الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
علم نفس الألوان وعلاقته بالتسويق و العلامات التجارية
إن علم نفس الألوان و علاقته بالإقناع هو من أكثر جوانب التسويق إثارةً للاهتمام والجدل. و السبب هو أن أغلب النقاشات حول موضوع الألوان والإقناع مبنية على الحدس و القيل و القال و محاولات المسوقين لنشر أوهام تتعلق ب "الألوان والعقل".
لإغناء هذا النقاش والتعامل بطريقة مناسبة مع عنصر مذهل من السلوك الإنساني، سنقوم اليوم بتغطية بعض الأبحاث التي يمكن الاعتماد عليها و التي تتعلق بنظرية الألوان و علاقتها بالإقناع.
المفاهيم المغلوطة حول علم نفس الألوان:
لماذا يستدعي علم الألوان هذا الكم من النقاش، ومع ذلك لا تدعمه أية معطيات حقيقة؟
أظهر أحد الأبحاث أن بعض العناصر مثل التفضيلات الشخصية، والتجارب، والتربية، والاختلافات الثقافية و غيرها، غالباً ما تخفف من تأثير الألوان الفردي علينا. لذلك فإن فكرة أن بعض الألوان مثل الأصفر أو البنفسجي قادرة على إثارة نوع مميز من المشاعر تماثل في دقتها توقعات أوراق اللعب.
ويزيد من نوعية هذه النقاشات سوءاً المحاولات المبتذلة لتلخيص علم نفس الألوان ب"حقائق" رائعة مثل:
اللون الأصفر هو اللون الأكثر سعادة من ألوان الطيف
شخصية الكتب المصورة (المصباح الأخضر) كانت تخاف اللون الأصفر
75% من أقلام الرصاص المباعة في الولايات المتحدة الأمريكية هي ذات لون أصفر.
ولكن لا تقلق. فقد حان الوقت الآن لإلقاء نظرة على بعض الحقائق المدعمة بالأبحاث حول الدور الذي تلعبه الألوان في الإقناع.
أهمية الألوان في العلامات التجارية:
فلنتحدث أولاً عن العلامات التجارية، والتي تعد أحد أهم المواضيع المتعلقة بإدراك اللون، والمجال الذي تواجه فيه أغلب المقالات مشكلات عدة.
لقد كانت هنالك عدة محاولات لتصنيف تفاعل المستهلكين للألوان المختلفة.
ولكن حقيقة الأمر هي أن اللون يعتمد على التجارب الشخصية، مما يمنع ترجمته عالمياً إلى مشاعر محددة.
وقد وجد الباحثون في دراسة عنوانها (تأثير الألوان على التسويق) أن 90% من الأحكام الأولية المتعلقة بالمنتجات قد تكون بناءً على اللون فحسب (بحسب المنتَج).
أما الدور الذي يلعبه اللون في العلامات التجارية فيظهر من خلال نتائج دراسات مثل (التأثيرات التفاعلية للألوان) التي توضح أن العلاقة بين العلامات التجارية واللون تعتمد على ملاءمة اللون المستخدم في العلامة التجارية نفسها (بمعنى آخر، هل يناسب اللون المنتَج الذي نحاول بيعه؟).
وتؤكد دراسة عنوانها " الأحمر المثير و الأزرق الغني" أن نية الشراء يمكن أن تتأثر بقوة بالألوان بسبب تأثيرها على الطريقة التي نرى بها العلامة التجارية. هذا يعني أن الألوان تؤثر على الطريقة التي يرى بها المستهلك شخصية العلامة الفارقة المذكورة (ففي نهاية المطاف، من كان سيرغب بشراء دراجة هارلي دافيدسون لو لم يشعر المستهلك بأن لها مظهراً صلباً ورائعاً ؟).
و قد أظهرت دراسات إضافية أن أدمغتنا تفضل العلامات التجارية السهلة التمييز، مما يجعل اللون أكثر أهمية عند تشكيل هوية العلامة. و تقول دراسة في مجلة "بحوث و تطبيقات الألوان" أن المهمة الأساسية والأكثر أهمية للعلامات التجارية الجديدة هي اختيار ألوان لشعارها تؤكد تميزها عن المنافسين الموجودين في السوق (إذا استخدم جميع المنافسين اللون الأزرق استخدم اللون البنفسجي لتتميز).
عندما يتعلق الأمر باختيار اللون "الصحيح"، أظهرت الأبحاث أن توقع ردود أفعال المستهلك على مدى ملاءمة اللون للمنتَج أكثر أهمية من اللون بحد ذاته. فإذا اتخذ مالكو دراجات الهارلي قرار الشراء ليشعروا بالرجولة، فبإمكانك الافتراض أن النسخة الزهرية اللون منها لن تكون مبيعاتها جيدة.
وأجرت جينيفر آكر عالمة النفس والأستاذة في جامعة ستانفورد دراسات حول هذا الموضوع بالذات من خلال دراسة (أبعاد شخصية العلامة التجارية). ووجدت دراستها بأن هناك خمسة أبعاد أساسية تلعب دوراً في شخصية العلامة التجارية و هي: الصدق، والإثارة، والقدرة، والرقي، والصلابة.
يمكن للعلامات التجارية أن تجمع بين سمتين، ولكن تطغى عليها في الغالب سمة واحدة. فالملابس التي تتبع الموضة تعد راقية، بينما تعد معدات التخييم صلبة. وقد أظهرت أبحاث إضافية أن هناك صلة حقيقة بين استخدام الألوان والصورة المتولدة عند الزبائن عن شخصية العلامة التجارية.
هناك ألوان محددة تتناسب مع صفات معينة (فمثلاً، يعبر البني عن الصلابة، و البنفسجي عن الرقي، والأحمر عن الإثارة). ولكن تخبرنا جميع الدراسات الأكاديمية تقريباً و التي أجريت حول علاقة الألوان بالعلامات التجارية بأن علينا التركيز على أن تدعم الألوان المختارة للعلامة التجارية الشخصية المراد رسمها عوضاً عن محاولة الاعتماد على الاستخدامات النمطية للألوان.
إذا نظرنا إلى التعميم غير الدقيق بأن (اللون الأخضر يعني الهدوء) نلاحظ هنا وجود خلل ما، فاللون الأخضر يستخدم كرمز للقضايا البيئية مثل حملة شركة تمبرلاند G.R.E.E.N standard، و نجد أنه يستخدم أيضاً في العلامات التجارية للشركات المالية مثل Mint.com.
وفي حين أن اللون البني قد يكون مناسباً للتعبير عن المظهر الصلب (كما في لون حقائب Saddleback leather)، إلا أنه في سياق آخر يُستخدم لخلق شعور بالدفء والمودة أو حتى لإثارة الشهية (كما في كل دعايات الشوكولا التي نشاهدها يوماً).
بإيجاز، لا يمكننا أن نضع قواعد واضحة وسهلة لتساعد في اختيار ألوان العلامة التجارية، ولكن يمكننا التأكيد على أن السياق الذي يتم العمل ضمنه يُعد من أهم الاعتبارات الواجب الأخذ بها. فعناصر مثل الشعور، والمزاج، والصور التي تولدها العلامة التجارية لدى المستهلك هي التي تلعب الدور في عملية الإقناع. ولا بد من التأكد من حقيقة أن الألوان لا تساعد العلامة التجارية إلا عند استخدامها للتعبير عن شخصية الشركة. (استخدام اللون الأبيض يعبر عن محبة شركةApple للتصاميم البسيطة).
من دون سياق محدد للعمل، ليس من المنطقي اختيار لون بدلاً من الآخر، ولا توجد إثباتات تدعم فكرة أن اللون البرتقالي سيدفع المستهلكين حول العالم لشراء منتج ما أكثر من اللون الفضي.
تفضيلات الألوان حسب الجنس:
قد تفسر لنا الفكرة السابقة لماذا يُعتبر الأبيض، والأسود، والفضي، والرمادي من الألوان المفضلة للسيارات... ولكن هل هناك فكرة أخرى توضح لنا لماذا لا يوجد معدات ثقيلة ذات لون زهري مثلاً؟
من أهم الدراسات حول هذا الموضوع هي الدراسة التي قدمها جو هالوك بعنوان (توزيع الألوان). وتظهر بيانات دراسة هالوك وجود تفضيلات واضحة لألوان معينة لكل من الجنسين. ومن الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن البيئة المحيطة بالشخص – بالأخص المفاهيم الثقافية – تلعب دوراً في تحديد الألوان المناسبة لكل نوع، وذلك ممكن أن يؤثر بدوره على الخيارات الفردية. كمثال على ذلك نجد مقالة في مجلة Simthsonian تتحدث عن التسلسل الذي أصبح بموجبه اللون الأزرق هو اللون الخاص بالفتيان واللون الزهري للفتيات (مع العلم أن الأمر كان سابقاً بالعكس).
توضح الصورة نتائج دراسة هالوك فيما يتعلق بتفضيلات الألوان لدى الذكور و الإناث:
الألوان المفضلة للرجال: الأزرق – البني – الأخضر – الرمادي – البرتقالي – الأحمر –الأبيض – الأصفر – الأسود.
الألوان المفضلة للنساء: الأزرق – البني – الأخضر – الرمادي – البرتقالي – الأرجواني - الأحمر –الأبيض – الأصفر – الأسود.
