البيولوجيا والتطوّر > التطور
هل كان النياندرتال نوعاً مستقلاً بحد ذاتهم!؟
في دراسة موسَّعة، أُجريت بالتعاون بين عدّة مؤسسات، وبقيادة مركزSUNY Downstate الطبي ، قدّم الباحثون دلائل جديدة تدعم الاعتقاد المتزايد بأنَّ النيانديرتال كانوا نوعاً منفصلاً عن الإنسان المعاصرHomo sapiens ولم يكونوا نوعاً فرعياً منه.
حيث قام الباحثون بدراسة التركيب الأنفي للنيانديرتال ومقارنته مع التركيب الأنفي للإنسان المُعاصر، وقد أوضحوا بأنَّ التركيب الأنفي للنيانديرتال لم يكن أقلّ قدرةً على التكيُّف، وأنَّ انقراض النيانديرتال كان بسبب المنافسة الشديدة من قِبَل الإنسان الحديث، وليس بسبب فشلهم في التكيّف مع الجو الأكثر برودة وجفافاً، وبالتالي فهم نوع مستقل تماماً عن الإنسان الحديث وليسوا جزءاً من تطوّره عبر العصور.
يقول الباحثون في هذه الدراسة بأنَّ الدراسات التي كانت قائمة حول التركيب الأنفي للنيانديرتال والتي امتدّت لأكثر من قرنٍ ونصف، كانت تتعامل مع هذا اللغز التشريحي بوجهة نظرٍ خاطئة. فقد قارنت تلك الدراسات التركيب الأنفي للنيانديرتال مع التركيب الأنفي للإنسان الحديث كالأوروبيين المُعاصرين، والذين تطوّر تركيبهم الأنفي ليتكيّف مع المناخ البارد.
ولكن هذه الدراسة تضم مجموعة من الدلائل التي تشير الى أنَّ الجهاز التنفّسي العُلوي لدى النيانديرتال كان يعمل بمجموعةٍ مختلفةٍ من القوانين نتجت عن تاريخ تطوّري منفصل ومستقل لهذا النوع، ممّا جعلها تحمل صفات غير موجودة لدى أي من ال homo sapiens.
هذه الدراسة تحاول فهم إحدى أكثر القضايا إثارةً للجدل في علم الإنسان القديم وتطوّره : هل كان النيانديرتال نوعاً مختلفاً عن الإنسان المُعاصر؟، وما هي التطوّرات التي حدثت لهم على مستوى الجمجمة للتكّيف مع البرد؟ إنّ الاستراتيجية المستخدمة في هذا البحث هي الدراسة الشاملة لمنطقة الأنف لمجموعة متنوعة من البشر المعاصرين، ومن ثم مقارنة البيانات مع الأدلّة الأُحفوريّة. وذلك عن طريق استخدام طرق قياسات الشكل التقليدية (morphometrics) واستخدام منهجية هندسية لقياسات الأشكال، اعتماداً على البيانات ثلاثية الأبعاد، والتصوير المقطعي (CT imaging) سافرAnthonyS. Pagano ، وهو أستاذ التشريح الطبي في المركز الطبي لجامعة نيويورك، ومؤلّف مُشارك في الدراسة إلى العديد من المتاحف الاوروبية حاملاً معه جهاز تحويل رقمي microscribe digitizer وهو أداة تستخدم لجمع بيانات ثلاثية الأبعاد من الأحافير التي تمّت دراستها قي هذا العمل، حيث أنَّ بعض المعلومات المكانية قد تكون مفقودة إذا اعتمدنا فقط على الأساليب التقليدية.
وقد لاحظ William Lawson المؤلف المُشارك في هذه الدراسة أنَّ فتحة الأنف الخارجية لإنسان النيانديرتال متقاربة مع فتحة الأنف الخارجية لبعض البشر الحديثين. ولكن النتوء الفكّي في منتصف الوجه (midfacial prognathism) مختلف بشكلٍ مُذهل.
هذا الاختلاف هو واحد من الصفات الأنفية لإنسان النيانديرتال التي تقترح مساراً تطوّرياً بعيداً عن الإنسان الحديث. ويعتمد الاستنتاج الخاص ب William Lawson على أربعة عقود من الدراسات السريرية والتي شاهد فيها ما يزيد على 7 ألاف إنسان يُبدون اختلافات كبيرة في التركيب الأنفي البشري. إذن نقطة القوة في هذا البحث هي أنّه يأخذ مجمل التركيب الأنفي لإنسان النيانديرتال بعين الاعتبار، بدلاً من البحث في صفة معينة ومقارنتها. فبالنظر إلى التركيب الشكلي ككل، يمكننا أن نقول بأن النيانديرتال هم الأقرب إلينا، لكنّهم ليسوا نحن.وفي دراسة أخرى، وجد مجموعة من الباحثون من أوروبا، الولايات المتحدة، والصين أدلّةً تشير إلى أنَّ التنوّع الجيني لدى الإنسان الحديث أكثر بكثير من التنوّع الجيني لدى النيانديرتال. فمن خلال تحليل ودراسة عينات النيانديرتال الجينية المُكتشفة في ثلاث مناطق مختلفة (اسبانيا، كرواتيا، وجنوب سيبيريا)، وجد الباحثون أنَّ النيانديرتال لديهم تنوّع جيني قليل جداً ممّا يشير إلى أنّهم عاشوا حياةً أكثر عزلة ولم يتفاعلوا كثيراً مع المجموعات الأخرى. بالإضافة الى ذلك، فإن النيانديرتال خضعوا لتغيّرات هيكلية أكثر من البشر الحديثين، في حين كانت التغيّرات لدى البشر الحديثين تتمثّل في الجانب السلوكي بالإضافة إلى التغير في الصباغ الجلدي. وقد حدّد العلماء أيضاً أحماضاً أمينية يختلف فيها النيانديرتال عن الإنسان الحديث، قد تكون هذه الأحماض وراء الاختلاف الشكلي بين النوعين، الذي يشمل الصفات الفيزيائية والسلوكية أيضاً.
تُشير الدراسات الى أنَّ النيانديرتال انفصلوا عن شجرة العائلة قبل حوالي 550,000 الى 765,000 عام. وقد عاشوا في جميع أنحاء أوراسيا، الممتدة من أوروبا الغربية إلى وسط وشمال آسيا. ومن المتوقّع أنهم انقرضوا قبل ما يقارب 45 ألف عام (هذا التاريخ ليس دقيقاً تماماً). وفي الآونة الأخيرة اكتشف العلماء أن النيانديرتال والبشر الحديثين قد تهاجنوا interbred ،حيث أنَّ ما يقارب 1.5 الى 2.1 بالمئة من جينوم البشر الحديثين -غير الأفارقة- هو جينوم النيانديرتال.
وختاماً نورد تعليق Ian Tattersall الخبيرفي النيانديرتال والذي لم يشارك في الدراسة الأولى، حيث يقول: " قام الباحثون بإجراء دراسة شاملة ومثيرة للاهتمام لتركيب مهم جداً في جمجمة النيانديرتال والتي كثيراً ما تم تجاهلها". ويضيف أيضاً، "إذا حالفنا الحظ، فإنَّ هذا البحث يمكن أن يُحفِّز أبحاثاً أخرى مستقبلية لإثبات أنَّ النيانديرتال يستحقون هوية خاصة بهم وليسوا هم أنفسهم البشر الحديثون".
فما رأيكم وسط هذه الأدلّة المتزايدة؟ هل سيُحسَم الجدل ويتم اعتبار النياندرتال نوعاً منفصلاً ؟!
المصادر: