البيولوجيا والتطوّر > التطور
للأيدي والزعانف منشأٌ وراثي واحد!
أراد العلماء منذ فترةٍ طويلة معرفة فيما إذا كانت الأيدي الحالية ترتبط بالزعانف عند الأسماك، وأخيراً، كشفت دراسةٌ حديثة بأنّ هذه البُنى ذاتُ صلةٍ ببعضها بالتأكيد...
حيث قام الباحثون بمقارنة التسلسل الوراثي لسمكة ماء عذب نادرة بالتسلسل الوراثي للفئران، ووجدوا أنّ الجينات المسؤولة عن نمو أيدي وأرجل الفئران مسؤولة أيضاً عن تطوّر الزعانف، ممّا يوحي بأنّ زعانف الأسماك القديمة قد تطوّرت إلى أطراف الحيوانات البريّة الحالية.
وتشير المستحاثات إلى أنّ المعصم له أصلٌ مائي واضح، لكنّ الزعانف والأطراف لها أغراض مختلفة، لذا فقد تباعدت ثم تطوّرت في اتجاهات مختلفة بحسب عالم الأحياء نيل شوبين Neil Shubin.
دعونا هنا نتعرّف على الاكتشاف الذي سبق هذه الدراسة:
في عام 2004اكتشف شوبين وزملاؤه مستحاثة لأحد الأنواع والذي يسمى Tiktaalik roseae، وهي سمكة منقرضة ذات زعانف مفصّصة تملك أرجلاً أماميّة وخلفيّة وقد عاشت خلال أواخر العصر الديفوني، أي قبل نحو 360 مليون سنة، ويعتقد العلماء أنّ هذا المخلوق قد يكون رابطاً بين الأسماك والبرمائيات.
منذ ذلك الحين، سعى العديد من علماء المستحاثات لفهم كيفيَّة تحوّل زعانف الأسماك القديمة إلى أطراف عظميّة قوية كما في حالة سمكة T. roseae. فلِأوّل وهلة، تبدو الزعانف مختلفة تماماً عن أطراف الحيوانات البريّة، حيث يتكوّن المعصمين والكاحلين من عظام عقدية صغيرة تتصل بعظام رفيعة طويلة (أصابع اليدين والقدمين). في المقابل، تتكون زعانف الأسماك الحالية من مجموعة من العظام الأكثر طولاً والتي تنتهي بعظام دائرية صغيرة تسمى العظام الكعبرية radials. ولكن لماذا فشل الباحثون حتى الآن بإيجاد رابط بين الأطراف والزعانف؟ ربما كانت دراساتهم تتم على السمكة الخطأ، فمعظم الدراسات قد شملت مجموعة كبيرة من الأسماك المُسمّاة بالمكتملة العظام Teleost fish، والتي تضم تقريباً جميع الأسماك التجارية والرياضية في العالم.
أمّا في هذه الدراسة، فقد وجد شوبين وزملاؤه أن مجموعة من الجينات تُسمّى جينات هوكس Hox، والتي تلعب دوراً هاماً لنمو الجسم، تملك تسلسلات مختلفة جداً في الأسماك المكتملة العظام مما هي عليه في الحيوانات البرية الحالية.
ومع ذلك، توضح هذه الجينات بأنه قبل أكثر من 300 مليون سنة، خضعت سلالة الأسماك المكتملة العظام لحدث يدعى تضاعف كامل الجينوم whole-genome duplication، والذي أدّى إلى تضاعف كامل الجينوم عند الأسماك. مثل هذه التضاعفات قد حدثت عدة مرات عبر التاريخ التطوري، وساعدت الأنواع على التكيف مع مجموعة واسعة من البيئات.
انشقَّت بعض الأسماك عن الكائنات العظمية قبل حدوث تضاعف الجينوم، أحد هذه الأسماك كان سمك الرمح المنقط Spottef gar، وهو سمك بدائي من أسماك المياه العذبة يتوطّن في أميركا الشمالية. قارن الباحثون جينات هوكس في الرمح المنقط مع تلك الموجودة في الفئران، فوجدوا مستوىً غير مسبوق من التشابه فيما بينهم. بعد ذلك أدخل الباحثون جينات سمك الرمح المرتبطة بنمو الزعانف إلى الفئران النامية، الأمر الذي سبّب نمو أطراف الفئران بشكل مطابق تقريباٌ لأطراف الفئران العادية. وبالتالي فهذه النتائج تشير إلى أنّ المعصمين والكاحلين في الحيوانات البرية قد تطورت بالتأكيد من خلال آليّات مماثلة كما في زعانف الأسماك القديمة.
المصادر
الدراسة كاملة متاحة مجاناً على الرابط التالي: هنا