الفنون البصرية > عالم السينما والتلفاز
الثّورة العُمّالية وفيلم مُدرّعة بوتمكين
سيرجي آيزنشتاين، مخرج وسيناريست ومُنظّر فني، وُلد في 22 كانون الثاني عام 1898م، في مدينة "ريجا" بمقاطعة لاتفيا لعائلة المهندس المعماري "ميخائيل أوسيبوفيتش آيزنشتاين".
بدأ دراستهُ في المدرسة المهنيّة في ريجا ثم تابعها في "بتروجراد" في معهد الهندسة المدنيّة لمدة ثلاثة أعوام (1918- 1915م)، ترك من بعدها الدراسة وتطوّع في الجيش الأحمر.
في عام 1923م تولى آيزنشتاين الإشراف على مسرح (بروليتكولت)، قام بتدريس مناهج مختلفة في المسرح، وتجمّع حوله عدد من الطّلاب اللّذين حاز مُعظمهم على شهرة واسعة في مجالَي السينما والمسرح.
قام آيزنشتاين بعرض مسرحيّة "أقنعة ضدّ الغاز" في فناء مصنع موسكو للغاز، ولكن العرض لم يكن ملائماً، فاستقرّ في ذهنه أن المسرح قد أصبح فناً قديماً وفي طريقه إلى الموت وأنه من الصعب تغييره، ومن هنا اتّخذ طريقه إلى السينما بصحبة مجموعته، وأصبح مقرّباً من السينمائيين الطليعيّين ( آوليشوف، وفيرتوف، و أبولينسكي وغيرهم من الذين ساعدوه على أن يبدأ العمل في السينما وقاموا بتدريبه ).
وفي عام 1925م، عرض ايزنشتاين فيلمه "الإضراب"، وكان في ذهنه أنّ هذا الفيلم هو جزء من سلسلة أفلامٍ عن الثّورة تحت عنوان "إلى الدّيكتاتورية"، حيث قام بدراسة الأفلام الأجنبية وتوصل إلى أن هذه الأفلام تلقى النّجاح والرواج بسبب موضوعاتها الشيِّقة وبسبب الممثلين واسعِي الشّهرة والشّعبية، وأراد أن يصنع سينما بروليتارية (عُمّالية) في مواجهة السينما البورجوازية، يستبدلُ فيها "الموضوع" بـ "مونتاج التّشويق" ويستبدل النجوم بالبطولة الجماعيّة.
ولعلّ فيلمه "الإضراب" قد صوّر السّلوك الجماهيري الذي أراده، عندما قام العمال في أحد المصانع بطرد رؤسائهم المُباشرين، وفي هجوم فرسان القوزاق على العمال العُزّل لإنهاء المظاهرة.
لقد وُضِع فيلم "الإضراب" بالإضافة إلى مقالات آيزنشتاين النّظرية ( التي أراد من خلالها أن يُحدّد المواصفات النّوعية للفن السينمائي، وأن يبحث عن أسس جديدة ثوريّة للإبداع الفني ) في صفوف المُخرجين الشّباب المُجدّدين لفن السينما، مما أدى إلى أنْ أوكلته اللّجنة القيادية بمهمة إخراج فيلم عن ثورة 1905 م (فيلم المُدرّعة بوتمكين)، الذي حاز على شُهرة عالمية، وأجمعَ عليه نقاد السينما من ستة وعشرين بلداً عام 1958م في بروكسل بأنّه أجمل فيلم في تاريخ الفن السابع، فهو يؤرّخ الثّورة العمالية في مدينة "سان بطرس بيرغ" عام 1905 .
وتدور أحداثه حول ثورةِ بحّارة المُدرّعة، وتبدأ برفضهم أكل اللحم الفاسد، فيأمرُ القبطان بإعدام المتمردين، لكنّ البحارة يرفضون إطلاق الرصاص على زُملائهم ويهاجمون الضّباط، ويموت أحد البحّارة فتُنقل جثته إلى الشاطئ، حيث تتجاوب الجماهير مع ثورة البحارة، وتحمل إليهم الغذاء، فيتعرّض الأهالي الواقفون على سلالمِ الأوديسا والمرحِّبون بثورة البحارة، لرصاصِ جنود القوزاق، الذين يحصدونهم في مذبحة رهيبة، ويردّ البحارة على ذلك بنسف مقرّ القيادة بمدافع المدرعة، ويتوجه بعدها الأسطول لإخماد الثورة، ولكنّ بحارة الأسطول يستجيبون في اللحظة الأخيرة لنداء زملائهم على المدرعة، ويرفضون إطلاق النار عليهم، وينضم الأسطول كله إلى المدرعة.
إنّ مشهد "سلالم الأوديسا" يُمثّل أهم المشاهد في فيلم "المدرعة بوتمكين" وعنه يقول آيزنشتاين :
"مهما كان الأمر، فقد أصبح المشهد الذي يدور فوق سلالم الأوديسا من أكثر مشاهد الفيلم أهمية".
إنّ القوارب الرّاسية في هدوءٍ على ميناء الأوديسا ونعومة حركتها في بداية هذا المشهد، مع اتجاه الحركة في خطوطٍ أفقية تؤكد الإحساس بالسلام، وتعمل كفاصلٍ إيقاعيّ بين المشهد العاصف السابق لأهالي المدينة الذين أثارتهم جثة البحار، والمشهد التالي الأكثر عنفاً والذي يصوّر مجزرة السلالم، وهكذا يُمهّد هذا المشهد إيقاعياً للانتقال من مشهدٍ عنيف إلى مشهد أعنفْ، ويكون بمثابة لحظة استرداد الأنفاس استعداداً
للعودة إلى الصّراع من جديد .
تمّت الإشادة بهذا الفيلم من قبل "جوزيف جوبلز" وزير الدّعاية النازى في ألمانيا، باعتباره فيلماً رائعاً لا مثيل له في السينما، فأيّ شخص يُشاهد هذا الفيلم (بالنسبة لجوبلز) يمكن أن يُصبح "بلشفيّاً" حتى وان لم تكن له ميول لهذه العقيدة السياسية.
كان آيزنشتاين يرى أن السينما نشاطٌ مركّب يجمع بين الفنّ والعلم وعلى المُشاهد أن يعيش تجربةً روحيّةً و نفسيّة أثناء مشاهدة الفيلم، و هذه هي المبادئ التي استرشد بها آيزنشتاين طوال مشواره السينمائي، فكان لها تأثيرٌ على مُخرجي السينما منذ ذلك الوقت وحتى الآن، نظراً لاختلافها الجذريّ عن الأسلوب الأمريكي في السينما والذي يعتمد على "المونتاج السّردي".
لقطات من فيلم "المدرعة بوتمكين" :
الجوائز الحائز عليها سيرجي آيزنشتاين :
"جائزة الجدارة في العمل" لجمهورية روسيا الاتحادية عام 1935م
"جائزة الدولة السوفيتية"
درجة الدكتوراه في الرؤية الفنية عام 1939م
كما حاز على "جائزة الدولة لعموم الإتحاد السوفيتي" عام 1946م .
المصادر :
journals.yu.edu.jo
مصادر الصور :