الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
أصل الكون
أصل الكون
سنتكلم بداية عن تاريخ علم الكونيات بداية بالقرن 18 حتى الأيام الحاضرة:
وسنركز على ثلاثة قضايا فلسفية. وقفت في طريق أن يصبح "علم الكونيات" علماً.
لماذا علم الكون؟
إن اكتشاف عام 2011 الحاصل على جائزة نوبل بأن كوننا متسارع في تضخمه . أثار جدلاً فلسفياً مهماً حول ماهية علم الكون. يأتي هذا في وقت توافر بيانات ومعلومات جديدة قادمة من سطح مجرة كبير تحاول توفير أجوبة عن اسئلة ملحة عن وجود المادة السوداء والطاقة المظلمة.
لكن لوقت طويل لم يكن يعتبر علم الكون علماً حقيقياً، بل عدّ أقرب الى الفلسفة منه الى علم الفيزياء.
اذا أخذنا بالاعتبار "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" للعالم نيوتن، هذا الكتاب الرائع الذي وضع أسس الفيزياء الحديثة من خلال توفير قوانين من الطبيعة قابلة للاختبار استطاعت أن تفسر مجموعة متنوعة من الظواهر القابلة للملاحظة بداية بالسقوط الحر، وحتى حركة الكواكب.
مع ذلك لم تفسر لنا فيزياء نيوتن الرياضية وضع حركة الكواكب في بداية الكون، أو بشكل عام، لم توضح لنا كيف تشكلت الكواكب والنجوم، وكيف تطورت، ثم كيف وضعوا في هذه الحركة؟ لذا وضعت هذه المهمة في القرن الثامن عشر في سياق آخر مثل نقاشات نيوتن عن الفلسفة الطبيعية، أو نقاشات الميتافيزيقا.
مثلاً، الفيلسوف الألماني الكسندر بومغارتن في كتابه "الميتافيزيقيا"، زعم أنه بما أن علم الكونيات يتضمن المبادئ الأولى في الفيزياء وعلم اللاهوت والغائية، والفلسفة العملية، فإنه يجب أن ينتمي إلى الميتافيزيقيا!
وضرورة إلحاق فيزياء نيوتن بأسس الميتافيزيقيا تجد تعبيرها الأكثر تأثيرا في أعمال ايمانويل كانط. إحدى أولى المحاولات للتفسير الميتافيزيقي الحديث لأصل الكون وفقا للنيوتونية يمكن العثور عليها في كتاب كانط "التاريخ العام للطبيعة و نظرية السماء"، تحت العنوان الفرعي، "مقال عن الدستور وأصول الميكانيكية للكون كله وفقاً للمبادئ النيوتونية". في هذا النص ادعى كانط أنه عند بداية الكون، لم يكن الفضاء فارغا كما زعم نيوتن، بل كان يشغله مواد صلبة ومعتمة تسبح بسرعه هائله في الفضاء ثم اصطدمت هذه الأجسام ببعضها البعض بقوة الجذب، ونتيجة هذا الاصطدام واحتكاكها ببعضها ولدت حرارة عالية جدا ونتجت عن هذه الحرارة غازات متوهجة كالغازات التي يتكون منها السديم، وأخذت الغازات بالدوران حول نفسها بسرعة عظيمة جداً ثم انفصلت عن نطاقها الاستوائي إلى حلقات غازية بفعل القوة الطاردة المركزية، ومن هذه الحلقات تكونت الكواكب السيارة ومنها الأرض أما الجزء الأسفل فكون الشمس.
في حين أن كلا من قوتي التجاذب والتنافر يمكن العثور عليها عند نيوتن كقوى أساسية في الطبيعة سواء في كتابه "المبادىء" أو في "البصريات"، فإن كانط قام باستخدام هاتين القوتين ليقدم تفسيرا للآلية المفترضة لبدء الكون. في القيام بذلك، وضع كانط أساس ما أصبح يعرف فرضية كانط-لابلاس السديمية، واحدة من أولى المحاولات العلمية لتفسير أصل الكون.
