الفيزياء والفلك > فيزياء
ماهي أصغر قوة مقاسة؟
باستخدام مجموعة من أجهزةالليزر ونظام احتجاز ضوئيّ يؤمن غمامة ذريّة شديدة البرودة تمّكن باحثون من جامعة كاليفورنيا ومختبر لورانس بيركلي الوطني من قياس قوّة شدّتها 42 يوكتو نيوتن ،واحد يوكتوهو مقلوب السبتليون(السبتليون هو واحد وبجانبه 24 صفر ). ونشروا هذه النتيجة في السابع والعشرين من حزيران 2014 في المجلة العلميّة المحكمة Science تحت عنوان
" القياس الضوئيّ لقوّة قريبة من الحدّ المعياري الكموميSQL". بحسب Dan Stamper-Kurn،أحد الباحثين المشاركين في هذا البحث، تمَّ تطبيق قوّة خارجية على مركز كتلة غمامة ذريّة شديدة البرودة في تجويف ضوئيّ عالي الدقة، ليتم بعد ذلك قياس الحركة الناتجة بشكل ضوئيّ. وقد تمَّ الوصول إلى حساسيّة قياس عالية جداً، متوافقة مع التوقعات النظريّة، وقريبة من الحدّ المعياري الكوانتي، الذي يعد أدقّ قياس يمكن تحقيقه . وقد تمّ الوصول إلى هذه النتيجة عندما كانت القوّة الخارجية المطبقّة متجاوبة مع تردد اهتزاز الغمامة الذريّة.
مع تطور فهمنا للعالم الكوانتي والثورات التي تحققت في الفيزياء النظريّة ازدادات حاجتنا لقياسات أكثر دقّة وحساسيّة، ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث، فإذا أردنا على سبيل المثال أن نثبت وجود الأمواج الثقالية التي توقعها أينشتاين في نظريّة النسبية العامَة والتي تتفاعل بشكلٍ ضعيف جداً مع المادة، أو أن نعين حدود استخدام قانون الجاذبيّة الموصوف من قبل نيوتن على المستوى المجهريّ نحتاج لقياس قوى وحركات غاية في الصغر. فعلي سبيل المثال يحاول العلماء في المرصد الليزري لقياس الأمواج الثقاليّة (LIGO) قياس حركات تبلغ من الصغر واحداً بالألف من قطر البروتون.
تستخدم كل أجهزة قياس القوّة هزازات ميكانيكيّة، وأنظمة لتحويل القوّة المطبّقة المراد قياسها إلى حركات ميكانيكية قابلة للقياس. ولكن مقاييس القوة والحركة تصل إلى حدود كوانتيّة من الحساسيّة تصطدم بحاجز يفرضه مبدأ عدم التعيين لهايزنبرغ( لا يمكن أبداً تحديد سرعة و مكان جسيم معاً بدقة )،حيث يؤدي القياس نفسه إلى اضطراب في حركة الاهتزاز وهذا ما يعرف بظاهرة الفعل الكمومي العكسي "quantum back-action."(فلإجراء عملية القياس سنعرض الجسيم للضوء حتماً، وبما أن الضوء عبارة عن فوتونات فإنها ستسبب تزحزح الجسيم أي ستغير سرعته ). على مدى العقود الماضية تمَّ اللجوء إلى عدّة استراتيجيّات لتقليص الفعل الكوانتي العكسي والاقتراب من الحد الكمومي المعياري،أفضل هذه التقنيات استطاعت الوصول حتى 6 -8 مرات من الحد الكمومي المعياري.
إن المميز في البحث المذكور أعلاه هو قياس قوّة بحساسيّة هي الأقرب من الحد الكوانتي المعياري. وقد تمّ الوصول إلى هذه النتيجة بسبب استخدام هزاز ميكانيكي مؤلف من 1200 ذرّة فقط من غاز الريبيديوم المبرّد إلى درجة قريبة جداً من الصفر المطلق. عن طريق حقلين كهرطيسين من الأمواج المستقرة بأطوال موجية تبلغ 840 و860 نانومتر تطبق قوى محورية ومتساوية ومتعاكسة على الذرات. يتم تغيير مركزثقل الحركة في الغاز بتعديل مطال حقل الضوء 840 نانومتر.وتقاس الاستجابة(الازاحة) باستخدام حزمة ذات طول موجي 780 نانومتر التي تدعى بالحزمة السابرة حيث يتغير طور هذه الحزمة اذا ماتحركت الغمامة.بحسب سيدني شريبلر Sydney Schreppler، إحدى الباحثين المشاركين في هذه الورقة البحثيّة،
فإن تطبيق قوّة خارجية على هذا الهزاز تشابه ضرب بندول ساعة بمضرب ومن ثم قياس رد الفعل(ستؤثر الفوتونات التي تملك كمية حركة على حركة الغمامة عندما تمتص الفوتونات وتعيد اصدارها) . وتعد قدرة الباحثين على فصل ذرات الروبيديوم عن محيطها وإبقائها مستقرة في درجة حرارة منخفضة جداً أحد أهمّ أسباب الحساسيّة العالية التي تم الوصول إليها والاقتراب من المعيار
الكوانتي الحديّ.ومن الجدير بالذكر أن ضوء الليزر المستخدم لحبس الذرات وفصلها عن ضجيج البيئة المحيطة لا يسخن هذه الذرّات.
بحسب Schreppler من الممكن الوصول إلى حساسيّة أعلى والاقتراب أكثر من الحدّ المعياري الكوانتي عن طريق مجموعة من ذرات أبرد ونظام تعقب ضوئيّ أكثر تطوراً. كما أنَّ من الممكن استخدام قياسات غير معياريّة للحصول على تقنيات لتقليص الفعل الكوانتي العكسي. إنَّ الاقتراب التجريبيّ من الحدّ المعياريّ الكوانتيّ الذي جرى في هذا البحث يؤمن للعلماء وسائل لمقارنة نتائج قياسهم لمطال وترددات الأمواج الثقاليّة مع القيم المتوقعة نظريّاً.
كما أنه وبنتيجة هذا البحث يمكن للعلماء الباحثين في صلاحيّة تطبيق جاذبية نيوتن في العالم الكوانتي التأكد من نتائجهم النظريّة(فميكانيك الكم لم يستطع وصف الجاذبية بعد على عكس القوى الثلاث الأخرى الكهرطيسية والنووية الشديدةوالضعيفة). من الجدير بالذكر أنه وفي عام 1980 تنبأت إحدى الورقات العلميّة أنه سوف يتم الوصول إلى الحد المعياري الكوانتي خلال خمس سنين، ولكنَّ الأمر تطلب 30 سنة أكثر من المتوقع.
المصدر: