التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

المراسلات الأوغاريتية المصرية، بين السياسة والاقتصاد

خضعت العلاقات السياسية والاقتصادية بين مملكة أوغاريت وأرض النيل خلال مئات السنين لتطورات مهمة ، طبيعة هذه التطورات - من حلفاء لأعداء ثم حلفاء مجدداً - يمكن ملاحظتها أيضاً في الرسائل المتبادلة بين المملكتين .

أتاحت "المعاهدة الفضية " في عام 1258 ق.م الفرصة لأوغاريت لإحياء الروابط - مرة أخرى- مع مصر ، ومن المفترض ان المراسلات الأوغاريتية المصرية قد بدأت بذاك الوقت أيضاً .

الوثائق المتراسلة المحفوظة كتبت بفترات زمنية مختلفة بحسب مضمونها الذي اختلف جذرياً من فترة لأخرى .

اذا تتبعنا المراجع المتقطعة في ألواح Memphes ، Karnak لأمنحتب الثاني (1427-1400) قبل الميلاد ،المؤرخة ببدايات فترة حكمه ، والمذكورة في اوغاريت في مطبوعات Nubian قائمة أمنحتب الثالث (1388-1351 ق.م) في Soleb .نجد بأن أقرب شاهد هو دليل قاطع على أن العلاقات الموجودة تم تأمينها بوساطة المراسلات بين البلاطين الملكيين ، محفوظة في ارشيف تل العمارنة في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد .

المرسلات الاوغاريتية المصرية في تل العمارنة:

مجموعة مراسلات تل العمارنة (الأوغاريتية) هي وثائق أوغاريتية الاصل وجدت في أرشيف تل العمارنة مؤلفة من خمس رسائل شبه كاملة ، مبوبة في النسخة النموذجية ل Knudtzon :

EA 45 (VAT 1692)، EA 46 (VAT 1694)، EA 47 (VAT 1693)، EA 48 (VAT 1690) and EA 49(CG 4783; SR 4/12238/0).9

الالواح الأربعة المتبقية التي تنتمي للمجموعة موجودة في متحف الشرق الادنى القديم "Vorderasiatisches" في برلين ، باستثناء النص الأخير ،،EA 49،، الموجود في المتحف المصري في القاهرة .

جميع النصوص مكتوبة بالأكادية وموجهة من قبل ملك وملكة أوغاريت الى جاليتهم في مصر .

هوية المرسل كانت محفوظة في حالتين فقط هما EA 45 ، EA 49 ، أما البقية فقد تمّ مؤخراً التأكد من أصلها الاوغاريتي بوساطة التحليل الصخري والمعدني .

لا توجد رسائل موجهة من ملك مصر الى ملك اوغاريت ضمن المجموعات ، لذا يصعب علينا معرفة كيف عرّف ملك مصر نفسه في الرسائل ، إلا أنه بإمكاننا الحصول على فكرة عامة عنها عبر مراجع لمجموعة رسائل محفوظة أرسلها الملك المصري لشركائه.

على الرغم من الطبيعة المتجزئة لرسائل تل العمارنة "الأوغاريتية" إلا انه من الممكن اعادة هيكلة بنيوية النصوص من خلال بعض التفاصيل .

أغلب الظن أن كل الرسائل كانت بنيويتها مزدوجة تتضمن الافتتاحية ونص الرسالة .

أفضل مثال محفوظ عن الافتتاحيات موجود في (EA 49) من السطر( 1-7 ) مستهل بالعنوان يليه صيغة استذلال مختومة بتمنيات بالسعادة للملك المصري ولعائلته وحاشيته .

نستطيع ملاحظة نفس البنيوية تقريباً في افتتاحية EA 45)) ، ففي الافتتاحية من السطر( 1- 7) نجد إعادة بناء مبنية على اشارات فردية .

تم اثبات ان مراسلات تل العمارنة من الوثائق المتراسلة التي لديها صياغة محددة تتألف من "العنوان + تحية متضمنة الاستذلال + سلامات + سلامات موسعة" ويدل على ذلك بشكل خاص في بعض الوثائق الاكادية المتراسلة ذات الاصل الاوغاريتي .

بينما نجد ، رسالة من الملكة (؟) او "سيدة اوغاريت" (EA 48) تتضمن في افتتاحيتها من السطر(1-4) عنوان وصيغة استذلال وشكل بسيط من التمنيات بالسعادة فقط.

