الغذاء والتغذية > رحلة الغذاء
تقانة التجفيد, السر الكامن لارتفاع سعر القهوة سريعة الذوبان ونكهتها المميزة
بداية ظهور فكرة التجفيد:
ترجع هذه الطريقة في الحفظ إلى زمن بعيد إلا أن استعمالها بقي ضمن نطاق مخبري حتى العام 1930 عندما ظهرت الحاجة لتجفيف بعض أنواع المضادات الحيوية الحساسة للحرارة في درجة حرارة منخفضة أقل من الصفر المئوي. وبعدها انتشرت لتشمل طيفاً واسعاً من الفطور والمزارع الجرثومية والمواد الغذائية "كالقهوة الفورية". وتعود أهمية التجفيد إلى كونه يخفف من الفعالية المائية Water activity اللازمة لحياة ونمو الأحياء الدقيقة دون الحاجة لتسخين الغذاء وتعريضه لحرارة مرتفعة، مما يؤدي إلى المحافظة على القيمة التغذوية والخواص الحسية للمادة المجفّدة بشكل أفضل.
- ولكن، كيف يتم تجفيف مادة غذائية تحت درجة حرارة منخفضة (أي تجفيدها)؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من العودة لمخططات الحالة الفيزيائية الثلاثية للماء الموضحة بالشكل، فمن المعروف أن الماء يتبخر عند درجة حرارة 100 مْ ولكن ذلك صحيح فقط تحت ضغط مقداره 1 ضغط جوي. أما عند ضغط قدره 0.001 ضغط جوي يتبخر الماء عند درجة حرارة -20 مْ ولا يمر بالحالة السائلة أبداً، بل ينتقل فوراً من الحالة الصلبة إلى الغازية بعملية تسمى التسامي Sublimation. وهذا يعني أن حالة الماء الفيزيائية "سائل، أو جليد، أو غاز " لا تتعلق بدرجة الحرارة فقط بل بالضغط أيضاً.
خطوات عملية التجفيد وآلية حدوثها:
1. اختيار المادة الغذائية: تعتبر عملية التجفيد من عمليات الحفظ المكلفة جداً، لذلك تكون المنتجات التي تطبق عليها هذه الطريقة ذات قيمة عالية خاصةً من الناحية الغذائية.
2. تجميد المادة الغذائية: يتم بسرعة كبيرة لكي يتجمد معظم الماء الموجود في الغذاء على شكل بلورات صغيرة، مما يخفف الضرر على بنية الخلية. أما في حالة السوائل فيتم التجميد ببطء للحصول على بنية شبكية تسمح بتشكيل قنوات يتحرك فيها الماء الذي سيتبخر لاحقاً.
3. التجفيف الأولي: حيث يتم نزع الماء بالتجفيف (رفع الحرارة) وبالتالي الحصول على المنتج المجفّد. وتشمل العملية خفض ضغط بخار الماء للمادة الغذائية إلى أقل من 610.5 باسكال (4.58 تور Torr) حتى يتجمد الماء الموجود في المادة الغذائية، ثم التسخين الذي تتسامى بتأثيره البلورات المتجمدة مباشرة إلى بخار دون المرور بالحالة السائلة. يتم توليد الحرارة المسببة للتسامي (الحرارة الكامنة للتسامي) إما بالتوصيل أو بالأمواج القصيرة. أما إزالة الماء المتسامي فتكون عن طريق مضخة تفريغ Vacuum pump تعمل على سحب البخار وتكثيفه وتبريده حول ملفات حلزونية. وفي نهاية هذه المرحلة يتم الوصول إلى محتوى رطوبي قدره 15%.
4. التجفيف الثانوي: يتم في هذه المرحلة رفع الضغط قليلاً (إلا أنه يبقى منخفضاً نسبياً) ولو أدى ذلك إلى مرور الماء بالمرحلة السائلة "حيث ستكون الكمية ضئيلة مقارنةً بما تم التخلص منه بالتجفيف الأولي". ووظيفة هذه المرحلة التخلص مما تبقى من الماء السطحي الذي لم يتم التخلص منه خلال التجفيف الأولي. ويصل المحتوى الرطوبي هنا إلى 2%. ويحدث برفع الحرارة في المجفف إلى درجة قريبة من الحرارة المحيطة مع المحافظة على الضغط المنخفض نسبياً كما ذكر آنفاً.
