الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية
الحرب والطبيعة البشرية
للحرب تعاريف عدة، ولكل فيلسوف وجهة نظر عن ماهية الحرب ومسبباتها يختلف بها عن الآخر
قام توماس هوبز باستكشاف العلاقة بين الطبيعة البشرية والحرب. فهي حالة من حالات الطبيعة التي تصبح فيها حقيقة الإنسان الداخلية مكشوفة ومحط الاهتمام. ويتبنى الفيلسوف هوبز فكرة أن هناك حاجة لقوة خارجية تفرض القوانين وإلا اتجهت الطبيعة إلى الحرب. " عندما يعيش البشر بدون قوة مشتركة تضمن بقاءهم في خشية، فإنهم يتحولون إلى حالة الحرب التي يكون فيها الإنسان ضد أخيه الإنسان". وهذا البناء الفكري الذي يطرحه هوبز يصلح نقطة بناء ممتازة للنقاش حول الميول البشرية الطبيعية، وجدير بالذكر أن العديد من الفلاسفة المشهورين يشاركونه الرأي إلى حد ما أو يصفون الأمور بطريقة مختلفة.
فلوك يرفض نظرية هوبز الفوضوية حول حالة الحرب في الدولة ولكنه يعترف أن هناك دوماً أشخاصاً سيستغلون حالة انعدام القانون.
بينما يقلب روسو الصورة ليناقش أن طبيعة الإنسان ميالة إلى السلام وعدم القتال ولكن عندما يتعمق روسو في السياسة الدولية يعود إلى العقلية نفسها ويقول في ملاحظاته L’état du guerre أن نظام الدولة يجب أن يبقى فعالاً وإلا انهار وأصبحت الحرب غير ممكنة التجنب والمحاولات لحلول السلمية غير مجدية.
وجهة نظر كانط في هذه المسألة أن الصراع الداخلي بين الناس وبعدها بين الدول يدفع بالإنسانية إلى تحقيق السلام والاتحاد،فليس منطق الإنسان وحده هو الذي يعلمه فوائد الوفاق السلمي، إنما الحرب - التي من غير الممكن تجنبها عندما تغيب الهياكل العامة – تدفع الإنسان ليتبنى ويأخذ بعين الاعتبار ترتيبات سلمية أكثر لحل أموره العالقة. وبالرغم من ذلك يحتفظ كانط بنظرة متشائمة للبشر عندما يقول: "تبدو حالة الحرب متأصلة في الطبيعة البشرية حتى أنها تعتبر فعلاً نبيلاً مستلهماً من حب الإنسان للكرامة من دون دوافع أنانية " Perpetual Peace.
في حين أحب هوبز أن يظهر تصوره "الذري" للإنسانية بكل جزئياتها، رفض العديد من الاجتماعيين فكرة الفرد المعزول الذي قام بتحريض الآخرين وبعدها اندفع إلى توقيع اتفاق مع غيره من الأفراد للحصول على السلام. بعض هذه الانتقادات تفضل فكرة التكوين "العضوي" لمجتمع يتمكن فيه الفرد من النقاش حول السلام من خلال عقد اجتماعي حيث يكون إعلان الحرب جزءاً لا يتجزأ من الهيكل الاجتماعي. يقول جون دون "لا يوجد إنسان يعيش في جزيرته الخاصة" أو التعبير الانكليزي " no man is an island ". وقال أرسطو: "الإنسان حيوان اجتماعي".
وبالتالي أي تفكير لبناء الإنسان أو هدمه من خلال الحرب، يقتضي تحليلاً للمجتمع الذي يعيش فيه هذا الإنسان. وبما أن طبيعة الإنسان متعلقة بالوقت والمكان الذي يعيش فيه، فإن الحرب والأخلاق متعلقة بالمكان والوقت أيضاً. وعلى هذا المبدأ يرى الاجتماعيون أن الحرب في العصر اليوناني تختلف عن الحرب في القرن السادس عشر. بينما يعترض المؤرخون على هذا الكلام ويرون أن حرب الإلياذة مازالت تلهم الأجيال في تصورهم لأنفسهم في الحرب.
مجموعة أخرى من الفلاسفة ترفض وضع نظرية للطبيعة البشرية والحرب. فيقول كينيث والتز: " بالرغم من أنه ليس هناك شك أن الطبيعة الإنسانية لها دور كبير في الحرب، فإنه لا يمكن لها وحدها أن تفسر حالة الحرب والسلم، فالإنسان يقاتل أحياناً وأحياناً أخرى يعيش في سلم".
لربما يجب البحث عن النقاط المشتركة بين المحاربين في العصور المختلفة، فقد يكون لهذا البحث أن يفيد المؤرخين العسكريين ونشطاء السلام ويساعدنا على فهم أنفسنا أكثر.
أي من هؤلاء الفلاسفة يتفق مع طريقة تفكيرك ورؤيتك للأمور؟
المصدر: هنا
الصورة: لوحة معركة سمولينسك للفنان الروسي ألكسندر أيريانوف