خفايا لقب سفينة الصحراء

يعدّ الجمل أكبر الحيوانات الثديية الصحراوية وينتمي الجمل العربي Camelus Dromedarius إلى عائلة الجمليات. وقد انقرض هذا الجمل في البرية باستثناء وجوده برياً في أستراليا. تعتبر الجمال الاسترالية خاليةً من معظم الأمراض التي تصاب بها جمال مناطق العالم الأخرى لانعزالها، كما أنها عروق قوية. يبلغ ارتفاع الجمل 2.2 – 3.5 م، ووزنه 300 – 690 كغ. سرعته القصوى 64 كم/سا وهو نهاري عاشب يبلغ في عمر الثالثة حتى الخامسة ويمتد حمل الأنثى إلى حدود الـ 400 يوم، ويعمّر حتى الـ 50 عاماً.

"سفينة الصحراء" لقب استحقه الجمل بجدارة، فهو جزء حاضر في صور الحياة الصحراوية، حيث بيئته ومكانه، وحيث يمارس حياته بامتيازات كبيرة، فهو هائل القدرة على تحمّل ظروف الحياة الصحراوية المتطرفة. ولكشف أسرار تحمّله قساوة الصحراء لابدّ وأن نتعرف صفاته الفيزيولوجية والتشريحية.

- ما هي حقيقة تحمّل الجمل للجفاف والعطش؟

يستطيع الجمل البقاء دون ماء لمدة 6 أيام خلال الصيف و20 يوم خلال الشتاء. بل وقد يفقد الجمل 25 – 30% من وزنه بسبب العطش دون أن يموت في حين تموت بقية الثدييات بعد خسارة 15% من ماء جسمها. يمكن للجمل أن يشرب 46 ليتراً من الماء في المرة الواحدة، وفي بعض الحالات يحقق سرعة قياسية في عبّ الماء حيث يشرب 100 ليتر في 10 دقائق فقط!!.

إن خلايا دم الجمل بيضوية الشكل بخلاف الثدييات الأخرى، وهذا ما يحافظ على سهولة تدفق الدم في شرايينه حتى في حالات الجفاف الكبير. أمر مذهل لكن غير كافٍ، فللجمل قدرة على الاحتفاظ بالماء داخل الجسم؛ وهو لا يتعرق إلا بعد وصول درجة حرارته إلى الـ 40.5 مئوية، مما يقلل من كمية الماء المفقودة، كما يحتفظ بفضل تركيبة جسمه بالحرارة ليفقدها أثناء الليل البارد بدلاً من ذرف العرق للتبريد.

يعتبر الوبر الذي يغطي جسم الجمل والدهون المخزّنة في جسمه -خاصةً في السنام- عوازل حرارية جيدة حيث تحميه من درجة الحرارة المتطرفة وتقلل التعرق في الحر الشديد. عدا عن ذلك، يستطيع جهازه البولي تصفية البول واستخلاص كمية كبيرة من الماء منه قبل طرحه إلى الخارج.

يملك الجمل أمعاءً طويلة لدرجة تستطيع امتصاص آخر قطرة ماء من الطعام قبل طرحه خارج الجسم، ولذلك يبدو براز الجمل قاسياً نسبياً، وهذا بالتالي يقلل كمية الماء المفقودة أيضاً. تختزن أنسجة جدار المعدة ثلاثية الحجرات لديه كمية كبيرة من الماء للاستفادة منها عند الظمأ. ولا ننسى أيضاً أن أنف الجمل مبادل رطوبي فعّال يستثمر الرطوبة الخارجة مع الزفير.

- كيف إذاً يتحمل درجة الحرارة العالية جداً في الصحراء؟

تتغير درجة حرارة الجمل ما بين 33.9 و40.5 مئوية ما بين الليل والنهار دون أن يلحق به أي أذى. وللجمل خفّ سميك وعريض تحت أقدامه للحماية من حرارة الرمال الحارقة وتسهيل السير ومنع أقدامه من الغوص في الرمال. تغطي ركبة الجمل كذلك طبقة جلدية سميكة تحميه من حرارة الأرض عند الجلوس. كما أن سيقانه طويلة تبعد جسمه عن حرارة الأرض المرتفعة.

- كيف يتكيف مع شح الغذاء ونوعيته؟

للجمل شفاه سميكة وهذا ما يجعله قادراً على تناول نباتات الصحراء الشائكة دون أن يصيب نفسه بأذى. كما تساعده رقبته الطويلة في الوصول إلى أغصان الأشجار العالية إن وجدت، عدا عن فائدتها في الرؤية لمسافات بعيدة. الجمل حيوان مجتر، فهو يسترجع من حين لآخر الطعام من معدته إلى فمه لمضغه مرة أخرى، وهذا ما يفسر رؤيتنا لفم الجمل بحالة حركة شبه مستمرة. من المثير أن أحد وسائل دفاع الجمل عن النفس هو بصاقه لما يجتره والذي يتميز برائحته الكريهة مما ينفر العدو.

يستطيع الجمل وبطريقة عجيبة هضم الدهون المخزونة في سنامه بطريقة كيميائية معقدة وتحويلها إلى طاقة. لكن بالتأكيد فإن الصورة التي نتخيلها عن سنام الجمل على أنه مستودع مائي خاطئة.

- ما حقيقة السنام إذاً؟

السنام في الواقع نسيج ضام تدعمه الألياف ومكون في معظمه من الدهون. إن تكسير غرام واحد من الدهون خلال عملية الاستقلاب ينتج أكثر من غرام واحد من الماء لكن الجمل لا يستطيع استخدام الدهون في إنتاج الماء ببساطة لأن الأوكسجين المستخدم في العملية سيتطلب تنفساً سريعاً ينجم عنه فقدان كمية كبيرة من البخار مع الماء لجفاف المحيط الذي يعيش الجمل فيه.

في الواقع لا يعدو السنام عن كونه مخزناً للدهون التي تستعمل لغرض تغذوي عند شح الغذاء ولا يختزن الماء. وعندما يقدم له الماء بعد جفاف فهو يشرب لاستعادة محتوى الرطوبة الطبيعي في جسمه وليس أكثر من ذلك. بعبارة أخرى فإن براعة الجمل هي في تقليل فقد الماء كما أسلفنا لا أكثر، يضاف إليها قدرة الجمل على تعويض نقص رطوبة الدم –والتي تسبب لزوجة قاتلة- عن طريق سحب الرطوبة من أنسجة الجسم الأخرى ليتم تعويضها لاحقاً عند الشرب.

ما حال الجمل مع العواصف الرملية والغبارية العاتية؟

إن الشعر الكثيف داخل أنف الجمل وفي رموش عينيه وأذنيه تساعد في حماية جهازه التنفسي والسمعي وعينيه من الرمال المتطايرة. يغلق الجمل فتحتي أنفه أثناء العواصف الرملية لمنع دخول الرمال إلى جهازه التنفسي حيث يغلقها ويفتحها تباعاً مع هبوب الرياح المحملة بالرمال. وإذا ما دخلت الرمال العين فللجمل جفن ثالثة تزيحها خارجاً.

أخيراً، لاشك في أن الحقائق والمميزات التي ذكرناها تكفل للجمل أن يعيش حياته بشكل طبيعي وسط ظروف متطرفة قد لا نعتبرها طبيعية أبداً بمقاييسنا.

مصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا