الموسيقا > تعرف إلى موسيقيي العالم
هيربيرت فون كارايان.
صوتٌ إذا سمعتهُ يترسَّخُ في ذاكرتك مدى الحياة.. يطرق مسامعك في كلٍّ حينٍ فترتعش منه كلُّ حواسك. هو ذاك الصَّدى من آلات الأوركسترا التي يقودها المايسترو (Herbert von Karajan)، القائد الأسطوري للفرقة الموسيقية لأوركسترا برلين الفيلهارمونية، والذي تربّع على عرش الموسيقى الكلاسيكيّة مانحاً فنّ القيادة حروفه الذهبيّة. فنراه يقود فرقتَهُ بحسٍّ داخليّ والنصف السفلي من جسده بالكاد يتحرك، في حين تكون يداهُ وذراعاهُ تحلِّق فوق الأوركسترا، كما هو الحال مع كلِّ قادة الفرق الموسيقية العظماء. فأقلُّ حركةٍ من المنصة "مكان وقوف قائد الفرقة الموسيقية" كافيةً لتغيير صوت الأوركسترا في لحظة. فإنّ أسلوب كارايان الذي اشتهر بهِ هو إفرادُ مساحةٍ كافيةٍ للنغمة الموسيقية حتى تخرج صافية ونقية كالبلور.
انشق صباح الخامس من نيسان لعام 1908على ولادة المايسترو كارايان في سالزبورغ في النمسا، كان جدُّ جدِّه قد ولد في ولاية روملية العثمانية في اليونان فهبَّت رياح الرحيل بهِ إلى فيينا في عام 1767 ثم إلى شيمنيتز في ولاية ساكسوني، وقد طرأ جزء von على اسمه بعد أن خدم في بلاط فريدريك أوغوستوس الثالث، وأغلب الظن أن جده من أمه هو سلوفيني الأصل، وأنه ذو قرابة مع الموسيقي النمساوي السلوفيني الأصل هوغو فولف. انجلى ليل الخامسِ والعشرين لينسابَ صباحُ السادس والعشرين من شهر حزيران من عام 1938 مرتدياً ثوب زفافه من مغنية الأوبرا (إلمي هولغيرلوف)،مضت السنوات سريعةً فكان عام 1942عاصفةً مزّقت حبل الوداد بينهما فانفصلا.
هبّت نسائمٌ رقيقة في العام نفسه حملت لـ كارايان على أجنحتها الشفافة زوجته الجديدة أنا ماريا (أنيتا) ساوسيت والتي هرب معها، بسبب نسبها ربع اليهودي، إلى ميلان في إيطاليا خوفاً من النازيين، ولم يدرِ أنّ ذاك الهروب لن يُبقيها معه طويلاً كأنّما الإنفصالُ يلاحقه أينما ذهب فكان الإنفصال الثاني في عام 1958.
درس كارايان الموسيقى في ريعان شبابه في مدينة سالزبورغ،فتراقصت أصابعُهُ على مفاتيح البيانو قبل أن ينتقل إلى فيينا ليدرس في جامعة الفنون الموسيقية فن قيادة الأوركسترا، فكانت الدروس الأولى له في عام 1912 مع فرانز ليدوينكا (Franz Ledwinka)، وفي عام 1916 بدأ بالدراسات الموسيقية في موتسارتيوم (Mozarteum) -جامعة الفنون الموسيقية والتعبيرية في سالزبورغ، أسستها زوجة موزارت بعد وفاته ونسبت الاسم له- مع أستاذه فرانز ليدوينكا على البيانو، وأساتذة آخرين في النظرية التطبيقية (Harmonic Theory) وموسيقى الحجرة (chamber music).
وقف حاملاً عصا المايسترو لأول مرة أمام الجمهور في عام 1929 كأوّل أداءٍ علنيّ له كقائد فرقة موسيقية في (Mozarteum) في سالزبورغ. كما كانت البداية الرسمية له في صيف عام 1933 في مهرجان سالزبورغ حيث أجرى عرضا موسيقياً أعدَّه "Bernhard Paumgartne" وأخرجهُ "Max Reinhardt". وعُيِّن قائداً للفرقة الموسيقية في مدينة Aachen (آخن) في عام 1934، حيث بقي حتى عام 1941. لم تكن حياته دائماً تسوقُ له الراحة والإستقرار والهناء فقد لاقى من الصعوبات الكثيرَ في مطلع حياته الموسيقية لعضويته في الحزب النازي الألماني، بالرغم من أنَّه طُرد منه لزواجه من امرأة تنحدر من أصول يهودية. وللسبب نفسه مُنع كارايان من قيادة أوركسترا فيينا لأداء حفلة في برلين عام 1946. وفي عام 1948 تمكَّن من قيادة أوركسترا سالزبورغ،ولم يمضِ عَقدٌ من الزمن حتى انتقل كاريان إلى قيادة أوركسترا برلين الفيلهارومونية ليستقر فيها أربع عقود فكانت تلك العقودُ شهرتَه الذهبية التي حقَّق من خلالها شهرةً حتى أصبح عَلَماً في مجال قيادة الأوركسترا. تلألأت حياته الموسيقية وظهر بريقها بقيادته لأوركسترا دار الأوبرا في فيينا ومهرجان سالزبورغ، وتولّى منصب المدير الموسيقي لأوركسترا برلين في عام 1955، وأنجز مع الأوركسترا عملاً دقيقاً ومعمّقاً، ولم يكن يتردد في معاودة تسجيل أعماله المفضلة مراراً وتكراراً. ومن هذه الأعمال سمفونيات بيتهوفن وقداس الموتى الألماني لـ يوهانس برامز (Johannes Brahms). ففي عام 1958 وقّع عقد لمدَّة خمس سنوات مع (Deutsche Gramophone) تضمن تسجيل كامل لسمفونيات بيتهوفن.
