البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
الطرق الخمس التي تتفاعل بها خلاياك مع التوتر
يُعدُّ التوتر والإجهاد مرض العصر الخفيّ، وخطورته تشبه أي مرض مزمن يصيب البشر وقد دخل التوتر كأحد أسباب الوفاة حول العالم كحوادث السيارات والأمراض الخطيرة لأنَّ تأثيرَه يصل إلى حدوث تغيّرات دقيقة على المستوى الخلوي، فما هذه التغيرات؟
تَسارعٌ في نبضات القلب، تشنُجٌ في العضلات واحمرارٌ في الوجه، هذه بعض الأعراض التي يُظهرها الجسم في حالة التوتر والإجهاد لكن هذه الاستجابة قد تتسرب إلى الخلايا أيضاً لتُسبّب ارتفاع درجة الحرارة، وإنتاج السموم، والمرض، وخلل في عمل الخلية حتى لو كُنتَ بصحّة جيدة، وقد أجريت الكثير من الدراسات من قبل المعهد الوطني للصحة حول تأثير التوتر على الخلايا سنذكر خمسةً منها:
1- إنتاج بروتينات واقية:
إنّ ارتفاع الحرارة يُجهد الخلايا ويضرها، فزيادة حرارتها بمعدل 3 إلى 4 درجات يؤدي إلى تفكك البروتينات في الخلية وبالتالي تتوقّف الخلية عن العمل، وإذا ازداد التفكّك، تتشابك البروتينات مع بعضها مشكّلةً كتلة تؤدي لقتل الخلية. ولتفادي هذه الكارثة تعتمد الخلايا على مجموعة من الجزيئات تسمى بروتينات الصَّدمة الحرارية أو البروتينات المرافقة Chaperones التي تعمل بطرق مختلفة فبعضها يقوم بثني المناطق اللزجة الغنية بالكربون في البروتينات المفتوحة وتشكّل بذلك جيباً صغيراً، وبعضها الآخر يستطيل ليشكّلَ ذراعاً حامياً حول البروتين المفتوح المجاور له أو ما يشبه البرميل لعزل البروتينات عن بعضها تفادياً للتشابك، وعندما تعود الحرارة إلى طبيعتها تساعد بروتينات الصدمة الحرارية البروتينات المحميَّة على إعادة طيِها بشكل مناسب.
2- تطوّر الخلية:
تستخدم الخلايا آلياتٍ معقدةً للحفاظ على استقرار مادتها الوراثية، لكن عند التعرُّض للإجهاد تخف هذه الضوابط وتَحدث حالة من عدم الاستقرار الجيني. إنَّ قدرة الخلايا على التكيّف مع ظروف التوتر خلال مدة زمنية قصيرة كالخميرة (وهي كائن حي يُستخدم في دراسات الوراثة عند الإنسان) التي تقوم باكتساب كروموزومات أو فقدانها عند تعريضها لموادَّ كيميائية سبّبت لها الإجهاد، ففي دراسة أجريت في معهد Stowers للأبحاث الطبية ونتيجة لتعرُّض الخلية للإجهاد مدةً، طويلة طوّرت مستعمرات الخميرة - التي طرأ عليها تغير كروموزومي - مقاومةً لبعض المواد الكيميائية منها المضادات الحيوية، الأمر الذي سيُمكّن العلماء من استغلال هذه الخاصية في المستقبل لمنع مقاومة الأدوية وربما معالجة السرطان الذي ينتج عن خلايا ناقصة أو زائدة الكروموزمومات.
3- نَقل التغيُّر:
يُمكن للإجهاد أن يصلَ إلى أعماق الخلية ويسبب تغيراتٍ وراثيةً داخل النواة، وقد تُورَّث هذه التغيرات بالنتيجة إلى الأجيال القادمة، فقد أظهرت دراسة سويدية أنَّ تناوُلَ طعام محدد خلال حياة أحد أفراد التجربة ارتبط بإصابة أحفاده بالسكري والسمنة وأمراض القلب الوعائية.
أظهرت أبحاث أخرى في جامعة الطب في Massachusetts، أنَّ إطعامَ ذكور الفئران وفق نظام غذائي منخفض البروتينات أدّى لتغيُّر نشاط مئات الجينات في نسل هذه الحيوانات خاصة الجينات المسؤولة عن تصنيع الدهون، لأنّ زيادة تصنيع الدهن يُعدُّ ردَّ فعل وقائي من الخلية استجابةً لتعرضها للإجهاد، الأمر الذي يؤدي إلى السمنة وأمراض مرتبطة بها تشير الأبحاث الوراثية إلى إحتمال حدوث تغيّرات فوق جينية تُورَّث إلى الأجيال اللاحقة.
4. العودة بالزمن إلى الوراء:
تملك كل خلية في جسمك ساعةً لنهايتها، تدق تنازلياً مع توالي انقسامات الخلية بأمان، هذه الساعة تأخذ شكل القبعة وتسمى التيلومير Telomere (القطعة الطرفية) على طرفي الكروموسوم، تشبه النهايات البلاستيكية لأربطة الحذاء، حيث تحمي هذه التيلوميرات الكروموسومات من التفكك، لكن طول التيلومير يقصر كلما انقسمت الخلية، حيث تبين أن قصر التيلوميرات يرتبط بأمراض التقدم في السن، مثل التهاب المفاصل، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية والسكري، إضافة إلى مرحلة الشيخوخة نفسها. وتشير الأبحاث بأنَّ التوتر المزمن -سواءٌ أكان نفسياً أم خلوياً- يمكن أن يُنقص من طول التيلومير كثيراً، ما يسبب هرَم الخلايا وموتها المبكر، وكإجراءٍ مضاد تقوم خلايا معينة بالاستجابة للإجهادات المؤقتة كالخوف أو المرض عن طريق زيادة إنتاجها لأنزيم التيلوميراز Telomerase الذي يساعد التيلوميرات في الحفاظ على طولها.
5. الانتحار :
إذا فشل كل ما سبق، فقد تقوم الخلية بالانتحار بواسطة مسار يُسمى الموت الخلوي المبرمج Apoptosis، تمنع هذه الاستراتيجية الآثار المدمرة لموت الخلية الناتج عن الإجهاد الذي يُمكن أن يدمرَ أو يقتلَ الخلايا السليمة المجاورة لها عن طريق إثارة التهاب فيها.
لم يتمكن العلماء بعد من التوصل إلى كيفية تحول الخلية من حالة الاستجابة الوقائية إلى الموت المبرمج، لكن تقترح الأبحاث أن للأمر علاقة بتراكم البروتينات المتفتحة في جزء خلوي يسمى الشبكة الإندوبلازمية ER، فعند حصول ظروف مجهدة كالتعرض لمواد كيميائية، يحدث ارتباك في الشبكة وقد تعطي الجزيئات على غشائها إشارةً لبدء عملية الموت المبرمج للخلايا.
ونظراً لأنَّ موتَ الخلية قد يؤدي دوراً في عدد من الأمراض العصبية والقلبية الوعائية، فإنَّ فهمَ كيفية اتخاذ الخلية لقرار الحياة أو الموت قد يُسهم في تقليص الضرر الذي تسببه مثل هذه الحالات.
المصدر: هنا