5.التغطية الملائمة: نظراً لأن المنتج يصبح شرهاً للغاية للرطوبة الجوية، فإنه يتوجب الاهتمام بتغليفه في جو مفرغ من الهواء، أو في أكياس حاوية على غاز خامل وذلك منعاً لتزنخ الدسم نتيجة مرور الأوكسجين في المسام المفتوحة.
يذكر أن السوائل تجمد إما على شكل رغوة (كما في حالة مستخلصات القهوة المركزة)، أو مع لب الثمار (كما في حالة العصائر). وفي طريقة أخرى يمكن طحن المادة السائلة بعد تجميدها لتصبح على شكل حبيبات، وتتميز هذه الطريقة بأنها تسمح بالتحكم بالتجفيف وحجم الحبيبات بشكل جيد.
على أي المنتجات تطبق هذه الطريقة؟
تشاهد هذه الطريقة بشكل خاص في المنتجات التي تتميز بجودتها ونوعيتها العالية، والتي تحتوي على مركبات حساسة للحرارة كالفيتامينات والمضادات الحيوية والمزارع الجرثومية. حيث يمنع الغياب المفترض للهواء والحرارة حدوث التدهور الناتج عن الأكسدة أو التغيرات الكيميائية للمنتج. كما تلاحظ في بعض أنواع الفطور، والقهوة سريعة الذوبان، والفريز، إلى جانب طيف واسع من الأدوية.
تتميز الأغذية المجفدة باحتفاظها بخواصها الحسية وقيمتها التغذوية إلى حد كبير، كما أن فترة صلاحيتها تمتد إلى أكثر من 12 شهراً عند تعبئة المادة المجفدة بشكل مناسب. وتحتجز مركبات النكهة ضمن منظومة المادة الغذائية نظراً لأنها تكون غير قادرة على التطاير مع البخار المتسامي، وينتج عن ذلك ما يقدر بـ 80-100% من الاحتفاظ بالنكهة. يذكر أن المسام المفتوحة في بنية الغذاء تسمح بإعادة تشرب سريعة للماء، إلا أنها تجعلها حساسة للصدمات وتحتاج حماية من الضرر الميكانيكي أثناء النقل والتخزين.
مما سبق يمكننا جمع فوائد هذه الطريقة بما يلي:
1. سهولة عودة المادة المجفدة إلى حالتها الطبيعية بعد عملية التجفيد من خلال تشربها للماء.
2. خفة وزن المنتجات بنسبة تصل إلى 80% أو أكثر، مما يفتح المجال أما استخدامها في أغذية رواد الفضاء. كما تكون التغيرات البنيوية لتركيب المادة بالحد الأدنى.
3. محافظة المادة على خواصها الذوقية ورائحتها ولونها بسبب عدم تعرضها لحرارة عالية تسبب تخربها.
4. حماية بعض المواد الحساسة كفيتامين C خاصةً.
5. خفض المحتوى المائي للمادة المجفدة لمستويات عالية دون تأثر المادة المجفدة.
6. انخفاض تلوث المادة المجفدة بشكل كبير مقارنة مع المواد الأخرى بسبب الإجراءات الخاصة التي تتطلبها تقنية الضغط المنخفض وانخفاض الفعالية المائية في المنتج المجفد والتي تعتبر عاملاً ضرورياً لنمو الأحياء الدقيقة الملوثة.
أما المساوئ فتشمل:
1. ارتفاع كلفة التجهيزات والصيانة، نظراً لكبر حجم المجفدات الصناعية.
2. ارتفاع كلفة التشغيل والطاقة الكهربائية للوصول إلى درجة التفريغ المطلوبة، وتعادل 4 أضعاف كلفة التجفيف العادي.
3. طول الفترة اللازمة لحدوث التجفيد، حيث تقدر بحدود 20 ساعة أو أكثر.
المصادر:
1. اسبيرو، زاهي 2008- جامعة حلب، آلات تصنيع المنتجات الزراعية.
2. هنا
3. DAY J.G. and STACEY G.N.، 2007-Cryopreservation and Freeze-Drying Protocols، Humana Press، 347 pp.
4. FELLOWS P.، 2000- Food processing technology، principles and practice، CRC Press.
مصدر الصورة:
1. هنا
2. هنا
ويوضح الرابطان التاليان صنع القهوة سريعة الذوبان: