الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

البحر الميت

هي بحيرة شديدة الملوحة بين الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة ليس لها مخرج للمياه ومصدرها الرئيسي الوحيد هو نهر الأردن. يعلم معظمنا أنها البحيرة المالحة الأعمق في العالم وفيها أدنى نقطة على سطح الأرض. تشكـّـل حوضها العميق من التصدع القاري الناجم عن انفصال الألواح التكتونية على طرفي الصفيحة العربية المقتطعة من القارة الأفريقية.

- البحر الميت جغرافياً وجيولوجياً:

تبلغ مساحة البحر الميت 40650 كيلو متراً مربعاً وهو ثالث أكبر بحيرة في آسيا بعد بحري قزوين وناوجان Naujan Sea في الفلبين. تتكون أملاحه بشكل أساسي من شرجبات (شوارد موجبة) المغنيزيوم والبوتاسيوم (52% من مجموع الأملاح) المقترنة بشرسبات (شوارد سالبة) الكلوريد (37% من مجموع الأملاح). توجد مستويات منخفضة من الصوديوم أيضاً، وقد كان البوتاس أول مادة استخرجت تجارياً من البحيرة تلاها كلوريد الصوديوم والكارناليت.

انخفض مستوى البحر الميت نتيجة الاستنزاف المستمر لمياه نهر الأردن مما أدى إلى تكشّف مخازن هائلة من الملح على ضفافه كتلال الملح الضخمة المدعوة Kashum Usdum على الجانب الإسرائيلي في الجهة الجنوبية الغربية والتي وصل ارتفاعها إلى 50 متراً وامتدادها إلى 8 كم. كان ارتفاع منسوب ماء البحيرة منذ 70 ألف إلى 12 ألف عام قبل الميلاد أكثر بـ 100-250 متراً من منسوبه الحالي وبلغ أعلى مستوى له قبل 26 ألف سنة من الآن مما يدل على سيادة المناخ الرطب في الشرق الأوسط بالاتجاه نحو نهاية العصر الجليدي. تبدّل مستوى المياه في البحيرة خلال آلاف السنين الماضية حوالي الـ 400 متر. أما عن ملوحة البحيرة فقد كانت في عصور ما قبل التاريخ عذبة أو مالحة قليلاً لكن ليس بالدرجة الحالية وامتدت على الأقل إلى 80 كم جنوب الحافة الجنوبية الحالية للبحر الميت ولأكثر من 100 كم شمالاً. تقلصت البحيرة مع تغير المناخ وأصبحت أكثر ملوحة.

تراكمت الرواسب عبر العصور وكانت أثقل من الحمولة الملحية مما أدى إلى ترسبها وتراكمها صعوداً حتى شكلت ما يشبه الجزر الملحية كجبل سودوم Sodom وشبه جزيرة لسان Lisan. وقد بقيت أشباه الجزر الملحية هذه مرتفعة وظاهرة حتى مع انخفاض مستوى قاع البحر الميت نتيجة القوى التكتونية.

- البحر الميت إحيائياً:

لا توجد في البحيرة أسماكٌ أو أشكالُ حياة عليا لكن فقط بعض البكتريا المحبة للملوحة وبعض الفطريات المجهرية. ازدادت الكتلة الحيوية مؤخراً نتيجة ارتفاع معدل هطول الأمطار داخل الحوض وتطوّر بعض الطحالب وبكتريا الكاروتينويد الملحية. عزلت بكتريا Halobacterium marismortui الحمراء متعددة الأشكال من البحيرة منذ عام 1944، تلا ذلك اكتشاف بكتريا Halobacterium sodomense عام 1983 والتي وجد أنها تتطلب تراكيزاً عالية من الكاتيونات (الشوارد الموجبة) ثنائية التكافؤ ومعادن الطين مثل البنتونيت لتعيش. كانت البحيرة غنية خلال العصور الجيولوجية الأولى بالحياة الحيوانية والنباتية وتوجد دلائل على ذلك سواء في كميات المعادن أو نوعية وبنية التربة. عظام هذه الحيوانات المدفونة هي مصدر الفوسفوريك الهام صناعياً وزراعياً. أما بالنسبة لضفاف البحيرة فهي قاحلة وقاسية ولو أنها تحوي بعض النباتات والحيوانات البرية سيما في وادي نهر الأردن شمال البحيرة أو في الجبال الشرقية القريبة.

- البحر الميت طبياً وعلاجياً:

استــُخدم البحر الميت قديماً كملاذ صحي منذ أيام الملك هيرودس الأول بسبب المياه المعدنية الفريدة والحماية الإضافية من الأشعة فوق البنفسجية التي يوفّرها الانخفاض الكبير عن مستوى سطح البحر (423 م تحت سطح البحر). ورغم أن للبحر الميت خصائص علاجية سببها المعادن المودعة في الطين على ضفافه وملوحته العالية (340 غراماً من الملح في الليتر تقريباً والتي تعادل 10 أضعاف ملوحة البحار) إلا أن دراسة تأثيراته العلاجية وآلياتها لاتزال مستمرة.

يستخدم الطين الأسود الفريد من نوعه في الأقنعة وعلاجات الوجه في منتجعات المياه المعدنية المحيطة بالبحيرة بالإضافة إلى صناعة مساحيق التجميل التي تسوق عالمياً، وقد أظهر التحليل الكيميائي والجرثومي لطين البحر الميت وجود أعداد كبيرة من البكتريا المتبوغة. فقدت العديد من أنواع البكتريا المعروفة حيويتها مباشرةً لدى إضافتها إلى الطين مثل الإشريشيا كولاي Escherichia coli والمكورات العنقودية الذهبية Staphylococcus aureus كما حافظ الطين على هذه الخاصية حتى بتعقيمه بواسطة أشعة غاما مما يشير إلى أن المواصفات الكيميائية والفيزيائية للطين قد تكون السبب وراء الخواص المضادة للميكروبات من بين خواصه العلاجية.

يقصد الناس منتجعات البحر الميت أيضاً لعلاج أمراض كالصدفية Psoriasis، التهاب الجلد التأتبي Atopic Dermatitis (نوع من الأكزيما) والروماتيزم Rheumatic Disorders وذلك بالتعرض لأشعة الشمس أثناء الطفو في المياه (يطفو جسم الإنسان فيه دون أن يغرق لارتفاع كثافة مائه مقارنةً بالجسم) حيث أن الشمس تصفى من أشعتها الفوق بنفسجية عند هذا الارتفاع عن سطح البحر على نحو فعال أو يتم العلاج بدهن الجسد بالطين الأسود الغني بالكبريت والأملاح.

تحدُّ علاجات البحر الميت من الصدفية ولا ينطوي نجاحها في ذلك على عقاقير أو حلول جذرية، يحتمل أن تكون خطرة لكن العوامل المعنية معقدة لكونها اجتماع لعوامل فريدة عدة قد يستحيل جمعها في مكان آخر، فتغلغل مواد البحر الميت الكيمائية في الجسم عن طريق الجلد قد يعزز آليات التثبيط الخلوية (Antiproliferative) وهي وصف يطلق على كل ما يمنع انتشار خلايا معينة وتكاثرها –خاصةً الخبيثة منها– إلى ما حولها.

أما عن الروماتيزم فقد لا تكون الآلية التي يؤثر فيها الطين في العلاج مفهومة بشكل جيد لكن يرجح أن يكون الأثر حصيلةً لفعل ميكانيكي وحراري وكيميائي للماء والطين. من ناحية، يضبط التمرغ بالطين والطفو حركة العضلات والمفاصل كما أن تأثيره الهيدروليكي يحدث تغيرات فيزيولوجية (كزيادة إدرار البول وتغير تركيبه) كما يعيد توزيع الدم محولاً 700 مل منه من الأطراف نحو القفص الصدري. التأثير الحراري لمياه البحر الميت التي تدفئها شمس تلك المنطقة أقل أهمية إذا قد يحصل المرء عليه بالاستحمام بالمياه العادية الساخنة. يسبب الدفء إفراز مجموعة واسعة من البروتينات والهرمونات ويعتبر الإجهاد الحراري قصير المدى ذا تأثير مخفف للألم.

كيميائياً تؤثر بقايا العناصر في عملية التمثيل الغذائي المرتبطة بالالتهابات المفصلية إذ ينخفض الزنك ويرتفع النحاس في مصل دم مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid arthritis، كما أن المنغنيز المعزول من خلايا الدم البيضاء لمرضى هذا الالتهاب كان أعلى من المعتاد. للعلم فإن دلائل قليلة جداً فقط تشير إلى إمكانية امتصاص الأملاح من الطين إلى الجسم كما لوحظ أن مستويات البورون والليثيوم والكادميوم والروبيديوم انخفضت بشكل ملحوظ في أجسام الأشخاص عقب حمامات البحر الميت نظراً لما يعتقد أنه حركة معاكسة من الجسم باتجاه البحر لهذه العناصر النادرة.

أخيراً فإن منطقة البحر الميت غنية بالموارد المعدنية وفيها ودائع ضخمة من الفوسفات والصخر الزيتي والغاز الطبيعي ومواد بناء خام لصناعة الإسمنت والسيراميك. يتم استثمار بعض هذه الموارد في الوقت الحاضر بينما يترك بعضها الآخر لأسباب بيئية وللرغبة في عدم تغيير المشهد الطبيعي ذي الجذب السياحي للمنطقة لكن الأكيد أنه لا ضمانات تحمي البحر الميت في المستقبل من الاستنزاف الجائر خصوصاً بعد توقيع الاتفاقية الأخيرة التي تهدف إلى ربطه بالبحر الأحمر بصرف النظر عن الأضرار البيئية المحتملة. سنناقش التداعيات الممكنة لربط البحرين في مقال لاحق.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا