كتاب > روايات ومقالات
الجريمة والعقاب.. الرواية العظيمة
يروي لنا دوستويفسكي قصته في روسيا التي كانت تئن وقتها من شدة الفقر والجوع، فنقل إلينا هذا دون أن يغيب عنه إبراز معاناة دوستويفسكي الإنسان، تلك المعاناة التي جسدها بطل القصة راسكولنيكوف، أو إذا ما قلنا أبطال القصة، الذين كان لكل منهم جريمته الخاصة، وإن لم تكن هي محور القصة، هم الشخصيات جميعها على المحك دائماً، تصارع وتحارب خارجاً أو داخلاً، مرهقة دوماً، وتشدك إليها وترهقك معها ومع همومها. هموم الفقر والسكر والتفكك العائلي والاكتئاب والمرض والدعارة والجريمة.
راسكولنيكوف، الشخصية المتناقضة، الطالب البائس، الذي يرى نفسه أنه أعلى مكانةً من سواه، والذي يرى أن من حقه أن يرتكب جريمة ما لكي يصل إلى المكانة التي يستحق. ألا يفعل كبار السياسيين ذلك؟ ألا يرسل القادة جنودهم إلى الموت ليعلوا في المجد؟ ولذلك كان راسكولنيكوف بحاجة لقتل عجوز لا قيمة لها تملك مالاً لكي يشق طريقه ويحقق مراده، ولكن ما دفعه حقاً لذلك هو تحديه لنفسه، ورغبته في اكتشاف حدوده وقدراته، "فهل أجرؤ على ذلك؟"، هذا السؤال الذي قاد الناس لتسلق الجبال والقفز من الطائرة، ومغازلة فتاة جميلة بعيدة المنال.
بعيداً عن عنوانها، فإن هذه الرواية في الواقع لا تركز على الجريمة وعقابها بقدر ما تركز على الاضطرابات التي اعترت راسكولنيكوف وتأثيرها على فكره وعواطفه، قبل الجريمة وخلالها وبعدها، حتى يغلبه في نهاية الأمر، الذنب والندم ليعترف وينهي هذا التنازع.
"انهض الآن، في هذه الدقيقة، وقف عند تقاطع الطرق، وانحني، قبّل الأرض التي دنستها، ومن ثم انحني للعالم كله، على أطرافك الأربعة، وقل بصوت عالٍ للجميع: لقد قتلت!"
وعلى الرغم من كثرة الشخصيات في هذه الرواية، كغيرها من الروايات الروسية، فإن جل هذه الرواية تجول في ذهن راسكولينكوف. لقد أبدع دوستويفسكي في سبر أعماق الفكر الإنساني، والمشاعر الإنسانية، في تجوله في عقل راسكولنيكوف. حتى يمكننا أن نقول أن "الجريمة والعقاب" لربما تكون أعظم مثال للكتابة عن المعاناة النفسية.
يجول بنا الكاتب في ذهن القاتل، فنرى الشك في تبريره للجريمة، وعدم شعوره بالأمان إذا ما قدِمتْ عائلته إليه، ونرى عزيمته التي تلين شيئاً فشيئاً في صراعاته الداخلية، وفي النهاية، تتضح صورة مجرم، لا يرى نفسه مجرماً. ألا نبرر جميعنا أفعالنا السيئة؟ من هو ذلك الإنسان الذي سيحكم على نفسه بأنه مجرم ومذنب بكل سهولة؟
"هل أنا شخص جيد؟ هل في أعماقي أريد حقاً أن أكون شخصاً جيداً، أو أني أريد فقط أن أبدو كشخص جيد كي يقبلني الناس (ومنهم أنا)؟"
قد لا نختلف أن قتل شخصين هو جريمة لا شك فيها، ولكني أرى أن العِبرة من هذه الرواية هي الجريمة الكبرى التي ارتكبها راسكولنيكوف عندما فكّر أن يضع نفسه فوق إنسان آخر.
يبتعد دوستويفسكي بعض الشيء عن النفس الإنسانية، ليناقش في المجتمع الروسي مواضيع روحية ودينية، كوجود الله، والحياة الأخرى، ويجول بنا في شوارع روسيا ومشاكلها، وقصص العائلات والزواج والحب وغيرها الكثير والكثير مما يفتح أبواب التشويق على مصارعها لندخل معه عالم روسي رسمه أحد أبرع كتاب الرواية على مَر التاريخ.
معلومات الكتاب:
الكتاب: الجريمة والعقاب
تأليف: فيودور دوستويفيسكي
الترجمة: رحاب عكاوي
دار النشر: دار الحرف العربي-بيروت
نوعية الكتاب: ورقي 590 صفحة قطع متوسط.
الترقيم الدولي: 0-91-449-9953-987