الفيزياء والفلك > فيزياء
عندما تقترن الموسيقى بالفيزياء ...يولد الابداع
"إذا ما أردت معرفة أسرار الكون، فكر من وجهةِ نظر الطاقة،التردد والإهتزاز" نيكولا تسلا
ضمن هذا الفيديو الرائع حاول العازفون مع فريق العمل وبكل حرفية واتقان تحويل الصوت الى أشكال وحركات بصرية مذهلة.
ففي البداية تَظهر صفيحة سوداء معدنية نُثر عليها رمل أبيض تدعى بصفيحة كلادني، هذا الرمل سوف يتموضع وفق أشكال مذهلة عندما تهتز الصفيحة بترددات معينة (ترددات طنينية)، لفهم ما حدث علينا أن نعود لمفهوم فيزيائي اشمل وهو الأمواج المستقرة، فعندما نأخذ حبل مثبّت من أحد طرفيه بالحائط، ونشدّ الطرف الآخر بقوة ونهزّه بشكل متواصل، عندئذ تنتشر موجة على امتداده إلى أن تصل لطرفه المثبت بالحائط، فتنعكس عنه وترتد بالاتجاه المعاكس لتتداخل مع الموجة الأصلية. تتداخل الأمواج القادمة مع المرتدة ويأخذ الحبل شكلاً ثابتاً متميزاً، إذ تهتز أجزاء منه بسعةٍ كبيرة بينما تبقى نقاط أخرى ساكنة تمامًا. ونقول في هذه الحالة أننا حصلنا على أمواج مستقرة، إلاّ أنه وحتى تتشكل هذه الأمواج يجب أن يهتز الحبل بترددات معينة فقط، لا تتشكل الأمواج المستقرة في غير هذه الترددات التي تدعى بالترددات الطنينية وهي تساوي لمضاعفات التردد الطبيعي للحبل (وهو أصغر تردد يميل الحبل عنده للاهتزاز عند تحريكه _أصغر تردد في حالة الحبل هو عندما يتشكل عقدتين فقط عند طرفي الحبل). وهنا تم وضع مكبر صوت ذو اتصال مع صفيحة معدنية (صفيحة كلادني)، وبالتالي اهتزازات الصفيحة ستُحرك الرمل في أنماط مختلفة حسب التردد المطبّق أي ستتشكل أمواج مستقرة وهي مجموعة من المناطق الساكنة حيث سيستقر عليها الرمل ومناطق متحركة يرتد عنها الرمل.
ضمن لقطات أخرى رأينا الماء وهو يتدفق من انبوب يمر عبر مكبر الصوت، لكن الشيء المذهل هو أن الماء بدا وكأنه ساكن وفق شكل اهتزازي معين، اهتزاز الماء هو أمرٌ طبيعي ناتج عن تأثّره بالموجات الصوتية، لكن لماذا ثبت على شكل معين وكأنه متجمّد؟! ما حدث في الواقع هو خدعة تصويرية، فإذا كان تردد الاهتزاز الصادر عن مكبر الصوت يطابق معدل عدد لقطات الكاميرا في الثانية الواحدة فإن الماء سوف يبدو وكأنه ساكن لا يتحرك، نفس التأثير يمكن ملاحظته عند تصوير إطارات سيارة تتحرك بسرعة معينة.
من ضمن ماشاهدنا ايضًا، طَبق سائل موجود على قمة مكبر الصوت، هذا السائل يعطينا أشكال حركية جميلة، وطريقة حصولنا على هذا التأثير مشابهة لطريقة أنبوب الماء، لكن حتى يحصلوا على نماذج متحركة غير ساكنة، قاموا بأخذ أعداد مضاعفة من تردد الاهتزاز السابق لمكبر الصوت.
الإثارة ظهرت أيضاً ضمن مشاهد تُظهر لنا كيف أن سطح سائل يتحوّل ليعطينا منحوتات فنيّة مدهشة، هذا السائل ينتمي للسوائل الممغنطة magnetic liquid ، وهي سوائل غروية تستجيب للحقول المغناطيسية الخارجية فتولّد نماذج وأشكال وحركات غير اعتيادية، يتعلق ذلك بخطوط الحقل المغناطيسي المطبّق والذي يترافق مع الايقاعات الموسيقية.
في بعض المشاهد يَظهر أحد الموسيقيين وهو يعزف بإحدى يديه، وأصابع اليد الأخرى يحركها على كرة زجاجية تعطي عروض بصرية رائعة تدعى كرة البلازما، وهي كرة زجاجية مملوءة بخليط من غازات خاملة (لا تتفاعل) مثل الهليوم والنيون والكريبتون، ويكون ضغط ذلك الخليط منخفضًا، في مركز الكرة يوجد مسرى كهربائي يُستخدم لنقل الكهرباء من الدارة الموصولة به من أسفله إلى الفراغ المحيط به، عندما يتم توصيل الكهرباء فإن تياراً كهربائياً بتردد عالٍ ينتقل من المسرى ليجتاز الذرات الغازية المحيطة به، فتتأين الذرات، مما يعطيها شحنة كهربائية بوقتٍ واحد، ما يسبب انبعاث ومضات من الضوء، الغاز المؤين السابق ندعوه بلازما. وبما أن الالكترونات وبسبب شحناتها المتماثلة سوف تتنافر فيما بينها فإنها ستحاول الابتعاد عن بعضها قدر الامكان فتنطلق من المسرى المركزي في كل الاتجاهات نحو الزجاج الخارجي، وهذا ما نراه على شكل خيوط من البلازما المرئية.
وضِع يدك بالقرب من الزجاج سوف يغير الحقل الكهربائي الموجود بين المسرى المركزي والزجاج، حيث يزيد من فعالية القوة التي تدفع بالالكترونات نحو الخارج، ولهذا فإن خيوط البلازما سوف تبدو وبفعل الخصائص الناقلة للجسم البشري وكأنها تنجذب نحو يدك، طبعاً الطاقة المستخدمة في كرة البلازما منخفضة، بحيث انك لن تتأذى عند اجتياز خيوط البلازما ليدك.
نصل الآن إلى انبوب روبن، وهو الأنبوب الذي يتصاعد منه اللهب وفق ايقاع مماثل لايقاع الموسيقى، ذلك الانبوب الطويل يُملأ عادة بغاز البروبان، وعند عزف نغمات ذات ترددات مطابقة أو مضاعفة من ترددات طنين الانبوب، سيتشكل مناطق ضغط منخفض وأخرى مرتفع في الغاز، وهذا ما سيؤثر على ارتفاع اللهب.
في هذا الفيديو تم استخدام ثلاثة نغمات مختلفة لتُشكّل ( 3 أو 4 أو 5) أمواج من النار عند كل تردد.
آخر الاجهزة التي رأيناها هو جهاز ضخم له شكل الفطر، يدعى بوشيعة تسلا، يمكن اعتبارها كنموذج مكَبّر عن كرة البلازما، تُعطي عند انفراغها شرارات كهربائية تشبه انفراغات كرة البلازما لكن بطاقات أكبر. تتجاوز كموناتها ال 500 ألف فولت، هذه الوشيعة تسمح لك بالتحكم بتوقيت الشرارة، وذلك ما يساعد على استخدامها بشكل متزامن مع ايقاع النغمات. إلّا أن لهذه الانفراغات العنيفة آثار خطيرة فتياراتها يمكن أن تسبب تشنجات لا إرادية للعضلات إذا ماتعرض لها شخص ما، وربما سكتة قلبية، وبسبب هذه المخاطر يُستخدم عادةً قفص فاراداي وهو هيكل ناقل للتيار يعمل كدرعٍ واقٍ من الحقول الكهربائية الساكنة الخارجية، والتي ستسبب إعادة ترتيب الشحنات الكهربائية في مادة القفص الناقلة فتلغي بذلك أثر الحقل في المناطق داخل القفص.
هل اكتفيت؟ إليك إذاً الجزء الأكثر غرابةً، إن فريق العمل قام بكتابة المقطوعة الموسيقية بعد أن قام بتصوير الفيديو واختيار الترددات المناسبة لعمل الأجهزة السابقة، ومن ثم استعملوا تلك الترددات في النغمات الموسيقية.
المصادر:
مصدر الصورة: CyMTICSDOTORG