العقد الاجتماعي: توماس هوبز

كثير منا يسمع عن العقد الاجتماعي. ما هو مفهوم العقد الاجتماعي؟ كيف نشأ؟ من هم أول من قالوا به؟ وما مدى تأثير ما جاء به على الحياة السياسية في أوروبا فيما بعد؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في سلسلة العقد الاجتماعي هذه.

شهدت العقود الأولى من القرن السابع عشر عملية تدريجية لتحرير الفلسفة السياسية من الارتباط باللاهوت. لم يكن بالإمكان حصول هذا التحرر لولا التراجع التدريجي للنفوذ الديني الذي حدث في هذا القرن وإضفاء طابع زمني تدريجي على المشكلات التي تعين على النظرية السياسية أن تعالجها، كما إضفاء الطابع العلماني على الاهتمامات الفكرية، وهذا ما تلازم مع عودة العلماء إلى الاهتمام بالفكر، التي كانت نتيجة حركة الاصلاح الديني.

توماس هوبز (1588-1679):

كان للقرن السابع عشر الذي تميز بالحروب والثورات الداخلية أثرٌ كبير على أفكار توماس هوبز.

في مرحلة ما قبل المجتمع كانت شريعة الغاب هي السائدة، وكان الفرد ذئباً على أخيه الفرد. لم يكن هناك من تمييز بين عدل وظلم، فكل فرد يستولي على ما يمكن الاستيلاء عليه ويستأثر به متى ما كان قادراً على الحفاظ عليه، فكانت حياة الإنسان في الحالة الطبيعية تتمثل بأنها: منعزلة، فقيرة، قذرة، وحشية، وقصيرة.

لم يكن هناك تمييز بين الصواب و الخطأ، ولم يكن هناك تقييم للفعل الصادر من الإنسان إن كان أخلاقياً أم غير أخلاقي. لم يكن ثمة كذلك تمييز بين ما هو عادل أو ظالم، حيث أن القانون لم يكن موجوداً بعد. لم يكن ثمة ملكية محددة تخص فرداً واحداً، لأن كل إنسان كان يحصل على ما يستطيع أن يحصل عليه من ممتلكات بالاعتداء على الآخرين. كانت الطبيعة مزيجاً من الطمع والأنانية والحروب.

بما أنه ليس هناك من أمل من أن يحترم الناس بعضهم تلقائياً، فإن وجود حكومة قوية قادرة هو وحده الذي تستطيع أن يلزم جميع أفراد المجتمع باحترام وتنفيذ العقد الذي يبرم فيما بينهم، أي أن يتفقوا على التنازل عن حريتهم في فعل ما شاؤوا للسلطان أو الحكومة شريطة أن يكون التنازل مطلقاً لا رجعة فيه و أن يكون السلطان أو الحكومة مطلقة الصلاحية مفوضة بكل شيء، وهي التي تقر القانون. أي أن الأمن يتوقف على وجود حكومة تملك القدرة على حفظ السلام و تطبيق العقوبات. فالدافع الفعال الذي يحمل الناس على الاجتماع هو الخوف من العقاب.

يقول هوبز بوجوب تنازل الأفراد عن حقوقهم كافة مقابل أن يتحقق الأمن والنظام الذي تفرضه الحكومة. وهذا المقابل ليس بالشيء البسيط كما يعتبره هوبز، فلولاه يقوم أي شخص يمتلك القوة اللازمة بالقتل والسرقة كمل يرغب. يطالب هوبز بالحكم المطلق القوي الملكي من أجل القضاء على الفوضى، و لو أدى ذلك إلى التضحية بالحرية، فالأمن عنده مرتبط بالقوة. وحتى الأخلاق ليست موجودة عند الإنسان في الحالة الطبيعية الأولى بل الدولة - أو كما يقولها في كتابه الحكومة أو الحاكم فهو لم يفرق بينهم - هي التي أوجدتها ، فهي شر لابد منه استدعت الضرورة إيجادها.

نشر توماس هوبز آرائه في كتابه الليفاتيان عام 1651. تتجسد في هذا الكتاب لفلسفة هوبز السياسية و الفكرية. أما تسمية الكتاب فهي نسبة لاسم وحش بحري ضخم، يحمي السمك الصغير الضعيف من هجمات السمك الأكبر. فهو يشبه الدولة بالليفاتيان أو (التنين)، التي تحمي الضعفاء المساكين من اعتداء الأقوياء عليهم.

هذا كان أبرز ما جاء به توماس هوبز و رؤيته للحالة الطبيعية الاولى والدولة والعقد الاجتماعي. وسنلاحظ أن هذه الفكرة ستمتد بعده ليطورها فيما بعد جون لوك و يعدل عليها. هذا ما سنورده في الجزء الثاني من سلسلة العقد الاجتماعي.

المراجع:

1- بول هازار، أزمة الضمير الأوربي، ترجمة جودت عثمان ومحمد نجيب المستكاوي، ( دمشق: منشورات وزارة الثقافة، 2004 ).

2- جاكلين روس، مغامرة الفكر الأوربي، ترجمة أمل ديبو، ( أبو ظبي: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، الطبعة الأولى، 2011).

3- جان توشار، تاريخ الأفكار السياسية، ترجمة ناجي الدرواشة، (دمشق: دار التكوين للتأليف والنشر والطباعة،الطبعة الأولى ، 2010).

4- جان جاك شوفالييه ، أمهات الكتب السياسية من ميكافيللي إلى أيامنا ،ترجمة جورج صدقي ،( دمشق : منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي) .

5- توماس هوبز ،الليفاتيان ،ترجمة ديانا حرب،بشرى صعب ،(ابوظبي:دار الفارابي و هيئة ابوظبي للثقافة و التراث،الطبعة الأولى،2011).