الطب > مقالات طبية
ملك القلوب: د. مجدي يعقوب
من الصعب اختزال التجربة الإبداعية لشخصيةٍ كالدكتور مجدي يعقوب في كلمات، فهل نتحدث عن جرَّاح القلب العالمي أم الباحث المبدع أم الطبيب الإنسان؟
وُلد جرّاح القلب العالمي الدكتور مجدي يعقوب في 16 نوفمبر 1935 في بلبيس بمحافظة الشرقية بمصر لعائلة قبطية أرثوذكسية تنحدر أصولها من أسيوط، وتخرَّج من كلية الطب في جامعة القاهرة عام 1957. وفي عام 1962 سافر إلى انكلترا ليعمل في مشفى الأمراض الصدرية في لندن، وفي عام 1969 انتقل يعقوب إلى مشفى هارفيلد بلندن والذي أصبح تحت قيادته المركزَ الأول لزرع القلب في انكلترا حيث يتم إنجاز أكثر من 200 عملية زرع قلب سنوياً، وفي عام 1986 عُين بروفيسوراً في جراحة القلب والصدر في المعهد الوطني لأمراض القلب والرئة في لندن (National Heart and Lung Institute) واستقال منه في عام 2001 ليُعيَّن مرةً أخرى ممثلاً خاصاً للمعهد. ويعمل حالياً مديراً لبرنامجه البحثي في مؤسسة هارفيلد للأبحاث وبرفيسوراً في جراحة القلب والصدر في المؤسسة البريطانية للقلب.
الجرَّاح المبدع....
كانت الجراحة حلم يعقوب منذ صغره فقد كان والده جرَّاحاً عامَّاً ناجحاً في عمله، ولطالما شعر يعقوب نحوه بالاحترام والتقدير فرغب في السير على خطاه. وأما اختياره لجراحة القلب فيعود لوفاة عمّته بسبب تضيق أحد صمّامات القلب أثناء ولادتها لطفلها وهي لا تزال في بداية العشرينيات من عمرها، وقد أثرت هذه الحادثة كثيراً في نفس مجدي ابن الخمسة أعوام فاتخذ قراره بأن يصبح جرَّاحاً للقلب.
يعدُّ الدكتور يعقوب جرَّاح زراعة القلب والرئتين الأول في العالم بلا منازع، وقد كان الجرَّاح الرائد في عدد من الإنجازات فهو أوَّل من أجرى عملية زرع قلب في بريطانيا كما أنه أوَّل من زرع فَصَّاً حيَّاً من الرئة وأوَّل من قام بإجراء عملية الدمينو domino (تجرى العملية عند المرضى الذين يعانون من فشل رئوي ولكن قلبهم سليم، فيتم نقل قلب ورئتين جديدتين للمريض الذي يؤخذ قلبه السليم ليستفيد منه مريض آخر).
وفي مشواره المهني أنجز الدكتور يعقوب أكثر من 20 ألف عملية قلب في بريطانيا، وبدأ اهتمامه بتطوير تقنيات جراحة زرع القلب منذ عام 1967، وقد قام بما يقارب 2000 عملية زرع قلب متفوقاً بذلك على نُظرائه في كل العالم. وفي عام 1980 قام بعملية زرع قلب للمريض ديريك موريس Derrick Morris الذي أصبح أكثر مريض زرع قلب أوروبي بقي على قيد الحياة - بعد عملية الزرع- حتى موته في يوليو 2005، ومنحته ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية لقب فارس في عام 1991، ويطلق عليه في الإعلام البريطاني لقب ملك القلوب.
الجراح الباحث!
لطالما أثار اهتمامُ يعقوب بالبحث العلمي استغرابَ نظرائه؛ فبالرغم من أن الأبحاث العلمية ونتائجها قد تقلل من الحاجة للعمل الجراحي وتهدد المستقبل المهني للجرَّاحين، إلا أن يعقوب مولعٌ بهذه الأبحاث طالما أن هدفها خدمة الإنسان ومعالجة المرضى دون الحاجة للتعرض للجراحة، فقد درس مع زملائه العمل المعقد لصمامات القلب وحاولوا جاهدين البحث في استعمال الخلايا الجذعية لإنتاج صمامات مصنَّعة قادرة على القيام بالوظيفة نفسها. ونجحوا بالفعل في إنتاج أول صمام قلبي من الخلايا الجذعية.