الرسالتان المتبقيتان (EA 46 ،EA47) متضررتان بشدة وبهذه الحالة لا يمكن الاستفادة منهما ، والأجزاء السليمة منهما تعود الى هيكل الرسائل ، فبالتالي يستحيل التخمين من شكل الافتتاحيات المتعلقة ببعضها .

إن نظام العنونة او تكنية الحاكم المصري في المجموعات الأوغاريتية ضعيف ومحدود، كما أنه يعود إلى خصوصية وطبيعة الوثائق الى حد ما.

من المستحيل ملاحظة اي اختلاف حاسم بين الصيغ الموظفة لتعريف الحاكم في الافتتاحيات وبين تلك المستخدمة في نصوص الرسائل . فبالتالي يعرّف المرسل اليه فقط ب "الملك" او "سيدي" او عشيقي" او "الشمس" .

المراسلات المصرية الاوغاريتية

الحقبة الرعمسيسية

تعود مجموعات رعمسيس من المراسلات المصرية الاوغاريتية الى مفصل آخر في علاقتهما بين القرن الثالث عشر قبل الميلاد الى بدايات القرن الثاني عشر قبل الميلاد .

وكما مراسلات تل العمارنة ، كذلك مجموعات رعمسيس تضم رسائل أكادية مرسلة من ملك اوغاريت الى ملك مصر (معلمة RS 20. 182 A +B) وبالإضافة لهذا تضم هذه المجموعات مجموعة مسودات متراسلة مكتوبة ايضاً بالأكادية :

RS 16.078 + 16.109 + 16.117 (CAT 2.23)،15RS 34.356 (CAT 2.76)16 and RIH 78/3 + 78/30 (CAT 2.81)

على عكس مراسلات تل العمارنة، تتضمن مراسلات رعمسيس رسائل من "الخارجية" المصرية الى ملك اوغاريت .

احدى الرسائل (RS 88.215819) موجهة الى حاكم Merneptah ومن الواضح انها كتبت بعد فترة قصيرة من تنصيبه في 1213 ق.م

وهناك رسالة اخرى موجهة لذات الحاكم ايضاً (RS 94.2002 + 2003،20) ولكنها لم تنشر بعد لذلك لم نضمنها في هذا المقال .

وفي رسالة اخرى يمكننا ان نجد شاهد استثنائي على العلاقات المصرية الاوغاريتية وهي رسالة من مسؤول البلاط المصري ورجل الدولة الاكبر Beya .

(RS 86.2230.22 )

اذا اخذنا بعين الاعتبار وجهة الرسائل، سواء كانت من اوغاريت لمصر او العكس، ومعدل مراسلات الافراد واللغات التي كتبت بها الرسائل، فإننا نجد تشابه وحيد فقط بين مراسلات رعمسيس ومراسلات تل العمارنة في وثيقة (RS 20.182 A + B) .

لكن بإمكاننا استكمال النقص في المعلومات عبر المسودات الاوغاريتية المحفوظة .

وعلى الرغم من ان افتتاحية (RS 20. 182 A+B) تكاد تكون غير مقروءة، الا ان هناك بعض الأثار التي تسمح اعادة بناء ذات البنيوية "الثلاثية" في افتتاحية (EA 49) والتي تتضمن العنوان يليه تقديم فروض الطاعة يليه تمنيات طيبة من المرسل الى المرسل اليه.

والان ننتقل الى ثالوث المسودات الاوغاريتية ، وهنا نجد التمثيل الافضل للافتتاحيات في (RIH 78/3 + 78/30 (CAT 2.81

وهنا ايضاً يمكننا ملاحظة البنيوية "الثلاثية" ذاتها مع تمنيات طيبة اكثر .

منذ ان تم التعرف على ذات البنيوية في رسائل ملكية اخرى مكتوبة بالأكادية والتي كانت اوغاريتية الاصل ايضاً، صار بامكاننا الاعتقاد بأن "الاسلوب التراسلي" او "تقليد التراسل" الذي عرفناه في وثائق تل العمارنة الاوغاريتية استمر بشكل جيد في الحقبة الرعمسيسية .

النص المجتزأ RS 34.356 (CAT 2.76) يختلف عن النص السابق بمحتوى اكبر ، بينما النص RIH 78/3 + 78/30 (CAT 2.81) يحتوي على نص كامل فيما يتعلق بالبنية . النص RS 34.356 (CAT 2.76)

يتضمن غالباً عينتان فقط من تشكيلات الافتتاحيات.

للأسف اخر وثيقة في هذه المجموعة RS 16.078 + 16.109 + 16.117 (KTU 2.23) لا تحتوي افتتاحية على الاطلاق .

وعلى الرغم من التأكيد المسبق لإمكانية تطابق "تقليد التراسل" في بنية الافتتاحيات من الممكن الملاحظة بسرعة ان تعريف المرسل اليه ،حاكم مصر، يختلف بشكل كبير عن ذلك الموجود في نصوص تل العمارنة .

وبرغم هذا فإن ملك مصر معرف كما في الواح تل العمارنة بـ "الشمس" ونعوت اخرى ملفتة للنظر وغير مألوفة .

الرسالة الاكادية RS 20.182 A + B)) تتضمن ثلاثة القاب ونعوت اخرى هي : "ملك مصر" ، "الملك العظيم" ، "سيد كل البلاد" ، ومن جهة اخرى المسودات الاوغاريتية تحتوي على الاسماء التالية : "ملك مصر" ، " سيد كل البلاد" ،"الملك العظيم" ،"ملك الملوك" ،"الملك الطيب" ،"الملك العادل" ،"الشمس" ،"سيدي" ،"سيدي الفاضل" سيدك الفاضل" ` .

يمكن توسيع هذه القائمة الى درجة معينة اذا احتسبنا مراجع الرسائل المشهود عليها المرسلة الى اوغاريت من "الخارجية" المصرية" .

RS 88.2158 and RS 86.2230.

على اي حال يجب علينا ان نبقي بأذهاننا ان RS 88.2158 تحتوي على اقتباسات موسعة للافتتاحيات من الرسائل الذي أرسلها الملك الاوغاريتي لجاليته في مصر .

الملك المصري معرف هنا ب "الملك" ، "ملك مصر" ،"الشمس" ،،"الملك العظيم" ،، "الابن الصالح للشمس" .

ما يظهر لنا من النظرة العامة المبينة اعلاه ان ذخيرة رسائل تل العمارنة اللغوية "البسيطة" التي عرّفت حاكم مصر بـ "الملك" ،"سيدي" ،،"الشمس" تم نسخها بشكل كامل في مجموعة رعمسيس .

ومع هذا كلما زاد الاختلاف بين مجموعات الرعمسيسية زادت الحاجة للمزيد من تحليل التفاصيل .

بالإضافة الى الالقاب والنعوت المدلول عليها والمعروفة بمصادر اخرى مثل "ملك مصر" و "الملك العظيم" هناك عدة عناصر مصدق عليها بشكل خاص في هذه المجموعات المعتدلة من الحروف وبالتحديد

"الملك العظيم"،، "سيد البلاد" ،، "ملك الملوك" ،، "الملك العادل" ،، "الملك الفاضل" سيدي الفاضل" ،،"سيدك الفاضل"،، "ابن الشمس الفاضل" .

ونستنتج بالخلاصة ان هناك ما يشبه "التقليد في المراسلة" كان يتبعه الكتاب الاوغاريتيين .

ويؤكد على ذلك البنيوية المشتركة للافتتاحيات في الوثائق المتراسلة في مراسلات تل العمارنة ورعمسيس

أثناء الحقبة الرعمسيسية وعلى وجه الخصوص بعد ابرام "المعاهدة الفضية" توسعت المفردات المستخدمة بتعريف الملك المصري .

وكما تدل الأمثلة إن المصطلحات "الجديدة" او "المخترعة" كانت مرتبطة بشكل وثيق بالعلاقات الدبلوماسية والسياسية بين قوتي ذك العصر العظيمتين مصر والحثيين .

الأمثلة الأوغاريتية عن الكتبة الملكيين الاوغاريتين تظهر الى حد معين (بسبب قلة الوثائق المحفوظة)، ان هذه المصطلحات "الجديدة" كانت مألوفة بالنسبة لهم وأنهم كانوا قادرين على استخدامها في أساليبهم وتراكيبهم الخاصة .

المصادر:

هنا

هنا