الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة

يشير مصطلح اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة إلى السلع الاستهلاكية التي تدوم لفترة قصيرة فقط ويتم استبدالها بأخرى جديدة عندما لا تعود صالحة للاستعمال.

وهو على عكس الاقتصاد ذي الموارد المحدودة عندما نشتري منتجاً ما نتوقع منه العمل لفترة طويلة، بل ونقوم بإصلاحه إذا لزم الأمر.

على سبيل المثال، في الماضي كنت تقوم برتق جوربك عندما يثقب. أما في هذه الأيام فمن المنطقي أكثر أن ترميه وتشتري بدلاً منه زوجاً جديداً رخيصاً. فإذا كان متوسط الدخل هو 10 جنيهات في الساعة، فلماذا نقضي نصف ساعة في رتق جوارب نستطيع شراء بديل لها ب 3 جنيهات ؟ بينما في الماضي كانت الأجور أدنى بكثير مقارنة بمستوى الأسعار، فعندما يكون الأجر لا يتعدى جنيهاً واحداً في الساعة عندها سيستحق الأمر قضاء نصف ساعة في رتق الجورب بدلاً من شراء زوج جديد بسعر يساوي أجر ثلاث ساعات عمل. و لذلك فإن رفع الأجور الحقيقية ساهم في نشر اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة.

محلات الصيانة

في الماضي كانت محلات الصيانة منتشرة بشكل كبير، فإذا تعطل تلفازك أو أي جهاز الكتروني لديك كنت تسعى لإصلاحه. بينما اليوم إذا تعطل التلفاز فعلى الأغلب ستقوم بالتخلص منه وشراء آخر جديد. فهو لم يعد باهظ الثمن، كما أن عالم الالكترونيات يقدم كل يوم ميزات جديدة. فبعد عامين من الآن ستغدو أجهزتك الالكترونية قديمة الطراز. فأنا مثلاً لدي مجموعة كبيرة من الأقراص المدمجة لم أعد أستخدمها على الإطلاق.

مشكلة فتاحات العلب

إن الدافع للحديث عن هذا الموضوع هو عدد فتاحات العلب التي استهلكتها خلال السنة الأخيرة. لقد اشتريت أربع فتاحات علب وجميعها توقفت عن العمل خلال مدة قصيرة. وفي كل مرة كنت أرميها وأشتري واحدة جديدة. كانت الأولى من متجر معروف وثمنها 4 جنيهات وكانت تبدو جيدة، ولكن بعد عدة أسابيع لم تعد تعمل بشكل جيد و من ثم توقفت نهائياً عن العمل، تكرر الأمر نفسه مع الثانية. أخيراً، وبما أني قد كنت قد دفعت أكثر من 5 جنيهات ثمناً لفتاحة علب لم تعد تعمل، فقد قلت للمستأجر عندي (الذي يستخدم فتاحات العلب أكثر مني) أن يجرب الذهاب لمتجر يبيع كل قطعة بجنيه واحد لشراء واحدة جديدة. وعندما أحضرها استطعنا أن نفتح بها علبة حساء واحدة و من ثم توقفت عن العمل. 99 بنس لفتح علبة واحدة فقط!! هذا ما يسمى بالاقتصاد الزائف. وقد ضحك موظفو المحل عندما أعاد لهم الفتاحة المعطلة، من الواضح أننا لسنا الوحيدين الذين فعلوا ذلك. وقد أعطونا فعلاً البديل ولكن هذه المرة تعطلت مباشرة قبل أن نستخدمها ولو لمرة واحدة.

إن لهذه المتاجر فوائد عديدة تتمثل بشكل رئيسي بالأسعار المنخفضة للبضائع، والنوعية الجيدة، واستغلال وفورات الحجم، بل وقد تساهم أيضاً في خفض نسبة التضخم. ولكن مع هذا تبقى لها مساوئها، فالتركيز على السعر المنخفض قد يقود للنوعية الرديئة. إنها تشجع على انتشار اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة، فإذا تعطل منتج ما فإننا نرميه ببساطة ونشتري واحداً جديداً.

بات بمقدور الإنسان الوصول إلى القمر، وإجراء جراحة دقيقة للقلب بالمجهر ولكنه لا يستطيع الحصول على فتاحة علب جيدة، هذا هو اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة.

تكلفة اقتصاد الاستعمال مرة واحدة

لانتشار اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة العديد من العواقب، فبدلاً من أن يكون لدينا منتج واحد جيد النوعية يدوم لفترة طويلة، نضطر لشراء منتجات جديدة كل فترة. وهذا له أثره على البيئة بسبب استهلاك المزيد من الموارد الشحيحة أصلاً وزيادة تكاليف النقل.

وهكذا فإن لاقتصاد الاستعمال مرة واحدة تكاليف خارجية، صحيح أننا نحصل على المنتجات بسعر جنيه واحد، ولكن لأننا نستهلكها بسرعة ونضطر لاستبدالها فإننا نستنزف مواردنا بشكل أكثر من اللازم. وهذا يشجع الشركات على إنتاج بضائع ذات نوعية متدنية. ففي الماضي عندما كان شيء ما يتعطل، كان من الطبيعي جدا أن نقدم شكوى للشركة المصنعة، أما اليوم فمن الأسهل رميه وشراء آخر جديد. فأنا على سبيل المثال لم أرفع شكوى بخصوص فتاحات العلب الرديئة التي اشتريتها، فما المغزى من تضييع الوقت بسبب فتاحة علب يتراوح سعرها من جنيه إلى أربعة جنيهات؟

أما بالنسبة للشركات فليس من صالحها إنتاج فتاحة علب جيدة قد يصل سعرها إلى عشرة جنيهات لأن بيعها بهذا السعر سيكون صعباً حتى لو كانت مكفولة ل 40 عاما. فالسعر الرخيص واضح للعيان ويجذب المستهلك، بينما لا تظهر الجودة والمتانة بنفس الوضوح، مما دفع الشركات لإنتاج البضائع الرخيصة التي ترضي المستهلك.

كما أن هذه المنتجات تشجع على الكسل، فبدلاً من القيام بغسل الأطباق، بتنا نشتري صحوناً وأكواباً بلاستيكية، منتجين بذلك المزيد من النفايات. كما أننا لم نعد نشعر بقيمة ما لدينا. أذكر أن مطبخ جدتي كان مذهلاً، فكل ما فيه كان عمره 50 عاما. تخيلوا مقلاة تدوم ل 50 عام، و هي قد حافظت على الأكواب وعلى كل شيء في هذا المطبخ بشكل رائع. لقد عاشت في عصر لم تكن فكرة الاستعمال السريع واردة فيه، وعنايتها بأغراضها لتدوم طوال هذه المدة مؤثرة فعلاً، وهذا أمر يفتقده جيلنا الحالي. هذا ليس مجرد حنين للماضي، ففتاحة العلب لدى جدتي لازالت تعمل بشكل جيد.

فوائد اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة

يشجع اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة على الإنتاج الضخم و وفورات الحجم، ويوفر البضائع الرخيصة المناسبة لكل الشرائح. و من ناحية أخرى لا يوجد ما يمنعك من إصلاح أغراضك إذا رغبت بذلك.

و أنت ما هو رأيكم؟ هل تفضلون شراء الأرخص و تبديله كل فترة؟ أم أنكم تفضلون شراء الأغلى ثمناً لتشتروا راحة بالكم؟

المصدر:

هنا

مصدر الصورة:

هنا