البيولوجيا والتطوّر > التطور
كيف ومتى أصبحت الكلاب صديقة للبشر؟
تقترح دراسة حديثة اعتمدت على تحليل مستحاثات لجماجم كلاب قديمة، بأن صديق الإنسان الوفي ربّما يكون قد تطوّر عن الذئاب منذ 15.000 عام مضى فقط، في الوقت الذي كان فيه البشر يبنون أول مستعمراتهم الدائمة، أي عند بداية استقرار الإنسان "سكنياً".
حيث قام فريق بحث دوليّ باستخدام تقنيات تصوير 3D متطورة تستطيع كشف الفروق الدقيقة في أشكال الجماجم وأحجامها، بإيجاد أن اثنتين من جماجم الكلاب والتي يتجاوز عمرها 30.000 عام، هي جماجم لذئاب وليست لكلاب كما كان معروفاً من دراسات سابقة على نفس هذه الجماجم.
قدّم هذا الاكتشاف، الذي نشر في تقارير العلوم الطبيعية Nature Scientific Reports، دليلاً جديداً أضيف للجدل الطويل والساخن عما إذا كانت الكلاب المعاصرة قد تطورت في أواخر الحقبة الباليوليتية Palaeolitic Age، ما بين 20.000 و30.000 سنة مضت، في الوقت الذي كان البشر يقومون فيه بالصيد وجمع الثمار، أو ربما في وقت لاحق خلال الحقبة النيوليتية Neolitic Age ما بين 10.000 و15.000 سنة مضت، عندما بدأ البشر في الاستقرار ضمن تجمعات سكانية ثابتة.
قالت العالمة البيولوجية التي قادت الدراسة آبي غريس دريك Abby Grace Drake من جامعة سكيدمور Skidmore في الولايات المتحدة أنه بالإضافة لاكتشافها هذا، هناك دليل ثقافي ووراثي يدعم وجهة النظر التي تقول أن الذئاب تحولت إلى كلاب أليفة خلال الحقبة النيوليتية. حيث وجدت بقايا الكلاب من الحقبة النيوليتية مدفونة مع البشر ومزينة بالحلي، كالقلائد المصنوعة من أسنان الغزلان. كما أوضحت دريك: "تخلق معرفة الوقت الذي جرى فيه استئناس الكلاب سواء كان في الحقبة الباليوليتية أم في الحقبة النيوليتية نوعين مختلفين من السيناريوهات عن كيفية حدوث هذا الاستئناس. فقد كان البشر يقومون بالصيد والجمع في الحقبة الباليوليتية، أما في الحقبة النيوليتية، فقد بدأ الإنسان ببناء مستعمرات دائمة، الأمر الذي تطلب وجود مكبات للنفايات. هذه الأكوام من الطعام ومخلفات الإنسان جذبت الحيوانات الرميّة. وبحسب اقتراح بعض العلماء، فإن الذئاب التي كانت تبحث عن بقايا الطعام في هذه المكبات، حصلت على طعام ذو قيمة غذائية عالية، كما أن الذئاب التي تعايشت أو تقبلت وجود البشر كانت أكثر نجاحاً في البقاء والاستمرار".
إن الجمجمتين اللتين قامت دريك وفريقها بإعادة تحليلهما في روسيا وبلجيكا، واللتان يقدر عمرهما بنحو 32.000 عاماً، كانا قد صنفتا سابقاً بأنهما تعودان لكلاب. ولكن القائمين على هذه الدراسة كان لهم رأي آخر، حيث ذكروا في تقريرهم: "الدراسات الوراثية الجديدة تتعارض مع تصنيف تلك العينات بأنها تعود لكلاب، وتثير تساؤلات عن مدى دقّة الطريقة القديمة لقياس جماجم الكلاب باستخدام الفرجار فقط لقياسات الفك.
قالت دريك كذلك أن قياسات الفرجار لاتفرّق بين الكلاب والذئاب وتغفل نواحي مهمّة في الجمجمة مثل زاوية حجاج العين وزاوية الخطم.
قام الفريق بفحص 36 نقطة على الجمجمة باستخدام تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد، بما فيها الخطم والأسنان والقحف، بالإضافة إلى الاستعانة بالتصوير الطبقي المحوري. وعند تحليل الجمجمتين "المثيرتين للجدل" قام الفريق بمقارنة قياساتهما مع جماجم تعود لأكثر من 100 كلب وذئب. وعندها وجدوا بأن هذه الجماجم هي لذئاب وليست لكلاب.
وقالت دريك: "لقد كنت أتسائل بفضول عن ماهية هذه المستحاثات القديمة، هل ستكون على شكل كلاب بدائيّة؟ أم ستكون حيوانات هجينة بين الكلاب والذئاب؟ وكانت المفاجأة عندما اكتشفت أن شكلها شبيه بجماجم الذئاب".
لقد كان هناك بعض الجدالات الحادة حول الزمن الذي تطورت فيه الكلاب بشكلها الحالي. حيث اقترحت ثلاث أبحاث منفصلة نشرت عام 2013 حدود زمنية مختلفة. في أحد هذه الأبحاث استطاع العلماء تحديد مورثة في الكلاب تساعدها على تحطيم النشويات وهضمها، وهي مورثة لا تمتلكها الذئاب، حيث يقترح هذا البحث أن الكلاب ربما تكون قد تطورت منذ حوالي 10.000 سنة تقريباً. أما التقرير الثاني فقد ذكر أن بداية تطور الكلاب من الذئاب يمكن أن يكون قد بدأ في جنوب الصين منذ 30.000 سنة مضت.
وزاد من غموض هذه الصورة قول بعض الباحثين أن الاستئناس ربما يكون قد حدث في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة، وأن أسلاف الكلاب الحالية استمروا بالتزاوج مع الذئاب حتى بعد أن أصبحوا أصدقاء البشر.
أما بالنسبة لاكتشافات دراسة دريك فقد تم تدقيقها من قبل العالم أولاف ثالمان Olaf Thalmann وهو مختص في علم الجينات التطوري من جامعة توركو University of Turku بفنلندة ويدعم فرضية الحقبة الباليوليتية. كتب أولاف: "إن كل قياس جديد للبقايا يكشف عن قصة مختلفة وإن مؤلفي هذه الدراسة ربما ارتكبوا خطأ في تصنيف هاتين العينتين واستخدموا هذا التصنيف الخاطئ لدحض الفرضية القديمة المدعومة من باحثين مستقلين."
وكما يبدو، فإن النقاش حول متى بدأ تطور صديق الإنسان الوفي سيبقى محتدماً إلى أن يظهر دليل جديد يدعم أحد هذه الفرضيات.
هوامش:
الحقبة الباليوليتية Palaeolitic Age هي القسم الثاني من العصر الحجري بدأت منذ حوالي 750 ألف سنة قبل الميلاد واستمرت حتى نهاية العصر الجليدي حوالي 8500 سنة قبل الميلاد.
الحقبة النيوليتية Neolitic Age وهي آخر مرحلة من العصر الحجري
المصادر: