الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية
هل يمكننا ايقاف النزيف بثواني؟
الباحثون يصنعون جسيمات نانوية مشابهة للصفائح الدموية يمكنها القيام بما هو أكثر من تخثير الدم
يعد التحكم بتدفق الدم الشاغل الرئيسي والهم الأول للطاقم الطبي في الكثير من حالات الإصابات و عند المرض وحتى أثناء الجراحة، وإذا لم يتم التحكم بهذا التدفق خلال الدقائق الأولى من النزف فإنه من المستحيل متابعة العلاج أو الشفاء.
توجه الباحثون في جامعة كاليفورنيا إلى الجسم البشري ليستلهموا منه كيفية التعامل مع العمليات المعقدة والهامة للتخثر.
وتمكنوا من تسريع عملية الشفاء الطبيعي وذلك باستخدام جسيمات نانوية تحاكي الشكل، والمرونة، والسطح البيولوجي للصفائح الدموية في الجسم مما فتح الباب لسبل جديدة في علاج حالات محددة للمرضى. وتعد هذه الخطوة إنجازاً مهماً في تطوير صفائح دموية صناعية، بالإضافة إلى عملية إيصال الدواء الموجّه.
- تعريف التخثر وآلية تشكل الخثرة:
تعد عملية التخثر عملية معروفة لأي شخص منا فلا نجد شخصاً لم يعاني على الأقل من إصابات صغيرة كالخدوش مثلا، حيث يندفع الدم إلى موقع الإصابة، إلا أنه وخلال دقائق يتوقف التدفق وتتشكل سدادة في موقع الإصابة، ومن ثم تعمل الأنسجة، الموجودة تحت وحول هذه السدادة، على التلاحم مع بعضها البعض وفي نهاية المطاف تختفي هذه السدادة.
ولكننا لا نرى تسلسل عملية التخثر، وهي سلسلة من الإشارات والعوامل الأخرى التي تساعد في تخثر الدم وتسمح بالانتقال بين الحالة السائلة التي تتدفق بشكل حر في موقع الإصابة و المادة اللزجة التي تجلب عناصر الترميم والشفاء إلى الموقع، فالتخثر هو عملية تصميم متكامل يعتمد على مواد مختلفة من أهمها الصفائح الدموية، التي تعتبر مركب الدم الأساسي الذي يتراكم في موقع الجرح لتشكيل السدادة الأولية.
إلا أنها أثناء تدفقها في دمنا فإنها تكون خاملةً نسبياً مع ذلك وبمجرد حدوث الإصابة فإن الصفائح الدموية - بسبب الخواص الفيزيائية لشكلها واستجابتها للمؤثرات الكيميائية - تنتقل من مجرى التدفق الرئيسي للدم وسط الوعاء إلى جدار الوعاء الدموي لتتجمع وترتبط بمكان الإصابة ويبعضها البعض أيضاً، وأثناء قيامها بذلك فإنها تصدر مواد كيميائية تجذب المزيد من الصفائح الدموية الأخرى إلى موقع الإصابة، مما يؤدي في النهاية إلى سد الجرح.
ولكن ماذا يحدث إن كانت الإصابة بالغة أو أن المريض يتناول أدوية مضادة للتخثر أو قدرته ضعيفة على تشكيل خثرات سواء بالنسبة للإصابة الطفيفة أو المعتدلة ؟
هنا يأتي دور الصفيحات الدموية النانوية، والتي تسمى اختصارا بالـ PLNs، يمكن إضافة هذه الجسيمات الصغيرة، والتي لها شكل وسلوك الصفائح الدموية، إلى مجرى الدم من أجل زيادة إمداد الصفائح الدموية الطبيعية للمريض وبالتالي إيقاف تدفق الدم والبدء في عملية الشفاء لتسمح للأطباء ومقدمي الرعاية الآخرين بالبدء ومتابعة العلاج اللازم.
ويؤكد الباحثون أنه بهذه التقنية أصبحوا قادرين خفض زمن النزيف بنسبة 65% مقارنة بحالة عدم استخدام التقنية، ويكمن السر في هذه التقنية في محاكاة هذه الجسيمات النانوية المشابهة للصفائح الدموية PLNs للصفائح الدموية الطبيعية الموجودة في جسم الإنسان، حيث يمكن للجسيمات عن طريق محاكاة شكل ومرونة الصفائح الدموية الطبيعية التدفق نحو موقع الإصابة و التجمع هناك، كما يمكنها استدعاء الصفائح الدموية الأخرى إلى موقع الإصابة والارتباط بها مما يزيد من فرص تشكيل تلك السدادات الأولية.
تتميز هذه الصفيحات بميزة هامة جداً، فقد تمت هندسة هذه الصفائح الدموية لتنحل في الدم بعد انتهاء عملها، مما يقلل من المضاعفات التي قد تنشأ من إجراءات إيقاف النزيف الأخرى، ويقول أحد الباحثين "إن الأمر المهم في عوامل إيقاف النزيف هو التدخل إلى الحد الصحيح والكافي فإذا فعلت الكثير قد تتسبب بمشاكل، كما أنه إذا فعلت القليل فستتسبب بمشاكل أيضاً "
تسمح هذه الصفائح الدموية الصناعية للباحثين بالتفوق على الطبيعة في بعض النواحي، فوفقاً للأبحاث فإنه ومن أجل الشكل والخصائص السطحية نفسها يمكن للجسيمات النانوية القيام بأداء أفضل من الصفائح الدموية ذات الحجم الميكروني، بالإضافة إلى ذلك تسمح هذه التقنية بتوظيف هذه الجسيمات مع غيرها من المواد العلاجية و الأدوية التي قد يحتاجها المريض في بعض الحالات.
يقول أحد الباحثين: " يمكن لهذه التكنولوجيا أن تعالج مجموعة كبيرة من التحديات السريرية، والتي تكلف أيضا الكثير من المال، فالناس أصبحوا أكثر عرضة للموت نتيجة الأدوية التي تمنع تخثر الدم، فعندما يأتي المرضى المسنون إلى عيادة فإن هناك تحدياً كبيراً لنا وذلك لأننا لا نملك أي فكرة عن تاريخهم المرضي ومع ذلك نحتاج للتدخل السريع".
لكن مع التقنية الجديدة سيكون الأطباء قادرين على تحقيق توازن أفضل بين المعالجة بمضادات التخثر (لمنع تشكل الجلطات) و تأمين التئام الجروح للمرضى الأكبر سناً وذلك باستخدام جسيمات نانوية تستهدف مكان تشكل الخثرات دون التسبب بأي نزيف غير مرغوب به .
وفي تطبيقات أخرى فإنه يمكن صناعة هذه الجسيمات بحيث تلبي متطلبات محددة للانتقال إلى أماكن محددة في الجسم، عبر حاجز الدماغ على سبيل المثال، وذلك من أجل تشخيص وعلاج أفضل، بالإضافة إلى ذلك ووفقا للباحثين فهذه الصفائح الدموية الصناعية ذات تكلفة أقل نسبياً وبمدة صلاحية أطول من الصفائح الدموية الطبيعية وهذه ميزة مهمة في حالات الطوارئ والكوارث حيث تكون الحاجة لمكونات الدم في أعلى مستوياتها كما أن القدرة على تخزينها في الموقع أمر ضروري جداً.
المصدر: هنا