برغم التصاق الإنفصال به لم يأبه له فكان زواجه الثالث من العارضة الفرنسية إلييت موريه في عام 1958 وأنجب منها ابنيهما إيزابيل وأرابيل.
والجديرُ بالذكر بروز موهبة كارايان الموسيقية في إخراج موسيقى القرن التاسع عشر، حيث أبدع أيضاً في قيادة الأوركسترا التي تعزف موسيقى شومان (Robert Schumann) وفاجنر (Richard Wagner) وشتراوس (Richard Strauss). في 1965 تعاون مع المخرج الفرنسي هنري جورج كلوزو (Henri-Georges Clouzot) الذي خلّد إشاراته العصبية ونظرته المتقدة المتوهجة. بقي كارايان طوال حياته منفتحاً على كلِّ الإبتكارات، وكان من أوائل الموسيقيين الذين أيَّدوا إطلاق الأقراص المدمجة بتسجيله سمفونية لـ ريتشارد شتراوس.
في عام 1963، وقَّع كارايان على إتفاقية إستثنائية مع شركة دويتش غرامافون Deutsche) Grammophon) لتسجيل الأعمال الموسيقية، والتي كان قد بدأ تعاونه معها عام 1938 عندما سجل لصالحها إفتتاحية أوبرا «الفلوت السحري» لموتسارت (1943)، واستمر تعاونه معها في السنوات التالية، وارتبط اسمه بها وبالتطور التقني للموسيقى المسجلة على أشرطة مغناطيسية أو أسطوانات طويلة LP على مدى خمسة عقود. وقام بتسجيل القصيد السمفوني لـ شتراوس بتقانة النظام الصوتي الحديث آنذاك؛ الستيريو (Stereo) الذي حلَّ للمرة الأولى مكان تقانة صوت المونو (Mono) القديم. وفي عام 1981 سجل في برلين مرة أخرى إفتتاحية «الفلوت السحري» لموتسارت بتقانة نظام الديجيتال digital الحديث. وفي العام التالي ظهرت الأسطوانة الليزرية CD الأولى بتوقيعه من شركة سوني (Sony).
• تظهر الصورة واحداً من أهم الأحداث في تاريخ اتحاد الموسيقى والتكنولوجيا، حيث يتم تجريب أول قرص ليزري (CD) في مشغل الأقراص الخاص بشركة سوني (Sony)، وكان كارايان حاضراً التجربة في طوكيو عام 1982.
بقي المايسترو كارايان المدير الفني لأوركسترا برلين حتى تقاعد وذلك بسبب سوء صحته التي أدَّت لوفاته بنوبة قلبية في منزله في 16 تموزعام 1989.هذا وقد كان كارايان من المؤمنين بالبوذية الزين حيث كان يؤمن بالتقمص، وكان يتمنى أن يولد من جديد بشكل صقر لكي يطير فوق جبال الألب القريبة من قلبه.
وقد ترصَّعت مسيرته الفنية بكثيرٍ من الأوسمة التي تلألأت في سماء إبداعاتهِ، أهمها:
* الوسام النمساوي للعلوم والفنون (Austrian Medal for Science and Art)
* وسام الاستحقاق من جمهورية ألمانيا الاتحادية (Order of Merit of the Federal Republic of Germany)
*الميدالية الذهبية للجمعية الفيلهارومونية الملكية (Royal Philharmonic Society in London)
*جائزة اليونيسكو الدولية للموسيقى (The UNESCO International Music Prize)
والكثير غيرهم...
• في ذكرى مئوية مولده، إليوت كارايان تنثر الماء على قبر زوجها المايسترو
فمن الواجب أن نذكر ما حقّقه كارايان من شهرةٍ واسعةٍ في مجال قيادة الأوركسترا حتى أصبح نجماً عالمياً في مجال قلَّما اشتهر مبدعيه.
من أشهر تسجيلاته:
• Radetzky March - Strauss
• The Blue Danube – Strauss
• symphony 9 – beethoven
• Opera "La Bohème"
• 5th Symphony – Tchaikovsky
المصادر:
رابط صورة طوكيو:
رابط صورة ذكراه المثوية:
رابط الصورة: هنا
المصدر: هنا