كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

كتاب الرواد: العصر الذهبي للعلوم العربية

استمع على ساوندكلاود 🎧

تبدأ قصتنا من أرض الهلال الخصيب، حيثُ جُمْلةٌ من الحضارات القديمة التي كانت متقدمةً جداً في زمانها، تركت خلفها مجموعةً من الابتكارات والعلوم، والكتابة ليست أولها ولا آخرها. فالعراق وحده - بلد الكاتب - اكتنف جملةً من الحضارات التي تُعَدُّ ذات قيمةٍ تاريخيةٍ عاليةٍ جداً، وهذه الحضارات التي تعاقبت على المنطقة تركت إرثها لمن جاء بعدها من حضارات. ولعلَّ وصول الحضارة للفرس والإغريق والبيزنطيين، وتعاقبهم على حكم المنطقة مَكَّنهم من الإضافة على هذه العلوم، فقد كان الأمر أشبه بسباق التّتابع، حيث تُسلّم كل حضارةٍ العَلَم أو الشَّارة إلى الحضارة التالية.

وهنا تأتي الحضارة الإسلامية ولغتها العربية لتحمل لواء المعرفة في القرن الثامن، حيث أبو جعفر المنصور (الخليفة العباسي الثاني) يؤسس لعاصمةٍ جديدةٍ ستغدو الأبرز لخمس قرونٍ تالية؛ إنها بغداد.

تبدأ الحكاية من عصر الترجمة الذي بدأ مع تولي أبو جعفرٍ المنصور للحكم، ويُسْهِبُ الكاتب هنا عن دور الترجمة في نقل العلوم من اللغات المحيطة إلى اللغة العربية، إذ يذكر كيف بدأت حكاية الترجمة في عهد المنصور، وكيف تطوَّرت في عهد الخليفة هارون الرشيد، لتبلغ ذروتها في عهد المأمون.

وبعد هذا المدخل، يبدأ الحديث عن الحلم الذي راود المأمون في إحدى الليالي بأنَّ أرسطو يطلب منه أن يقتني كتب العلوم الإغريقية. كانت هذه الرؤية بمثابة إلهامٍ للمأمون بضرورة الإسراع والتّحرك نحو هذه العلوم، وهو ما جعل عصر المأمون الأميز بين عصور من سبقوه؛ إذ ستغدو الترجمة في عصره عملاً يترافق معه الإنتاج الفكري في التأليف.

يعود جيم الخليلي بعدها للحديث عن وضع المنطقة جغرافياً وعن الأسباب التي جعلت من الحضارة الإسلامية مهيّأةً للنهوض واعتلاء عرش العلم في ظلِّ تخبّط كلّ الحضارات المحيطة، ولا سيما البيزنطية والفارسية. ثم يأتي على تاريخ مدينة بغداد وكيف أنشأها أبو جعفر المنصور بعنايةٍ فائقةٍ، إذ يوضح باستخدام الخرائط دور التصميم الذي جعل من المدينة قابلةً للتوسّع بكلّ مرونةٍ واستيعابِ المزيد من المواطنين، لتغدو خلال فترةٍ قياسيةٍ إحدى أكثرِ المُدُنِ في العالم من حيث الكثافةِ السُّكانية.

وبالحديث عن تاريخ الترجمة والكتب التي تُرجمت للعربية، وعن العلوم التي اهتمّت الحضارة الإسلامية بنقلها للعربية، كان لتقدم مجموعة من النماذج عن الترجمات الأولى للعلوم وكيف نُقلت إلى العربية أثرٌ بالغ الأهمية. والتخصّص في العلوم ميزة هذا العمل؛ فللكيميائي جابر بن حيان إسهاماته الكبيرة في علم الكيمياء كمؤسّسٍ له في اللغة العربية التي كان لها وقعها الكبير. وهو لم يكن وَحْدَهُ في ذلك، فبالحديث عن رُوّاد الكيمياء، يظهر دور وإسهام الكنديِّ ومن بعدهم دور ابن سينا أيضاً في نقلِ الكثير من علوم الحضارات الأخرى وتدوينها باللغة العربية وترسيخِ دورها كلغةٍ لعلم الكيمياء طيلة العصور الوسطى، مضافاً إليهم الدور البارز لبقية علماء الحضارة الإسلامية في هذا المجال.

ويأتي ذِكْرُ مكتبةِ بيت الحكمة في بغداد ليأخذ مساحةً مهمّةً في العصور الوسطى، فهي واحدة من أكبر المكتبات وأهمها في تاريخ البشرية، تلك المكتبة التي أسسها هارون الرشيد مستنداً إلى ما ورثه عن جده الخليفة أبو جعفر المنصور، ليطوّرها وينقل لها العديد من الكتب المترجمة. ويتحدث هنا جيم الخليلي عن دور دار الحكمة في الترجمة، لتتحول لاحقاً إلى مقرٍّ ومركزٍ للترجمة في الشرق، ولتكون تُحفةً علميّةً بكلّ المقاييس، بما تحتويه من قاعاتٍ ومرصدٍ فلكيٍّ، وبما احتَضَنَتْهُ من ندواتٍ أدبيةٍ وعلمية، فنجد لكلّ عِلمٍ من العلوم قاعةً خاصةً تحتوي على المصادر والمتخصصين وتُقام فيها المحاضرات والندوات الخاصة بالعلوم.

ويُفْرِدُ جيم الخليلي حديثاً كبيراً عن علوم الرياضيات ونظريات العدد والجبر عند علماء الحضارة الإسلامية فمن خلال تطويرهم لعلم الرياضيات عما كان عليه لدى الإغريق والفرس، أضاف العلماء الكثير من الحلول للمسائل التي لم يكن لها حل، وكانت لإضافاتهم وإسهاماتهم الكثير من الإفادة، حيث استطاعوا أيضاً الحفاظ على علوم الحضارات السابقة ومنجزاتهم في علوم الرياضيات، ويوضح جيم -المتخصص في هذا المجال- بالأمثلة دور أهم الكتب التي ترجمت إلى العربية أو التي ألفت بالعربية في مجال تطوير علوم الرياضيات وكيف استفادت أوروبا كثيراً من كل تلك الكتب التي أسست للكثير من العلوم وأهمها علوم الأعداد من خلال النظريات الكثيرة التي دونت باللغة العربية، لتساعد في تأسيس عصر النهضة الأوروبية.

وعن الفلسفة والفلاسفة كان للحضارة الإسلامية دورها البارز في هذا المجال، فكان لترجمة الفلسفة الإغريقية الوقع الكبير في الانتقال نحو التأليف في الفلسفة وتطور المدارس الفلسفية كالمعتزلة والشعوبية، لتأتي بالكثير من الأفكار الحديثة المتمثلة في نظرة الفلاسفة في الحضارة الإسلامية إلى كثير من المسائل الكونية والاجتماعية وعزلها ودراستها بطريقة منهجية وتطبيقية على عكس الطرق النظرية التي كانت متبعة لدى الإغريق، وبفضل فلاسفة المسلمين حُفظت فلسفات الفرس والإغريق من الضياع، من خلال نقلها إلى الكتب العربية.

ليأتي الحديث عن الطب مشوقاً جداً، إذ يبدو أن إسهام علماء الحضارة الإسلامية كان متميزاً في الطب، وكان لإسهامهم عظيم الشأن في النهضة الأوروبية، حيث أن النماذج والأمثلة والكتب التي أسهمت في النقلة النوعية في المجال الطبي من خلال معرفة وتشخيص العديد من الأمراض وإيجاد الحلول لها كانت لا تعد ولا تحصى، كما ساهم الأطباء في تحسين علوم التشريح والتعرّف على مكونات جسم الإنسان المختلفة من خلال التطبيق المباشر على الجثث البشرية والتعلم وتدوين كل ما تم ملاحظته من خلال الرسم المتميز والشرح التفصيلي لكل ما تم دراسته في ذلك العصر.

وفي الفيزياء كان هناك فصل متميز عن دور العلماء في وصف الأجسام والحركة وتحديد دور الرياضيات في إثبات النظريات الفيزيائية والتّبحّر بها ومن ثم تجربتها، ومن خلال الاختراعات الميكانيكية نجد الكثير من الإسهامات في كتب الفيزياء المكتوبة باللغة العربية.

وتحت عنوان الأمير والفقير جاء الحديث عن ابن سينا، حيث تميّز هذا الباب بالحديث عن إسهاماته الكثيرة في العلوم المتنوعة، هذه الإسهامات والرسائل جعلت منه رجل العلم الأول في العصر الوسيط في شتى العلوم، كما وتدين كل من الحضارة الإسلامية والغربية بالكثير له.

بعيداً عن بغداد، وعن الأندلس بالتحديد كان الحديث عن مستوى التقدم العلمي الذي شهدته الأندلس باعتبارها حلقة الوصل بين أوروبا والحضارة الإسلامية، ومن خلالها انتقلت العلوم إلى أوروبا، فيأتي على ذكر علماء الأندلس وإسهاماتهم الكبيرة، حيث سلكت اللغة العربية مسلكاً مختلفاً من خلال التدوين والتأليف في شتى المجالات.

والفلك كان من بين محاور العلم المتقدمة في الحضارة الإسلامية، فمرصد مراغا الكبير الذي أنشأ في مدينة مراغا في آذربيجان سنة 1259 كأكبر مرصد فلكي في ذلك الزمن، انتقل بعلماء الحضارة من علوم الأرض إلى علوم ما هو خارج الأرض، حيث وصفوا القمر وشكله لأول مرة وبطرق منهجية وباللغة العربية، محددين مواقع النجوم في السماء ومتخذين لها أسماء عربية مميزة، بقيت مستعملة إلى يومنا هذا.

وفي خضم الحديث عن دور أوروبا في ترجمة العلوم العربية إلى اللغات الأوروبية كان لابد لهذه الخطوة أن تشكل العصر القادم من العلوم والمعرفة وتلهم مثقفي وعلماء أوروبا لعصر النهضة العلمية، الذي سيشكل فارقاً كبيراً سيأخذ صداه عبر الأزمنة وإلى هذا اليوم ويمنح التفوق للحضارة الأوروبية، حيث انتقلت كل تلك العلوم التي حافظ عليها علماء الحضارة الإسلامية وطوروها إلى علماء عصر النهضة الذين قاموا بدورهم بإضافة الكثير عليها.

وعن واقع المسلمين في هذا اليوم ودورهم في الحياة العلمية، كان لابد من تفنيد ذلك في إسهامات الكثير من العلماء الحديثين الذين قدموا إلى أوروبا وساهموا بشكل فاعل في الحياة العلمية من خلال أبحاثهم العلمية القيمة، لينتهي الكاتب إلى صورة إيجابية ومتفائلة عن نهضة علمية قريبة تعيد ذلك الإشعاع الحضاري، وفند هذا الختام في قوله "كما فعله المسلمون ذات مرة في الزمن الغابر فهم قادرون على فعلها مرة أخرى"

العنوان: "كتاب الرواد: العصر الذهبي للعلوم العربية"

المؤلف: جيم الخليلي

الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر

الترقيم الدولي المعياري: 9789953887388

2014

يقع الكتاب في 315 صفحة

الكتاب الإنجليزي:

Pathfinders: The Golden Age of Arabic Science

by Jim Al-Khalili

Publisher: Penguin Books (January 1، 2012