الهندسة والآليات > التكنولوجيا
عين لندن
تعتبر المباني والمنشأت المرتفعة من أهم الأماكن التي تجذب السياح في مختلف أرجاء العالم لما تتيحه للسياح من فرص للإطلال على المدن ومراقبة حركة هذه المدن. فكمثال على هذه المباني نجد مبنى الـ Empire State في نيويورك، برج Sears في شيكاغو، برج خليفة في دبي، والقائمة تطول. إلا أن مدينة لندن تفخر بمعلم سياحي من نوع أخر ألا وهو عجلة لندن العملاقة أو ما يعرف بـ "عين لندن"، التي يزورها سنويا حوالي 3.5 مليون زائر. فمن على ارتفاع 135 مترا يمكنك مشاهدة امتداد مدينة لندن لحوالي 40 كم، طبعا هذا إن حالفك الحظ بسماء صافية!
تقع عين لندن على الضفة الجنوبية لنهر التايمز وقد أطلق عليها في البدء اسم "عجلة الألفية". كان الهدف من تصميم هذه العجلة العملاقة هو الاحتفال ببلوغ القرن الحادي و العشرين. حيث أن مصممي هذه العجلة رمزوا بتقلبات العجلة إلى الانقلاب إلى القرن الجديد. ويبلغ ارتفاع عين لندن 135 مترا، بمحيط 424 مترا، مما جعلها العجلة الأكبر من نوعها في العالم بين عامي 2000 – 2006، إلى أن ظهرت The Singapore Flyer و التي يبلغ ارتفاعها 165 مترا. أما الآن فتتربع عجلة High Roller و التي تقع في لاس فيغاس على عرش أكبر العجلات في العالم بـ 167.6 مترا والتي تم أفتتاحها أمام الزوار في الشهر الثالث من العام 2014.
ما يربط عين لندن بأعياد الميلاد ورأس السنة هو قصة بدايتها، عندما قامت صحيفة صنداي تايمز في العام 1993 بطرح مسابقة لتصميم نصب تذكراي لمدينة لندن بمناسبة حلول الألفية الجديدة. فكان التصميم الأفضل هو من نصيب الزوجين المعماريين ديفيد ماركس و جوليا بارفيلد مؤسسي شركة "ماركس بارفيلد" للإنشاءات المعمارية. وبذلك يعود الفضل لهذين المهندسين الذين أتاحوا لـ 30 مليون زائر (العدد حتى منتصف عام 2008) بعيش تجربة فريدة لمشاهدة مدينة لندن.
تمويل المشروع:
لتأمين تكاليف هذا المشروع العملاق، تعاونت شركة ماركس بارفيلد مع الخطوط الجوية البريطانية التي تحصلت لقاء هذا التمويل على 50% من ملكية العجلة و أعادت تسمية المشروع باسم "عجلة الألفية للخطوط الجوية البريطانية". و كانت تتضمن خطة التنفيذ الأصلية أن يتم الأنتهاء من أعمال البناء خلال عامين و نصف، لكن ونتيجةً للتأخر في التمويل و بعض المشاكل الأخرى تأخر زمن البدء في التنفيذ مما أدى إلى تقليص زمن العمل إلى 16 شهراً. تم الأنتهاء من التنفيذ في الموعد المحدد وتم الافتتاح الرسمي في تاريخ 31 من شهر ديسمبر لعام 1999، إلا أن العجلة أصبحت مفتوحة أمام العامة في شهر مارس/ آذار من عام 2000. ويجدر بالذكر أنه في عام 2006 قامت شركة Tussauds بشراء ملكية العجلة لتعيد تسميتها باسم "العجلة الألفية".
التصميم والإنشاء:
يتخلف تصميم عين لندن عن العجلات التقليدية في نواحي عديدة مثل أن كبسولات الركاب مغلقة بالكامل على عكس المراكب المعلقة المستخدمة في نظيراتها من العجلات التقليدية، بالإضافة إلى أن الهيكل الأساسي للعجلة مدعم من جهة واحدة فقط مما يسمح للعجلة بالبقاء معلقة فوق نهر التايمز من جهة المشاهدة. ويتألف التصميم من إطار فولاذي هيكلي يأخذ شكل الحرف A ذو ساقين طويلين يربطان بين إطار العجلة والقاعدة طول كل منهما 58 متراً، ويتوضعان بزاوية ميل 65 درجة. و يحتوي التصميم أيضاً على كبلات خلفية تمنع الإطار من الميلان نحو النهر. ترتبط هذه الكبلات بالطرف العلوي للإطار ومن الطرف الآخر فهي مغروسة في كتل اسمنتية على عمق 33 مثر تحت الأرض .
تصميم العجلة يشبة إلى حد كبير عجلة الدراجة الهوائية. ويتصل المحور الدوار مع إطار العجلة بواسطة 64 قضيب بالإضافة إلى وجود 16 قضيب إضافي مثبت في الأتجاه المعاكس مع المحور لضمان عدم حدوث أي فرق بين دوران المحور و دوران العجلة. وتستطيع عين لندن تحمل العواصف القوية ووتفريغ الصواعق للحفاظ على سلامة الركاب. ولتدوير مثل هذه العجلة كان لابد من أستخدام محركات هيدورليكية مقادة بواسطة مضخات آلية. و تتوضع أنظمة الدفع في برجين يتوضعان عند منصة الصعود. حيث تدور العجلة بسرعة 0.96 كم في الساعة. مما يستغرق الدورة الواحدة 30 دقيقة.
تم بناء الأجزاء الرئيسية لعين لندن بعيداً عن موقع التشييد. ونقلت هذه الأجزاء بواسطة مراكب شحن إلى موقعها الحالي في الضفة الجنوبية لنهر التايمز. حيث قام العمال بتجميع عين لندن بشكل أفقي فوق منصة دعم مؤقتة، مما جعل أعمال البناء أسرع وأسهل وأكثر أماناً مما لو أن عملية التجميع كانت بشكل عامودي. وعند الانتهاء من أعمال التجميع قامت رافعات هيدروليكية برفع هكيل عين لندن الذي يبلغ وزنه 1200 طن ببطء. وبمجرد أن أتخذت هذه العجلة العملاقة توضعها الصحيح تم تركيب 32 كبسولة مراقبة على الإطار خلال ثمانية أيام. ويجدر بالذكر أن كل كبسولة تتسع لـ 25 شخصا، مما يسمح لعين لندن بحمل 800 راكب في ذات الوقت.
تصميم الكبسولات:
وبشكل مغاير للعربات المتأرجحة التقليدية، فإن كل كبسولة من كبسولات عين لندن محاطة بحلقتين قابلتين للدوران مثبتتين بالطرف الخارجي للإطار. عندما تدور العجلة الأساسية فإن الكبسولات ستدور أيضاً لتحافظ على وضعها الأفقي. و لكل كبسولة نظام تكييف وتدفئة خاص بها، وكذلك فإن هذه الكبسولات مزودة بزجاج مقاوم لتقلبات الطقس. كما أنها مزودة بنظام للتوازن، بمعنى أن الكبسولة سوف تبقى في وضع مستقر حتى لو جلس جميع الركاب داخلها في جهة واحدة. وترمز كل كبسولة من الكبسولات حي من أحياء مدينة لندن.
الإضاءة:
كانت تستخدم مصابيح الفلورسنت لإضاءة عين لندن، لكن كلفة صيانتها كانت مرتفعة. و بهدف إغراق عين لندن بالالوان المختلفة في المناسبات الخاصة، تم طلاء كل مصباح من مصابيح لفلورسنت بالهلام الملون. في العام 2006 تعهدت شركة Color Kinetics تركيب نظام جديد للإضاءة .LED و تم تزويد كل مجموعة من الليدات بمعالجات دقيقة، مما يسمح بالتحكم بالألوان و كثافتها و توزعها، فأصبح بالأمكان إضاءة عين لندن بمختلف الألوان و تقديم بعض العروض الضوئية المبهرة.
الحوادث:
في أذار مارس عام 2008 حدث خلل في عجلة القيادة حيث بقي 400 راكب معلقين في السماء لمدة ساعة تقريباً. حيث لاحظ المهندسون وجود خلل في واحد من الإطارات الدوارة فأضطروا لإيقاف العجلة لإجراء الصيانة الطارئة. لم يتأذى أحد في تلك الحادثة لكن العديد من الركاب شعروا بالخوف والذعر إلا أنهم عادوا إلى الأرض بسلام. و في عام 2002، أغلق المهندسون عين لندن لساعات بعد أن لاحظوا أن العجلة تدور بسرعة أكثر قليلاً من السرعة المعتادة، لم يكن هناك ركاب على متنها في ذلك الوقت.
إجراءات السلامة و الأمان:
خضعت عين لندن خلال بناءها إلى العديد من أختبارات السلامة و الأمان. كما أنها تخضع للمراقبة المستمرة، ففي كل صباح يقوم المهندسون وأجهزة الحاسوب بعمل فحص للسلامة يشمل جميع جوانب العمل. و أثناء التشغيل، تقوم مستشعرات الأمان المثبته في كل كبسولة بإرسال إشارات إلى غرفة التحكم للتعرف على الوضع في كل لحظة. و في حال حدوث مشاكل يمكن للشخص المسؤول أن يعيد أي كبسولة إلى المنصة الداخلية خلال ثماني دقائق كحد أقصى أما عن طريق تسريع الدوران أو عكس أتجاهه.
وفي الختام، إن كنت ممن ينوون زيارة عين لندن في فترة أعياد الميلاد أو رأس السنة، فتذكر أن من يقف وراء استمتاعك بالعروض الضوئية والمناظر الخلابة، هم نخبة من المهندسيين