أقل الألوان تفضيلاً عند الرجال: الأزرق – البني – الأخضر – الرمادي – البرتقالي – الأرجواني- الأحمر –الأبيض – الأصفر – الأسود.
أقل الألوان تفضيلاً عند النساء: الأزرق – البني – الأخضر – الرمادي – البرتقالي – الأرجواني- الأحمر –الأبيض – الأصفر – الأسود.
من أهم النقاط التي توضحها هذه الصور هي سيطرة اللون الأزرق لدى كلا الجنسين (اللون المفضل للمجموعتين)، والتفاوت بين المجموعتين فيما يتعلق باللون البنفسجي. (ربما لهذا السبب لا توجد معدات ثقيلة بنفسجية اللون لأنها تستخدم عادة من قبل الرجال).
وأظهرت دراسات إضافية حول إدراك اللون و تفضيلات الألوان أنه عندما يتعلق الأمر بالدرجات والأطياف اللونية، يفضل الرجال الألوان الواضحة بينما تفضل النساء الألوان الأكثر نعومة. كذلك يفضل الرجال درجات غامقة من الألوان (الألوان التي أضيف لها اللون الأسود)، بينما تفضل النساء الدرجات الأفتح (الألوان التي أضيف لها اللون الأبيض).
يفضل الرجال الألوان الساطعة
تفض النساء الألوان الناعمة
الظلال
التدريجات اللونية
يجب أخذ هذه المعلومات بعين الاعتبار عند اختيار مجموعة الألوان الأساسية الخاصة بالعلامة التجارية، ليتم الاختيار بحسب الفئة المستهدفة من الزبائن (نساء أو رجال).
تنسيق و تحويل الألوان:
أهم النقاشات الحالية تتعلق ب "أفضل" لون فيما يتعلق بالتحويلات (ويقصد بها نسبة الأشخاص اللذين يشترون منتجاً ما عن طريق الانترنت بعد مشاهدة إعلان على إحدى الصفحات). وهناك الكثير من الأفكار الممتازة، فمن المؤكد أنه ليس هناك لون واحد مثالي للتحويلات.
أحد مبادئ علم النفس المعروف ب "أثر التفرد" ينص على أن ظهور أي منتج بصورة مميزة واضحة سيزيد من احتمالات تذكره. وتظهر الأبحاث بوضوح أن المشاركين في مختلف الدراسات تمكنوا من تمييز وتذكر الأشياء التي كانت بارزة أو مميزة عن محيطها (سواءً كانت نصوصاً أم صوراً).
(يبرز زر التسجيل في الصفحة لأنه يشبه "جزيرة" حمراء في بحر من الزرقة).
وجدت دراستا (ردود الفعل الجمالية على مزج الألوان) و (تفضيلات المستهلك لتراكيب الألوان) أنه على الرغم من أن أغلبية المستهلكين يفضلون الأنماط اللونية ذات الأطياف المتشابهة، إلا أنهم يفضلون التراكيب التي تحوي الألوان عالية التباين.
أما تنسيق الألوان، فهو يعني خلق بنية بصرية مكونة من ألوان أساسية متماثلة والتمييز بينها عن طريق تحديد بعض الأجزاء بألوان مكملة.
نظام الألوان المتكامل الثلاثي نظام الألوان المتماثل
هناك طريقة أخرى في التفكير تتعلق باستخدام ألوان الخلفية والقاعدة و خلق تراتبية على موقعك الإلكتروني تقوم ب"إرشاد" الزبائن نحو اللون الذي يعني اتخاذ القرار.
لماذا يعتبر ذلك مهماً؟
على الرغم من أنك قد تشعر و كأنك مصمم داخلي بعد قراءة هذا المقطع، إلا أن هذه المعلومات لها أهمية بالغة في مساعدتك على فهم أسباب التغيرات في نسبة التحويلات (ارتفاعاً أو هبوطاً). علاوة على ذلك، فهذا سيساعدك على عدم استخدام الطرق النمطية المعتادة التي يستخدمها الجميع للتأثير في نسب التحويلات.
فلنفكر بهذا المثال الذي أدى إلى رفع نسبة التحويلات بسبب التغيير في لون زر:
أدى تغيير لون الزر للون الأحمر إلى زيادة التحويلات بنسبة 21%، ولكن هذا لا يعني أن اللون الأحمر يملك قدرة سحرية على تحفيز الناس على اتخاذ القرار.
إذا نظرت بدقة إلى الصورة ستجد أن بقية ألوان الصفحة هي من درجات اللون الأخضر، مما يعني أن الزر ذو اللون الأخضر سيندمج بمحيطه. من ناحية أخرى، فإن اللون الأحمر من شأن أن يمثل تناقضاً بصرياً واضحاً (وهو لون مكمل للون الأخضر).
المصدر:
مصدر الصورة: