العمارة والتشييد > التشييد
عصر الفولاذ انتهى.. فهل بدأ العصر التالي !
ذات مرة قال أندرو كارنيجي Andrew Carnegie: "توجّه واسعَ للأعلى"، وقد اتّبع نصيحته الخاصة. كارينجي، أحد أعلام الفولاذ في القرن التاسع عشر، كانت لديه رؤية لبناء جسر يجتاز نهر الميسيسبي بطول كلي 6442 قدم (1964 متر). في عام 1874م كانت المادة الأساسية للإنشاء هي الحديد، بينما الفولاذ كالولد الجديد في الحي، و قد كان الناس حذرين منه وخائفين، حيث لم يكن قد أثبتَ كفاءته بعد كمادة بناء. مع ذلك، و بعد اكتمال جسر اييدز Eads في سانت لويس، قام كارنيجي بعرض دعائي مثير ليثبت أنّ الفولاذ هو مادة بناء قابلة للاستعمال. في ذلك الوقت كانت تقول الخرافة الشعبية أنه لا يمكن لفيل عبور جسر غير مستقر. وفي يوم الافتتاح قام كارنيجي بكل ثقة مع أهالي سانت لويس بعبور الجسر برفقة فيل يزن أربعة أطنان، وتمّ استقبال الفيل على الجهة الثانية من الجسر باحتفالات كبيرة. تبع ذلك أعظم ازدهار للبناء الشاقولي في تاريخ أمريكا، وخصوصاً في شيكاغو ونيويورك، ويعود الفضل في ذلك إلى الفيل الشجاع!
حلّ الفولاذ مكان الحديد في البناء، وسابقاً كان الحديد قد استَبْدل البرونز، والبرونز يدوره استبدل النحاس. فما الذي سيستبدل الفولاذ؟ إنها ألياف الكربون carbon fiber.
تُنْسَج أليافُ الكربون باستخدام تكنولوجيا متقدمة، وتستعمل حالياً في هياكل الدراجات الاحترافية وسيارات السباق. تُعتَبر أقوى بخمس مرات من الفولاذ، و أصلب منه بمرتين، كما أنّها أخفّ وزناً بشكلٍ ملحوظ. و نستطيع القول بأنّها البطل الخارق بين مواد البناء. و لكن و لسوء الحظ، فإنّ ألياف الكربون ما زالت تُرى على أنها بدعة جديدة، حيث يتمّ استخدامها فقط في مشاريع بناء صغيرة الحجم، إلا أنّ استخدامها في ناطحات السحاب لم يحدث بعد، والسبب في ذلك يكمن في أنّ الناس، بِمَنْ فيهم المصمّمين، ما زالوا حذرين من ألياف الكربون. المهندسون في مصانع السيارات والطيران يستفيدون من المادة بحدودها القصوى ولكن المعماريين يتحركون ببطء شديد. و لكن، ما السبب يا تُرى؟ على المعماريين أن يتحمسوا لهذه الأشياء و ذلك لأنّ خواص الألياف الكربونية تسمح بتنفيذ أفكارٍ معماريةٍ لم تكن في متناول اليد في السابق. فعندما تمّ إطلاق برمجيات كاد (CADD) سمحت للمعماريين بدفع الفولاذ إلى عتبته القصوى. هنا الأمر معكوس، ألياف الكربون ستدفع الكومبيوتر إلى عتبته القصوى.
بالتأكيد هناك عيوب لألياف الكربون، وبالتالي ظهر له رافضون لاستخدامه، فهو مادة هشة، أقل عرضة للانحناء من الفولاذ، ربما الأكثر أهمية أنه ما زال ذو تكلفة مرتفعة، فبينما سعر الفولاذ أقل بحوالي العشر مرات، أيضاً هذا يعني أن إنتاجه أبطأ. رحلة ألياف الكربون ستعكس ما عاناه الفولاذ أثناء نشأته، في الماضي أدّت التكلفة العالية لإنتاج الفولاذ إلى توقف الأعمال الإنشائية في جسر إييدز وكادت أن تسبب الإفلاس لواحد من أغنى الرجال في التاريخ. لكن كارينجي لم يفلس، فقد استخدم طريقة تصنيع من تصميم المخترع المهندس هنري بيسيمر Henry Bessemer لإنتاج جوائز ضخمة من الفولاذ. كان تصنيع الجوائز الفولاذية في آنذاك يستغرق 5 ساعات، أما اليوم فهي تحتاج 10 دقائق فقط (هنا أهمية الثورة الصناعية). وبوجود مادة ستصنع ثورة في عالم الإنشاءات، قام كارنيجي بتخصيص كل ما يملك لهذا الأمر فأصبح، ولمدة من الزمن، أغنى رجل في العالم. في هذا الوقت تحتاج ألياف الكربون إلى مستثمرين مثل أندرو كارنيجي وهنري بيسيمر. بالتأكيد هناك بعض مكامن الخلل التي يجب العمل عليها، لكن عندما تتم هذه الاكتشافات فإن الثورة الصناعية والمعمارية ستحدث. ألياف الكربون لها القدرة على أن تكون ذات انتاج ضخم رخيص ودائم، علينا فقط أن نكتشف ذلك، وعندما نفعل سنعمل على جعل الفيل يعبر الجسر من جديد.
المصدر:
حقوق الصورة:
SHoP Architects