الفيزياء والفلك > علم الفلك
متى بدأ تشكل النجوم
بحسب النموذج السائد حالياً لنشأة كوننا وتطوره فقد تشكلت نوى الهيدروجين والهيليوم ونسبة بسيطة من نوى الليثيوم بُعيد الانفجار الكبير كما تشكلت الإلكترونات بكثافة. لم تكن النوى الذرية قد أسرت الإلكترونات بعد لتدور حولها فكان هذا الفيض الهائل من الإلكترونات يمنع انتشار الإشعاع الناتج عن الانفجار الكبير. أي بعبارة أخرى لم يكون الكون "شفافا" بالمعنى الذي نعرفه. ولكن بعد 375،000 سنة من حصول الانفجار العظيم كانت درجة حرارة الكون قد انخفضت بما يسمح بانخفاض طاقة هذه الالكترونات لتتمكن النوى من أسرها وبالتالي ليتمكن الإشعاع من الانتشار. ولكن برغم الحالة الساخنة للكون فقد كان الكون بمجمله مكوناً من المادة المظلمة بالإضافة لغيوم هائلة من الهيدروجين والهيليوم ولم تكن النجوم قد تشكلت بعد وبدأ ما يُعرف بـ "العصور المظلمة" للكون و التي استمرت 400 مليون سنة -حسب الاعتقاد الذي كان سائداً حتى مؤخراً - إذ،في ذلك الوقت من تاريخ الكون كانت معظم المادة المنتجة بفعل الانفجار العظيم هي المادة المظلمة،و الكميات القليلة من المادة العادية كانت تتكون بأغلبية عظمى من نوى الهيدروجين و الهيليوم المحايدة.
لاحقاً وعلى مدى مئات ملايين السنين دخل الكون في مرحلة تحوّل مصيرية في رحلة تطوره،تعرف بحقبة إعادة التأيين،إذ بدأت المادة المظلمة التي كانت مسيطرة في ذلك الوقت بالتجمع بأشكال شبه كروية أشبه بالهالات بفعل قوى التجاذب الخاصة بها و تم جذب المادة العادية أيضا إلى هذه الهالات مما أدى في النهاية إلى تشكل أولى النجوم و المجرات في كوننا، و التي بدورها اطلقت كميات هائلة من الأشعة فوق البنفسجية و التي كانت تحمل ما يكفي من الطاقة لانتزاع الإلكترونات من المواد المحيطة بعملية تعرف بعملية إعادة التأيين الكوني.
و رغم ان هذه الحقبة كانت في الماضي السحيق لكوننا إلى أنها تحظى باهتمام العلماء بشكل كبير، إذ أنه كلما زادت معرفتنا بهذه الحقبة كلما استطعنا معرفة المزيد عن انتهاء العصور المظلمة للكون، و عن أولى النجوم والمجرات، و عن بنية كوننا،بل انها تعطينا لمحة عن العصور المظلمة نفسها،تلك الحقبة المحصورة مابين إشعاع الخلفية الميكروي و حقبة إعادة التأيين،مما يسمح لنا أن نفهم حقبة العصور المظلمة بشكل أفضل. فمثلاً يقوم الباحثون في معهد كافلي لفيزياء الجسيمات الفلكية و علم الكونيات بإجراء العديد من عمليات المحاكاة عن طريق كومبيوتر خارق،تتضمن عمليات المحاكاة هذا تشكّل أول المجرات و تدرس دورها في إعادة تأيين الوسط بين المجري.
و في هذا الحين فإن آخر البيانات من تلسكوب بلانك التابع لوكالة الفضاء الأوروبية و التي تم نشرها في مجلة Astronomy and Astrophysics و التي بمساعدة الخرائط الجديدة لإشعاع الخلفية الكوني الميكروي تظهر أن عملية إعادة التأيين قد تكون أحدث مما كنا نعتقده حتى الآن،علما أن أول معلوماتنا عن هذه العملية كانت بفضل القمر الصناعيWMAP الذي أطلقته NASA في عام 2001 و الذي أعطانا تقديراً أولياً عن الفترة التي حصلت فيها هذه العملية. هذا الاكتشاف (والذي لا يزال يجب تأكيده عن طريق القياسات التي يستمر فريق تلسكوب بلانك بتزويدنا بها و التي سيتم نشرها خلال ما يقارب السنة) يترافق مع نشر خرائط توضح أحد خواص إشعاع الخلفية الميكروي: خاصية الاستقطاب.
(يظهر في هذه الصورة خريطة لاستقطاب إشعاع الخلفية الميكروي الكوني الملتقط بواسطة تلسكوب بلانك لجزء صغير من السماء بعرض 20 درجة)
كانWMAP أول قمر صناعي يتم إرساله بغرض توفير هذه الخرائط لكن البيانات الجديدة التي تم توفيرها من قبل تسلكوب بلانك بينت أن عملية إعادة التأيين قد حدثت بعد ما يقارب 550 مليون سنة من الانفجار العظيم،أي بعد أكثر من 100 مليون سنة مما كان قدرته بعثة WMAP.
"وفق مراقبات بلانك، قد تكون النجوم أصغر عمراً مما كنا نعتقد،و بالاستناد إلى هذه الدراسة -و عدة مقاييس فيزيائية فلكية أخرى- يمكن أن يوفر لنا هذا الاكتشاف فهماً أفضل للمكونات المظلمة لكوننا" يقول كارلو باكوغالوبي المنسق لفريق SISSA المشارك في تجربة بلانك. ويتابع بقوله "مشاركة فريق Trieste كانت في وضع الخرائط عبر أداة قياس الترددات المنخفضة المركبة على قمر بلانك و ذلك لرسم خرائط جديدة للضوء المستقطب الذي يتم رصده عبر الأداة و التي تغطي السماء كاملة، نحن الآن بانتظار البيانات القادمة من أداة قياس الترددات المرتفعة و التي يقوم الفريق الفرنسي برسم خرائطها ،و هذه الخرائط الإضافية ستوفر تأكيدات و تعطينا صورة أوضح عن الدلائل التي قمنا برصدها".
و في إضافة أخيرة للموضوع فإن الكوازار SDSS J0100+2802 المكتشف حديثا و الذي تشير الدراسات إلى أن تشكله أتى بعد نهاية حقبة إعادة التأين بفترة قصيرة سيقدم لنا معلومات جديدة عن الحقبة،إذ يقول فيج وانغ و هو طالب دكتوراه في جامعة بيكين والمساهم في اكتشاف الكوازار " إن شدة السطوع الفريدة لهذا الكوازار ستسمح لنا بالقيام بقياسات غير مسبوقة عن درجات الحرارة و عن حالة التأين والمحتوى المعدني للوسط ما بين المجري خلال حقبة إعادة التأين".
المصادر: