن للفن -إن صح الإستشهاد- فالكتابة للكتابة هذا ما خيّل إلي وأنا أبدأ في الكتاب.
ولكن حالما تبدأ خطواتك الأولى بين أشجار هذا البستان الأخضر تدرك أن الإنسان هو الغاية المطلقة لكل كلمة كتبت، الإنسان بالمعنى المطلق المجرد من كل الصفات التي تسبقه، كدينه وعرقه ولونه وانتماءه السياسي.
في مقالات بسيطة، قصيرة، خفيفة على القلب والعقل، يمكن أن تأخذها كسناك بين الوجبات الدسمة،يقدم بلال فضل مراجعات لكتب قرأها ولكتّابٍ أحبهم وتأثر بهم. وقد بلغ عدد هذه المقالات زهاء الثلاثين على ورقٍ بلغ تعداده 200 صفحة من القطع المتوسط.
إذا كنت قارئاً مُراً فمن المؤكد أن الكثير من العناوين التي في الكِتاب قد مرت بك سواءً قرأتها أم سمعت بها، وفي كِّلا الحالتين سيجدد بلال لديك الهمة لتعيد قراءتها أو لتقراءها للمرة الأولى وأنت مشحون بكم هائل من الإعجاب. ستمر عليك أسماء كثيرة: كعزيز نيسين وأورهان باموق وإلفت شفق وناظم حكمت ويشار كمال ودويستوفيسكي ونيرودا والماغوط وهنري ميلر وأسامة الدناصوري وماريو بورخيس وجارسيا ماركيز وأيفو أندريتش وسنان أنطون وغيرهم الكثير وأعتذر عن خلط هذه الأسماء بهذه الطريق حفظاً للمقامات المتفاوته. ستمر عليك هذه الأسماء ولِكلٍ قصته التي أحبها بلال فضل وأحب أن نشاركه المتعة فيها، فأبدّع وأمتّع.
السخرية تكاد لا تفارق الكتاب ولكنها مقبولة محمولة وتضيف المتعة للقارئ.
قبيل نهاية بستان هذا الكتاب يتوقف القارئ قليلاً عند تلك الشجرة الأمريكية الكبيرة الهرمة المسماة هنري ميللر ويستظل بظلها قليلاً ويالها من نسماتٍ عليلة تهب عليك من كل صوب فابن الثمانين لا يتوقف عن المرح وضخ الحكمة وكم أخذتني النشوة عندما وجدت كلاماً يطابق ما كنت أحدث به نفسي ولكني لم أملك الأدوات لأترجمه حروفاً على الورق حين يقول ميللر:
"الصداقة في رأيي -بعد الحب- أثمن ثروة تقدمها الحياة، إن المقدرة على أن تكون صديقاً لامرأة وبخاصةً تلك التي تحب، تشكل عندي الكمال المطلق، إذ إن الحب والصداقة قلما يتسايران. من السهل جداً أن يرتبط المرء بالصداقة مع رجل أكثر مما هي الحال عند المرأة وبخاصةٍ إذا كانت جذابة."
كما قلت في البداية كل الهدايا في الصندوق المسمى "في أحضان الكتب" جميلة للغاية وتبهرك، تصوروا حتى الصندوق نفسه وفي قاعه تفاجئك أثمن هدية في الكتاب، حيث تجد قائمة بأحلى الكتب التي يرى بلال أنها تعين على مرارة الزمن ووعثاء السفر، فتجد قوائم بأكثر الكتب إمتاعاً وأحلى كتب الابداع العربي والأحلى في الأدب العالمي والأحلى في الإسلاميات والأحلى شعراً والأحلى في التاريخ والشخصيات والتراجم والمقالات والتراث وغيرها.
ستمر معك في الكتاب عبارة تقول:
"اقرأ قليلاً ولكن بحب، فتبدو أنك أكثر قراءة من الذي يقرأ كثيراً بملل"، وأنا أقول بأنك لن تستطيع أن تقرأ بحب ما لم تكن المادة المقروءة قد كتبت بحب أكبر.
قليلةٌ هي تلك الكتب التي أبكتني!، نعم أبكاني هذا الكتاب ليس بسبب أنه حزين وكئيب، بالعكس فهو يضج بالمرح، هل وصلتك الفكرة؟ هل جربت مرةً أن تبكي من الفرح؟
أسعدني كثيراً هذا الكتاب يا عم بلال.
ربنا يفتح عليك ومش ناسيك من الدعوات التي بتشحدها في كل حتة من الكتاب.
معلومات الكتاب:
الكتاب: في أحضان الكتب
تأليف: بلال فضل
دار النشر: دار الشروق (القاهرة)
نوعية الكتاب: ورقي 212 قطع متوسط.