الهندسة والآليات > كيف تعمل الأشياء
كيف تعمل الطائرة؟ ج2
ألم ترَ طائرة من قبل بدون أجنحة ؟! بالتأكيد لم تفعل، ولن ترَ في المستقبل القريب والمتوسّط، لأن الأجنحة من البنى الرئيسية في الطائرات (ما عدا الطائرات العامودية) ولا يمكن الاستغناء عنها، فهي التي تميّز الطائرة وتمنحها قدرتها الفريدة على التحليق. في هذه الحلقة الهامّة سيتم شرح كيفيّة عمل الجناح بطريقة مبسطة.
هذه الحلقة مميّزة وهامّة جدّاً في فهم آلية عمل الطائرة، وبالأخص جناحها، حيث يتم شرح آليّة العمل الصحيحة للجناح بتبسيط شديد وبعيداً عن العلاقات الرياضيّة، بالإضافة إلى شرح فكرة توليد قوّة الرّفع.
كل الأجسام على سطح الكرة الأرضية تخضع لقوّة الثّقل الناتجة عن جذب الأرض للأجسام المحيطة بها. للطائرات بمختلف أنواعها وأشكالها أوزان مختلفة تتراوح بين عشرات الأطنان إلى عدّة مئات من الأطنان، فمثلاً طائرة الـ Boeing 747-8 تزن عند الإقلاع 442 طنّا.
الثقل هو قوّة موجّهة دائما نحو مركز الأرض وتعاكس قوّة الرفع التي تعمل بدورها على إبقاء الطائرة في الهواء، وطبعا لا يوجد أي طائرة بدون أجنحة لتحقيق الرفع المناسب. كالاحتكاك، فإن قوّة الرفع لا يمكن أن توجد إلّا ضمن وسط مائع وعند وجودها هناك حركة نسبيّة بين الوسط المائع (في حالة الطائرات هو الهواء) والجسم، أي أنّه لا يوجد فرق إذا كان الوسط متحرّكاً والجسم ثابتاً أو العكس، ففي الحالتين سيتولّد الرفع. الطائرة الهوائية مثلا التي يلعب بها الأولاد لا يمكن أن تحلّق بدون هبوب الهواء، ولكن الطائرة ذات المحرّك تطير حتّى لو كان الهواء ثابتاً. ما يهم فعلا هو السرعة النسبيّة بين الطائرة والهواء وهو الفرق بين سرعة الهواء وسرعة الجسم.
هناك فكرة سائدة عن كيفيّة توليد الرفع والّتي تقول أنّ شكل الجناح يجعل جريان الهواء فوق الجناح أسرع من الجريان تحته وذلك لأن طول الحافّة العلويّة في المقطع العرضي للجناح أكبر من الحافّة السفليّة ولذلك عندما تفترق جزيئتان من جزيئات الهواء عند مقدمة الجناح فإنهما سيصلان بنفس اللحظة عند مؤخرة الجناح. وحسب معادلة بيرنولّي، فإن زيادة سرعة الهواء تترافق مع انخفاض ضغطه، مما يؤدّي إلى أن ضغط الهواء تحت الجناح أعلى من فوق الجناح، وهذا الفرق في الضغط يولّد الرفع. هذه الفكرة الخاطئة عن الرفع سائدة ومنتشرة جدّاً لدرجة أنك يمكن أن تقرأها في كتب الفيزياء والعديد من المواقع على الانترنت. الخاطئ في هذه الفكرة هو التالي: لا يوجد أي ضرورة فيزيائية تستوجب وصول جزيئتي الهواء بنفس اللحظة لمؤخرة الجناح كما هو موضّح بالصورة السابقة و بالفيديو
بالإضافة إلى أن مبدأ بيرنولّي يطبّق فقط على طول خط الجريان، هذا يعني إذا حدث تغيّر في سرعة جريان المائع، فهذا يستوجب وجود تغيّر في الضغط على طول خط الجريان وهذا الفرق في الضغط يولّد قوّة اتجاهها يكون باتجاه فرق الضغط ولا يستوجب تغيّر بالضغط يكون اتجاهه نحو الأعلى. كمثال على ذلك فلتتذكّر خرطوم ماء مزارع الحيّ، فعندما يغيّر شكل فوّهة الخرطوم، نرى الماء يصل لمسافة أبعد وتصبح له سرعة أكبر. هذا يعني أنّ الضغط قبل فوّهة الخرطوم (وهو مكان تغيّر السرعة والضغط) أكبر منه بعد فوّهة الخرطوم. التغيّر في الضغط يولّد قوّة، وحسب مبدأ نيوتن الثاني فإن القوة تقوم بتغيير سرعة الجسم، وفي هذه الحالة سرعة الماء، وهذا التمثيل الصحيح لمبدأ بيرنولّي. الخطأ في تطبيق مبدأ بيرنولّي على خطوط جريان الهواء لتوليد الرفع هو أننا نريد أنّ نولّد فرق الضغط باتجاه عمودي نحو الأعلى.
