علم النفس > القاعدة المعرفية
كيف تعمل خيبة الأمل في الدماغ؟
أظهر بحثٌ جديد أنّ الشعور بخيبة الأمل يرتبط بنوع غير مألوف من الإشارات الدماغيّة، حيث أنّ الشعور بالإحباط والكآبة ينطوي بشكلً دقيق على إنطلاق إثنين من النواقل العصبية في الدماغ في نفس الوقت (أحدها يعزّز الشعور بالإيجابية والآخر يثبّط ذلك الشعور). حيث تحدد نسبة هذين الناقلين درجة خيبة الأمل التي ستشعر بها، ويقول الباحثون أنّ هذا الإكتشاف سيقودنا لصنفٍ جديد من الأدوية لعلاج الإكتئاب.
يصفُ العلماء حالة تحرّرِ هذين الناقلين العصبييّن اللذين يحركان شعور الإنسان بالصدمة ب "زر التبديل"، حيث تعدّ هذه الحالة عملياً الأساس الكيميائي العصبي لكوننا نرى الكأس نصف ممتلئ أو نصف فارغ.
النواقل العصبيّة هي مواد كيميائية تنقل الإشارات من خلية عصبية لأخرى. ويستخدم الدماغ والجهاز العصبي العديد من النواقل العصبية لأهداف مختلفة كالتفكير والحركة، فنجد أنّ بعض هذه النواقل العصبية معروفة بارتباطها بالمزاج؛ كالدوبامين والسيروتونين، وتنتج الخلايا العصبية عادةً نوعاً واحداً فقط من النواقل العصبية، ونادراً ما تُنتج من إثنين.
في هذه الدراسةٍ الجديدة، وجد فريقٌ من العلماء بقيادة الدكتور Roberto Malinow أنّ اثنين من النواقل العصبية المعروفة، وهما الغلوتامات وGABA (حمض الغاما أمينوبيتريك)، يتحرّران في نفس الوقت من منطقةٍ صغيرة توجد في الدماغ تُدعى بالعِنان الوحشي Lateral Habenula لإحداث الشعور بخيبة الأمل. ويقول الدكتور Steven Shabel: "بزيادة نسبة إفراز الغلوتامات بالنسبة للـGABA يزيد احتمال كون درجة خيبة الأمل في الدماغ أكبر، وكلّما قلت نسبة الغلوتامات المفرز بالنسبة لـGABA كلّما يفترض أن تكون خيبة الأمل أقل".
أظهرت دراسات سابقة أنّ الشعور بالاكتئاب مرتبطٌ بحدوث نشاطٍ عصبيٍّ في منطقة العِنان الوحشي في الدماغ، حيث أبدت التجارب على القردة حدوث نشاطٍ متزايد في منطقة العِنان الوحشي عند عدم حصولهم على رشفةٍ من عصير الفاكهة أو مكافأة آخرى كانوا يتوقعونها. وفي هذه الدراسة الجديدة، قام الباحثون بدراسة القوارض؛ حيث أظهروا فيها أنّ الخلايا العصبية لدى القوارض المصابة بالاكتئاب تنتج نسبة أقل من GABA للغلوتامات مقارنةً بالقوارض غير المصابة بالاكتئاب. إضافةً لذلك؛ عندما يتمُّ إعطاء الحيوانات المصابة بالاكتئاب مضاد اكتئاب بغية رفع مستويات السيروتونين لديهم، فإنّ نسبة GABA سوف تزداد لديهم أيضاً. ما يدل على تعرضهم لخيبات أمل أخف بعد حرمانهم من مكافآتهم. هذا يعني أنّ مضادات الاكتئاب من المحتمل أن تقوم بتخفيف الاكتئاب عبر إعادة ضبط نسبة الغلوتامات والـGABA، ولكن بطرق يصعب السيطرة عليها من شخص لآخر، وقال الباحثون أنهم في حال استطاعوا تطوير علاجٍ يستهدف العِنان الوحشي في الدماغ بشكل أكثر انتقائيّة، فإنه من الممكن أن يكون لدينا علاج أفضل للاكتئاب.
تستهدف العديد من مضادات الاكتئاب الحالية مستويات السيروتونين، ولكنّ هذا الناقل العصبي يُستخدم من قِبل الدماغ والجهاز العصبي المركزي لأداء مهام متعدّدة أكثر من مجرد التحكّم في المزاج؛ كالتحكم بالنوم والذاكرة والشهيّة، وبالتالي فإنّ هذه الأدوية لاتؤثّر على الاكتئاب بشكل إنتقائي، كما يشغل كلا الغلوتامات و الـGABA مهاماً متنوعةً في الدماغ، وبالتالي لا يمكن اعتبارها أهدافاً جيّدة للأدوية أيضاً.
وبالتالي فإنّ التركيز على كيفيّة تعديل مع هذه الآلية الجديدة المكتشفة لعمل النواقل العصبيّة قد تكون وسيلةً واعدةً لاكتشاف جيلٍ جديد من مضادات الاكتئاب.
المصدر: