الاقتصاد والعلوم الإدارية > الأسواق المالية
الاستثمار الأخلاقي - الاستثمار بوعي بيئي
بدايةً، ما هو تعريف الاستثمار الأخلاقي Ethical Investing ؟
يرتبط تعريف الاستثمار الأخلاقي بالمعتقدات الشخصية الخاصة بالمستثمر، فهو مفهوم شخصي للغاية، حيث لكل مستثمر أفكاره الخاصة في تحديد ما يعتبره سلوكاً أخلاقياً تقوم به الشركة، و لديه أولويات خاصة تتعلق بما يرغب في دعمه بأمواله المخصصة للاستثمار.
و بشكل عام، الاستثمار الأخلاقي هو طريقة لكسب الأرباح في الأسواق المالية من خلال دعم الشركات التي تُحدث تغييرات إيجابية في العالم. أو في بعض الحالات دعم الشركات التي قد لا تقوم بهذه الخطوات الإيجابية ولكنّها على الأقل لا تجعل العالم أكثر سوءاً. يرغب المستثمرون الأخلاقيون في تحقيق أهدافهم المالية بطريقة تتوافق مع القيم الشخصية التي يضعونها.
الاستثمار الأخلاقي : الاستثمار بوعي بيئي
يطلب المستثمرون الأخلاقيون الذين يهتمون بالقضايا البيئية من الشركات تخفيض التأثيرات السلبية على البيئة إلى الحد الأدنى، و عادة ما يركزون أثناء اختيارهم للشركات التي يستثمرون فيها على هذه الجوانب: الطاقة و المُخلّفات و التلوث، و الحفاظ على الموارد الطبيعية و معاملة الحيوانات.
الطاقة و المُخلّفات و التلوث:
تحتاج جميع الشركات إلى استخدام الطاقة، كما تنتج هذه الشركات المخلفات. عندما نفكر في استخدام الطاقة و التلوث يفكر معظمنا بالمُصنِعين، و لكن حتى أصغر العمليات تحتاج إلى الكهرباء لتزويد معدات الإضاءة و أنظمة الحواسيب بالطاقة. يبحث بعض المستثمرين عن شركات لا تتسبب بالكثير من التلوث في المقام الأول، و يبحث آخرون عن شركات قامت بشكل مقصود بالتخفيض من تأثيرها على البيئة إلى أقل حد، بينما يبحث البعض الآخر عن أسوأ المتعدين على البيئة و التخطيط لتغيير أساليبهم التي يتبعونها.
إحدى الطرق التي يمكن بها للشركات تخفيض استهلاكها للكهرباء هو العمل من خلال الأبنية الخضراء (الصديقة للبيئة). تتميز الأبنية الخضراء بالإقلال من استخدام الطاقة، و هي تشتمل على نوافذ تسمح بمرور كمية كافية من الضوء الطبيعي لجعل الإضاءة الصناعية غير ضرورية، كما أنها تستخدم ستائر للنوافذ تعمل على التقليل من اختراق الحرارة بهدف تخفيض استخدام تكييف الهواء إلى أقل حد ممكن، هذا فضلاً عن استخدام الألواح الشمسية.
يمكن لشركات نقل البضائع التقليل من استخدام الوقود بتخفيض الحمولات (تحتاج الحمولات الأقل وزناً إلى طاقة أقل لنقلها). و بإمكانها أيضاً السماح لموظفيها بالعمل من المنزل أو العمل في أوقات غير أوقات الذروة. قد لا تقلل هذه الخيارات من التكاليف التي تدفعها الشركة، لكنها قد تكن ذات تأثير إيجابي على البيئة. بالإضافة لذلك فإن العمال الذين يتجنبون الازدحامات المرورية أو الذين يعملون من المنزل يكونون على الأرجح أكثر سعادة و إنتاجية.
بإمكان الشركات التقليل من المخلفات عبر تدابير مختلفة مثل الإقلال من مواد التغليف إلى الحد الأدنى، و استخدام مواد أعيد تدويرها و تطبيق برامج إعادة التدوير الخاصة بالشركات، و صناعة منتجات مصممة لتدوم لسنوات تكون ذات مكونات قابلة للصيانة و التبديل.
و للإقلال من التلوث بإمكان الشركات العمل مع شركات "لإدارة المخلفات" للتخلص بالشكل الأمثل من المواد التي لا تعرف على وجه اليقين ما الذي تفعله بها عوضاً عن رمي النفايات بصورة غير قانونية.
و بدلاً من تصريف مياه النفايات السامة، يمكن أن تستثمر الشركات في طرق تقوم بتنظيف هذه المياه قبل أن تعود للدخول في البيئة الطبيعية. كما يمكنها أيضاً تبني عمليات إنتاجية غير سامة للتقليل من كمية النفايات السامة التي يتوجب عليها معالجتها.
حفظ الموارد الطبيعية
يركز المستثمرون الأخلاقيون الذين يهمهم الحفاظ على الموارد على "الحفاظ على ما لديهم" عبر استخدام المصادر بفعالية أكبر، أو الانتقال من استخدام المصادر النادرة إلى المصادر ذات الوفرة.