الطبيب الإنسان....
ربما يكون من السهل على أي جرَّاح بمكانته أن يقضي حياته في الأوساط الراقية حيث يحظى بكل الاحترام والتقدير، ولكن الإنسانية المتأصلة في نفسه دفعته لبذل جهده ووقته للفقراء والمجتمعات النامية، فعمل في موزمبيق وإثيوبيا والمناطق الفقيرة في آسيا وأمريكا اللاتينية في تقديم الخدمات الطبية وتدريب الكوادر الموجودة، وساهم بعمل جمعية خيرية لمرضى القلب الأطفال في دول العالم النامية، كما قام بإنشاء مركز لعمليات القلب في مدينة أسوان بصعيد مصر، واستعان في ذلك بأحدث التقنيات الطبية الحديثة، وهو يقوم بعدد كبير من عمليات القلب في المشفى بالمجان.
ومن أهم المواضيع التي تشغل يعقوب هي الفروق الطبقية التي باتت تقسم العالم حاليًا بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون شيئًا والذي ولَّد فارقًا هائلاً حتى في متوسط عمر الفرد بين هذه البلدان. لذا سخَّر الدكتور يعقوب حياته في محاولةٍ لتأمين الرعاية الصحية الملائمة لحاجات الناس من جانب، ولدعم البحث العلمي لمساعدة الشباب للوصول لحلٍ للمشكلات التي يعانون منها.
ونلمس إنسانيته من حديثه عن مهنة الطب ودافعه لدخولها " إن دخول كلية الطب يجب أن يكون مدفوعًا منذ البداية بدافع إنسانيٍّ محض، إذ يجب أن يكون لدى من سيدخل هذه المهنة رغبةٌ حقيقيةٌ وصادقةٌ لخدمة المرضى والتخفيف من آلامهم، وأن يعي أيضًا أن هؤلاء المرضى سيصبحون هم عالمه الذي سيأخذ جلَّ وقته. هناك من الناس من يقبلون هذه الرسالة وهذا التكليف بل ويستمتعون بهما، وهناك آخرون لم يُخلقوا لهذه المهمة رغم قدراتهم الذكائية والعلمية. في عالمنا العربي، للأسف، يكون دخول كلية الطب أقرب إلى حالة التنافس الاجتماعي بين الأسر للتباهي بأن أبناءهم متفوقون وأذكياء. ينجح بعضهم في كليات الطب بدرجاتٍ عاليةٍ ولكنهم لا يكونون مُعدِّين للحياة بين المرضى وخدمتهم. وفي أحيان كثيرةٍ يكون الطب في بلداننا نوعًا من الوجاهة الاجتماعية التي لا تكتمل إلا بالألقاب، وأحيانًا أخرى يصبح الطب مصدراً لكسب الأموال لا لخدمة المحتاج بل لابتزازه واستغلال ضعفه."
ما لا يعرفه الكثيرون....
• لا يندم يعقوب على شيءٍ في حياته ولو أتيحت له الفرصة لأعاد رسمها بنفس الأسلوب.
• "لو لم أكن جرَّاحاً لكنت مزارعاً يزرع أشجار البرتقال "، في حديث ل BBC.
• يعشق يعقوب الموسيقا الكلاسيكية ويقرُّ بأنه لا يستطيع العيش بدونها، ويُعد فيلم "Amadeus" فيلمه المفضل "حيث يصوّر الفيلم موتسارت كإنسان عادي ولكن موسيقاه الرائعة خارجة عن حدود هذا العالم".
• الشخص الذي غيّر حياته : الفائز بجائزة نوبل Peter Medawar " لقد كان الأب الروحي لزرع الأعضاء وهو شخصية ملهِمة حقًا".
المصادر:
مصدر الصورة: