المعلوماتية > اتصالات وشبكات
الفوتونات المتشابكة على الرقاقة: انطلاقة تعد باتصالات آمنة وأجهزة حاسوب أسرع!
ملخص: قام فريق من العلماء -ولأول مرة- بتطوير عنصر مجهري صغير بما يكفي ليتسع على رقاقة السيليكون القياسية التي يمكنُ أن تولد إمداداتٍ مستمرة من الفوتونات المتشابكة. التشابك -وهو الاتصال الفوري بين اثنين من الجسيمات مهما كانت المسافة بينهما– هو أحد الظواهر الواعدة والأكثر إثارة للاهتمام في الفيزياء. وإذا تم تسخيرها، فإن الفوتونات المتشابكة يمكنُ أن تُحدثَ ثورةً في عالم الحوسبة، والاتصالات، وأمن المعلومات.
على الرغم من سهولةِ خلقِ مصدرٍ للفوتونات المتشابكة في المختبر، والذي يحتاجُ إلى مكوناتٍ بصرية إلكترونية كبيرة، إلا أنَّ خلقَ مصدرٍ للفوتونات المتشابكة عمليا بحجم يتناسب مع رقاقة الكمبيوتر العادية لطالما كان هدفاً بعيد المنال.
نشرت الجمعية البصرية (OSA) في مجلة البصريات التابعة لها بحثاً جديداً في 26 من يناير 2015، يصفُ كيفيةَ قيام فريق من العلماء بتطوير عنصر مجهري صغير بما يكفي ليتسع على رقاقة السيليكون القياسية التي يمكن أن تولدَ إمداداتٍ مستمرة من الفوتونات المتشابكة. ويستندُ التصميم الجديد إلى تكنولوجيا السيليكون المعروفة بالمرنان الحلقي الميكروي (Micro-ring Resonator). هذه المرنانات هي عبارة عن حلقاتٍ محفورةٍ على رقائق السليكون، يمكنها أن تحتفظ بجسيمات الضوء ثم تقوم بإطلاقها.من خلال تعديلِ تصميم هذا المرنان، أنشأ الباحثون مصدراً جديداً لللفوتونات المتشابكة صغير بشكل لا يصدق وذو كفاءة عالية، مِمَّا يجعله عنصراً مثالياً للرقاقات.
قال "Daniele Bajoni"، الباحث في جامعة "Università degli Studi di Pavia" الإيطالية والمؤلف المشارك في هذا البحث: "إن الميزة الرئيسية لهذا المصدرالجديد لدينا هو أنه صغير، وذكي، وأساسه السيليكون في الوقت نفسه".
قطر المرنان الدائري هو مجرد 20 ميكرون، وهو عبارة عن واحد على عشرة من عرض شعرة الإنسان، فهو صغيرٌ جداً مقارنةً مع مصادر الجسيمات السابقة الأكبر بمئات المرات!
لقد اعترف العلماء والمهندسين منذ فترة طويلة بالإمكاناتِ الهائلةِ العملية للفوتونات المتشابكة، وهذا المظهر الغريب من فيزياء الكم، الذي أشار أينشتاين إليه باسم "Spooky action at a distance" ، له آثرين هامين في مجال التكنولوجيا: أولاً، إذا كان هناك شيءٌ يعمل على واحدة من الفوتونات المتشابكة فإن الفوتون الآخر سيكون له رد فعل فوري على هذا الإجراء، حتى لو كان ذلك الفوتون على الجانب الآخر من شريحة الحاسوب أو حتى الجانب الآخر من المجرة، ويمكنُ تسخيرُ هذا السلوك لزيادة قوة وسرعة العمليات الحسابية.
والأثر الثاني أنه يمكنُ اعتبارُ الفوتونين كياناً واحداً، والتي من شأنها أن تجعلَ بروتوكولات الاتصال الجديدة في مأمن من التجسس. يعتبرُ هذا السلوك -والذي يبدو مستحيلاً- ضرورياً لتطوير بعضِ تقنيات الجيل القادم، مثل أجهزة الحاسوب الأكثر قوة من أي جهاز حاسوب عملاق موجود اليوم، وكذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية الآمنة. لتحقيق هذه التكنولوجيا الجديدة، فإنَّ ذلك يتطلبُ طبقةً جديدة من بواعث الفوتون المتشابكة التي يمكنُ إدراجها بسهولة في تقنيات شرائح السليكون الموجودة. وكان تحقيق هذا الهدف صعباً للغاية!
حتى الآن، يمكن تحجيمُ بواعث الفوتون المتشابكة، والمصنوعة من بلورات مصمَّمةً خصيصاً لهذا الغرض، إلى بضعة ملليمترات في الحجم فقط، ويعتبرُ هذا الحجم أكبر بكثير من التطبيقات التي يمكن وضعها على رقاقة. بالإضافة أن هذه البواعث تَـتَـطلبُ قدراً كبيراً من الطاقة التي تُعتبر سلعةً ثمينة في مجال الاتصالات والحوسبة.
للتغلب على هذه التحديات، قامَ الباحثون باستكشاف إمكانياتِ المرنانات الحلقية كمصدر جديد للفوتونات المتشابكة، حيثُ يمكنُ حفرَ هذه المكوناتِ البصرية الإلكترونية بسهولة على رقاقة السيليكون بنفس الطريقة المتبعة من أجل المكونات الأخرى على رقاقات أنصاف النواقل.
يتمُّ توجيه شعاع ليزر على طول الألياف البصرية إلى مدخل العينة لضخِّ الطاقة إلى المرنان، ثم يقترن الشعاع بالمرنان حيث تتحرك الفوتونات حول الحلقة. وهذا يخلق بيئةً مثالية للفوتونات لتختلط وتصبح متشابكة.
عندما خرجت الفوتونات من المرنان، تمكَّنَ الباحثون من ملاحظة أن نسبة عالية منهم أظهرت خصائصَ معروفة من التشابك.
وذكر "Bajoni" : "لدينا جهاز باعث للضوء مع خصائص لميكانيك الكم لم نلاحظها في مصادر متكاملة سابقاً".
"إن المعدل الذي يتمُّ فيه إنشاء الفوتونات المتشابكة غير مسبوق لأي مصدر سيليكون متكامل آخر، ويمكن مقارنته مع المعدل المتوفر من البلورات المتعددة والتي يجب ضخها بواسطة أشعة ليزر قوية جداً". ويعتقدُ الباحثون أن لعملهم أهمية خاصة لأنه يدل للمرة الأولى على تأثير كمومي جوهري وهو التشابك، في تقنية راسخة."، وأضاف "Bajoni": "في السنوات القليلة الماضية، تم وضع أجهزة السيليكون المتكاملة لتصفيةِ وتوجيهِ الضوء، في تطبيقات الاتصالات السلكية واللاسلكية".
" يمكنُ استخدام المرنان الحلقي الميكروي بسهولة جنباً إلى جنب مع هذه الأجهزة، والانتقال بنا نحو القدرة على تسخير كامل خصائص التشابك على رقاقة". ونتيجة لذلك، يمكن لهذه الأبحاث تسهيلَ اعتماد تكنولوجيا المعلومات الكمومية (Quantum Information)، ولا سيما بروتوكولات التشفير الكمومي، التي من شأنها ضمانَ اتصالات آمنة لا يمكن لبروتوكولات التشفير الكلاسيكية تحقيقها.
ووفقاً لـ"Bajoni" وزملائه، فقد تمَّ بالفعل اختبارُ هذه البروتوكولات حيث كانو يفتقدون لمصدر رخيص وصغير وموثوق لباعث الفوتونات المتشابكة قادر على الانتشار في شبكات الألياف البصرية، وهي مشكلة يبدو أنه قد تمَّ حلُّها عن طريق هذا الابتكار الجديد!
المصدر: هنا