إذن كيف يتم توليد الرفع؟
إذا اعتبرنا أن السرعة النسبيّة بين الجناح والهواء ثابتة إلى درجة كبيرة وأنّ خطوط جريان الهواء منتظمة، فإن وجود الجناح ضمن الهواء يعطي هذا الجريان المنتظم شكل معيّن، حيث تكون الخطوط أعلى الجناح مقعّرة وجهة تقعّرها نحو سطح الجناح، وعلى السطح السفلي تكون أقل تقعّراً ومتّجهة في معظمها نحو الجناح أيضاً.
إذا أخذنا مكعّباً صغيراً من الهواء الذي يجري أعلى الجناح بشكل مقعّر وتساءلنا عمّا يبقي هذا المكعّب على هذا المسار؟ الجواب هو القوّة المركزيّة وهي ذات القوّة التي تبقي السيّارات على مسارها أثناء الانعطاف وتتجه هذه القوّة في كل لحظة إلى مركز التقعّر. هذه القوّة هي التي تعطي خط الجريان شكله المقعّر.
لكن من أين تأتي هذه القوّة؟
هذه القوة هي نتيجة لفرق الضغط بين نقطة بعيدة عن الجناح نسبيا وبين الضغط عند نقطة عند سطح الجناح، أي أن هذه القوة هي نتيجة لفرق الضغط بين السطح العلوي للمكعب حيث الضغط أعلى من الضغط على السطح السفلي للمكعّب. أيّ أن الجناح يجبر الهواء الجاري أن يأخذ شكل معيّن يتوّلد عنه فرق ضغط محدّد يتّجه نحو مركز التقعّر.
بتطبيق هذه النتيجة على جميع خطوط الجريان فوق سطح الجناح (كما هو موضّح بالصورة السابقة) ابتداءً بالخط المستقيم وصولاً إلى سطح الجناح العلوي، نستنتج أنّ الضغط يتناقص شيئاً فشيئاً ابتداءً من قيمة الضغط الجوّي عند الخط المستقيم وصولاً إلى منطقة ضغط منخفض أقل من الضغط الجوي عند السطح العلوي للجناح. بتطبيق نفس الطريقة على السطح السفلي، وبسبب أن تقعّر الخطوط أقل يسود هناك منطقة ضغط أقل من الضغط الجوّي، إلّا أنه أكبر من الضغط السائد فوق سطح الجناح ولذلك يتم توليد الرفع المطلوب لبقاء الطائرة في الهواء.
هل تساءلت لماذا تقوم الأعاصير بسحب كل الأشياء إلى مركزها كما نشاهدها بالأفلام والبرامج الوثائقيّة؟
للإجابة على ذلك، عليك أن تشاهد الاعصار من الجو، فهو أيضاً هواء متحرّك وخطوط جريانه لولبيّة (للتسهيل يمكن اعتبارها دوائر لها نفس المركز). هذا يعني أنً الضغط يتناقص ابتداء من الدائرة الخارجية نحو مركز الإعصار ولذلك يقوم الاعصار بسحب كل ما في طريقه نحو مركزه.
بذلك نكون قد رأينا بعين المهندس والفيزيائي ماذا تعني الطائرة، وتعرّفنا على القوى المؤثّرة عليها والتي تجعل الاستغناء عن الجناح أمراً مستحيلاً. في الحلقة القادمة سنكون على موعد مع قدرة الطائرة على تغيير مسارها للوصول إلى وجهتها.
لمتابعة باقي الاجزاء
المصادر في آخر السلسلة
مصدر الصورة: هنا