تستطيع الشركات المحافظة على الموارد عبر العديد من الإجراءات، من برامج إعادة التدوير إلى اختيار الصنابير في الحمامات (هذا في حال كانت الشركة تمتلك المبنى)، و بإمكانها شراء المنتجات المصنوعة من مواد أعيد تدويرها و تلك القابلة لإعادة التدوير. كما أنه بإمكانها التقليل من استخدام التواصل الورقي و زيادة التواصل الالكتروني، فعلى سبيل المثال تعرض بعض شركات بطاقات الاعتماد على الزبائن حوافز على شكل نقاط مكافأة إذا اختاروا كشوفات الحساب الالكترونية بدلاً من الورقية.
تستطيع الشركات التي توفر لموظفيها مياهاً معبأة في زجاجات بدلاً من ذلك توفير زجاجات مياه قابلة لإعادة الاستعمال و تركيب أجهزة لتصفيه المياه لتشجيع الموظفين على استخدام مياه الصنبور.
معاملة الحيوانات :
لا يعتقد بعض المستثمرين من (النباتيين) أنه من الأخلاقي استخدام أي منتج حيواني. و هناك مستثمرون آخرون يستهلكون المنتجات الحيوانية لكنهم يعتقدون أنه يجب إنتاجها بطريقة إنسانية و مستدامة.
تجذب أي شركة معنية بمنع التجارب على الحيوانات أو تمنعها صراحةً انتباه المستثمرين الأخلاقيين. فبعض شركات مستحضرات التجميل و المنتجات المنزلية تقوم بتجريب منتجاتها على الحيوانات لاختبار تهيج الجلد أو العين أو تحسس الجلد، أو السُمية أو تحديد الضرر على المادة الوراثية أو العيوب الخلقية أو قابلية التسبب بالسرطان أو الضرر الوراثي على الأجنة، و دراسة الخصائص السُمية (الامتصاص و الاستقلاب و التوزيع و طرح المواد) و ذلك حسب ما تفيد إحدى جماعات حقوق الحيوان.
كما يهتم المستثمرون الأخلاقيون أيضاً بشركات الطعام التي تطرح في السوق منتجات مغذية و آمنة، و من ضمنها الشركات التي تستخدم مكونات عضوية و طبيعية و لا تستعمل المبيدات الحشرية، و تلك التي تقلل من المعالجة الغذائية و تستخدم القليل - أو لا تستخدم - الإضافات الغذائية و التي تستخدم المكونات التي تمت زراعتها محلياً في مواسمها و التي تنتج أغذية صحية و مغذية.
يتجنب المستثمرون الأخلاقيون الشركات التي تمارس الزراعة الصُنعية و التي تستخدم المبيدات و الأسمدة و الهرمونات و المضادات الحيوية بشكل كبير. و يرغبون بدلاً من ذلك في الاستثمار في شركات تتبنى الزراعة العضوية و تقوم بإنتاج اللحوم و الألبان من أبقار تغذت على الأعشاب و تهتم بتربية الدجاج على مساحات واسعة.
لماذا تهمنا السياسات و الأساليب البيئية
سواء كنت تعتبر نفسك مناصراً لحماية البيئة أم لا، هناك أسباب هامة تجعلك تهتم بالسياسات البيئية لأية شركة تستثمر بها. فالشركات التي تنتج الملوثات تواجه غرامات تقلل من أرباح المُساهمين. و توفر العديد من التغييرات الصديقة للبيئة المال على الشركات و تزيد من أرباحها الختامية. و تمتلك الشركات التي تعتمد السياسات المسؤولة بيئياً على الأرجح صورة إيجابية لدى المستهلكين و تستقطب بذلك ولاء العملاء.
وأخيراً، قد يسأل هنا القارئ: أين يمكنني أن أجد شركة تهتم بأمور البيئة؟
عادة ما نجد ذلك في قوائم الشركة المتضمنة في وثائقها كالتقارير الرسمية و التي تتعلّق بـ "استدامة الشركات" corporate sustainability ، كما تضع العديد من الشركات القوائم الخاصة بالاستدامة في مواقعها على شبكة الإنترنت. وهناك شركات تخصص قسماً كاملاً في موقعها الإلكتروني للحديث عن التنمية المستدامة Sustainable Development. إن استدامة الشركات أو مسؤولية الشركة الاجتماعية Corporate Social Responsibility هي خطة عمل المراد منها خلق قيمة طويلة الأجل لحملة الأسهم مع الأخذ بعين الاعتبار القضايا البيئية والمجتمعية. و قد أضافت العديد من الشركات اليوم وظيفة جديدة تتعلّق بأمور البيئة و هي المدير التنفيذي للاستدامة Chief Sustainability officer.
تتبنى الشركات المعنية بموضوع الاستدامة فكرة التطوير المستدام، والتي يمكن أن تعُرّف بأنها تلبية الحاجات والمتطلبات الحالية دون إضعاف قدرة الأجيال القادمة على تلبية متطلباتها.
أصبحت الرغبة في تطوير عمل الشركات بدون إحداث ضرر للأجيال التالية اهتماماً رئيسياً يزداد الإقبال عليه يوماً بعد يوم، حيث تؤمن هذه الشركات بأنّ عدم أخذها بعين الاعتبار لتأثيرات البيئة والمجتمع من خلال نشاطاتها ستجعل مستقبل الأعمال غير مستدام ومعرّضاً للمخاطر.
المصادر :