دودة شريطية تتجول في دماغ رجل حي!

تُصيبُ الديدان الشريطيّة عادةً الكلاب والقطط والضفادع ... لكنّ هذه الدودة الشريطيّة قد جعلت من دماغ أحد الأشخاص منزلًا لها!

يبلغُ المريض المصاب بهذه الدودة من العمر 50 عاماً، وقد تمّ قبوله في أحد مشافي المملكة المتّحدة بسبب شكواه من الصداع، ونوباتٍ من الصرع، وتأثّر حاسّة الشم عنده إضافةً إلى تذكّره المفاجِئ والمتكرّر للعديد من الحوادث الماضية في حياته. لقد أصاب هذا المريضُ الأطباءَ بالارتباك، فاختبارات التحقق من الإصابة بالسّل والسيفلس والأيدز وداء لايم Lyme Disease* كانت كلّها سلبيّة (أي لا وجود لهذه الأمراض لدى المريض)، وعلى الرغم من أنّ التصوير بالرنين المغناطيسيّ أظهر منطقةً غريبةً في النصف الأيمن من الدماغ، فقد أظهرت الخزعة المأخوذة من المريض وجود الالتهاب، لكن لم تكن هذه المنطقة الغريبة على الصورة ورماً.

عبر الأعوام الأربعة التالية لذلك تمّ أخذ العديد من صور الرنين المغناطيسي للمريض وتمّت ملاحظة تحرُّك هذه المنطقة الغريبة عبر دماغ الرجل، حتى قرّر الأطباء في نهاية الأمر إجراء العملية الجراحية لإزالة هذا الجسم الغريب المتحرّك. وهنا كانت المفاجأة، إذ استخرج الأطباء من دماغ المريض دودةً بطول 1 سنتيمتر وذات شكل شريطي!

بَدَت هذه الدودة شبيهةً بالديدان الشريطية، لكن لم يتم مشاهدة دودة مماثلة لها في المملكة المتّحدة، لذا تمّ إرسال عيّنة من جسم هذه الدودة إلى Hayley Benett وزملائها في معهد Wellcome Trust Sanger في كامبريدج – بريطانيا.

أظهرت السلسلة الوراثيّة لهذه الدودة أنّها تنتمي لنوعٍ من الديدان اللولبية يدعى Spirometra erinaceieuropae وهو نوعٌ نادرٌ من الديدان الشريطيّة يوجدُ في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان وتايلاند. لقد تمّ تشخيص حوالي 300 إصابة بشريّة بهذه الدودة فقط منذ العام 1953، ولم تكن كل هذه الإصابات في الدماغ.

تبدأ هذه الديدان حياتها في الماء حيث تقوم بإصابة الأحياء القشريّة. يتمّ التهام هذه الكائنات القشريّة لاحقاً من قبل الزواحف وذوات الدم البارد مثل الضفادع والأفاعي. تنتقل الدودة بعد ذلك إلى آكلات اللحوم الأكبر التي تتغذى على ما سبق ذكره من زواحف وذوات دم بارد. تقول Bennet في هذا السياق: "لا يُعتَبَر الإنسان المضيف الطّبيعي لهذه الدودة، إذ أنّها عادةً ما تكون موجودة في القطط والكلاب وآكلات اللحوم الأخرى. لذا فعندما تصل هذه الدودة إلى الإنسان فإنّها لا تهاجر إلى الأمعاء كما ينبغي لها أن تفعل. ففي الحالات السابقة وُجِدت هذه الدودة تحت الجلد أو في الرئتين أو في الثّدي، إذ تمّ الشك في البداية بوجودِ ورمٍ في هذه الأماكن قبل أن يتمّ اكتشاف تَسَبُّبِ الدودة بهذه الإصابة".

عندما تصل هذه الدّيدان إلى الدماغ فإنّها تسبّبُ ما يدعى بـ(داء المُكَفَّنات)، وهو التهابٌ في الدماغ يكونُ مسؤولاً عن عدّةِ أعراضٍ كالصداع ونوبات الصرع، وهو ما أبداه مريضنا عندما راجع المستشفى.

تحتاج هذه الديدان لتعيش إلى استهلاك المغذّيات كالدسم والتي تحصل عليها مباشرة من الدماغ، والنسيج

الدماغي – كما هو معروف - غنيٌّ بالمواد الدسمة!

ولأنّ هذه الديدان نادرة الوجود، فإنّ الفريق البحثيّ قرّر أخذ نظرةٍ أكثرَ قرباً على شيفرتها الوراثيّة. لقد كان حجم شيفرتها الوراثيّة أكبر بعشرِ مراتٍ من الشيفرة الوراثيّة لأيّ دودةٍ شريطيّة تمّت سَلسَلتُها حتى الآن، وحوالي ثلث حجم الشيفرة الوراثيّة للإنسان. تُعزى هذه الزيادة في حجم الشيفرة الوراثيّة إلى زيادةِ حجمِ العديد من عائلات الجينات المسؤولة عن قدرة هذه الدودة على غزوِ واستعمارِ أنسجةِ مضيفها، وهذا ما قد يشيرُ إلى سببِ نجاحِها في التطفلِ على مدىً واسعٍ من الكائنات الحيّة.

أظهرت سَلسَلة sequencing الشيفرة الوراثيّة** أيضاً أنّ هذا النوع من الديدان الشريطيّة يقاومُ أحد الأدوية التقليديّة في القضاء على هذه الديدان والمعروف ب enzimidazole، لكنّها قد تتأثّر بدواءٍ آخر يدعى praziquantel - بالرغم من ذلك، فإنّ استئصالها جراحيّاً لدى هذا الرجل أدّى الى شفائه من أعراضه.

يقول الدكتور Effrossyni Gkrania-Klotsas من قسم الأمراض المعدية في مستشفى Addenbrooke، والذي شارك في هذه الدراسة: "لم نكن نتوقّع أن نرى مثل هذه الإصابة في بريطانيا، لكنّ ازدياد حركة السفر العالمي بين البلدان والمناطق المختلفة قد سمح بظهور بعض الأمراض والإصابات في غير موطنها الأصلي. كما أنّ بحثنا يظهر أن مقدارًا ضئيلا من الDNA يسمح لنا بمعرفة كلّ ما نحتاج معرفته عن نوع وخصائص الطفيليّ الذي نقوم بفحصه".

الهوامش:

**سلسلة الشيفرة الوراثيّة:

معرفة عدد وتسلسل الأحماض النوويّة ضمن صبغيّات الكائن الحي، وهو ما يفرّق الكائنات عن بعضها.

*داء لايم Lyme Disaese:

مرض جرثوميّ ينتقل عن طريق حشرة تدعى (القرادة)، يكون مسؤولاً عن الإصابة بالحمّى والصداع والتعب والاندفاع الجلديّ مكان القرصة.

المصدر:

هنا