وهنا نلاحظ الصلة المثيرة للاهتمام بين الفلسفة والعلوم. كتاب كانط في عام 1755 "نشأة الكون" قدم الأسس لتطوير بعض الأفكار الأصيلة في علم الكونيات. ومع ذلك، كان كانط نفسه يشكك في إمكانية تطوير علم الكونيات كعلم، لأن الفكرة الميتافيزيقية جدا أن الكون له بداية في المكان والزمان بدت محفوفة بالتناقضات.
وهكذا في نهاية القرن ال18، بدت إمكانيات تطوير علم الكونيات كفرع من الميتافيزيقيا قاتمة، والطريق إلى علم الكون باعتباره علما لا يزال طويلا جدا.
لماذا تطلب علم الكونيات وقتا طويلا حتى أصبح علماً حقيقياً؟
لا يتعلق الأمر فقط بأن علم الكونيات محفوف بالتناقضات كما قال كانط. حقيقةً ثلاثة مشاكل رئيسية وقفت في طريق علم الكونيات قبل أن يصبح علماً حقيقياً.
كما نعلم، النظريات العلمية تسمح للعلماء بأن يقوموا باستدلالات على أساس قوانين الطبيعة. على سبيل المثال، بإعطاء قانون نيوتن عن الجاذبية، يمكن للعلماء القيام بالاستدلالات حول سقوط تفاحة أو أوقات المد والجزر.
تنشأ مشكلة محددة في علم الكونيات عندما نحاول استخدام قوانين الطبيعة لوضع استنتاجات حول أصول الكون. كيف يمكننا أن نعرف أن قوانين الطبيعة التي نعرفها ونحبها اليوم تنطبق على أصل الكون؟ ألم تأتي هذه القوانين إلى حيز الوجود مع الكون؟ وكيف يمكننا استقراء أصول الكون من الفيزياء الحالية و قوانينها لدينا؟
لكي يعتبر علم الكونيات علماً تجريبياً، ينبغي أن يكون بالإمكان إجراء تجارب لاختبار الفرضيات. ولكن إجراء التجربة عادة ينطوي على القدرة على تكرار الاختبار أكثر من مرة، وعلى عدة عينات مختلفة من نفس المادة. إذاً، إذا كان تكرار الاختبار على عينات متعددة في ظروف مختلفة هو المفتاح للتجارب، يتبين أن آفاق علم الكونيات كعلم تجريبي تبدو غير واعدة. حيث ليس لدينا سوى كون واحد لمراقبته ولتنفيذ التجارب عليه، وهو كوننا هذا.
المشكلة الثالثة مع علم الكونيات تتعلق بالمدى الذي يمكن استقراء المعلومات من وجهة نظرنا الحالية، التي هي كوكبنا الأرض، للكون ككل. تسمى هذه المشكلة "مشكلة الأفق". حيث أخذاً بالاعتبار حدود سرعة الضوء الذي يحد من قدرتنا في أن نعود إلى تاريخ كوننا، ومراقبته، اذا جاز التعبير، فإن كمية المعلومات التي يمكن الوصول إليها، مقصورة على أحداث فيما يسمى "مخاريط الضوء الماضية"، وهي أجزاء من الكون قادرة على إرسال المعلومات لنا.
فالأجسام التي على بعد أكثر من حوالي CT ، حيث C هي سرعة الضوء، لا يمكن أن ينظر إليها قبل الوقت T. هذه نظرياً لا تعد مشكلة كبيرة لأننا سنفترض أن أفقنا سوف ينمو وعندها سنكون قابلين لرؤية أي جسم. ولكن تذكروا أن كوننا يتسارع في التوسع أيضاً. وهذا يعني أن هنالك مناطق واسعة من كوننا ستبقى حتما غير قابلة للرصد إلى الأبد.
على الرغم من هذه المشاكل المنهجية الثلاث، فإن علماء الكون قطعوا شوطاً طويلاً من وقت فرضية كانط-لابلاس السديمية ووضعوا أسساً لعلم الكون كعلم قائم بذاته في ما لايزيد عن قرن من الزمان.
في المقالة التالية سنناقش حلول المشاكل المنهجية التي ذكرناها، ونستعرض المزيد من المعالم التاريخية في علم الكون
المصادر: