بطارق الامبراطور، كبف نجت خلال العصر الجليدي الأخير؟

يستمر المدافعون عن البيئة بذكر دور الإنسان والنشاطات البشرية بالتأثير السلبي على الحياة البرية و الكائنات في مختلف بقاع الأرض، ومن بينها دوره في تعزيز تغيرات المناخ الأخيرة؛ حيث يعد التغيّر المناخي و الإحتباس الحراري أحد أسباب تراجع الحياة و انقراض الكثير من الأنواع، لكن علماء البيئة والحياة البرية يستمرون في أبحاثهم حول تاريخ تجمع الحيوانات و الطيور في محاولة لفهم دور هذه التغيرات حتى قبل تدخل البشر في الطبيعة، في الدراسة التالية توضيح لدور المناخ وتأثيره على طيور بطريق الإمبراطور.

يؤكد آخر ما توصل إليه العلماء في بحوثهم عن كيفية نجاة بطاريق الإمبراطور خلال العصر الجليدي الأخير أنه من المحتمل أنَّ بحر روس في القارة القطبية الجنوبية قد كان ملجأً لهذه البطاريق لآلاف السنين خلال العصر الجليدي الأخير، عندما كان معظم ما بقي من القارة القطبية الجنوبية غير صالح للسكن بسبب كمية الجليد.."، واليوم يلقي العلماء نظرة عن كثب ليعرفوا كيف استطاعت هذه الحيوانات النجاة في فترة مهمة من تغيّر المُناخ.

في الحقيقة، إنَّ دراسة كيفية تأثير "تغيّر المُناخ" على بطاريق الإمبراطور خلال الــ 30.000 سنة الأخيرة وجدت أنَّ هناك ثلاثة تجمعات فقط كانت قد نجت خلال العصر الجليدي الأخير، وأنَّ بحر روس كان مأوى لإحدى هذه التجمعات!.

حيث اقترحت نتائج البحوث أنَّ شروط المُناخ الحالي قد تكون مثالية لبطاريق الإمبراطور ولكن الظروف في الماضي كانت تعدُّ متطرفة جداً بالنسبة لمجموعات كبيرة منها لكي تتمكن من النجاة. وقام مجموعة من العلماء من عدة جامعات ومراكز أبحاث حول العالم باختبار التنوع الجيني لتجمعات بطاريق الإمبراطور القديمة والحالية لتقدير مدى تغيرها عبر الزمن، ووجدوا أنَّ الأنواع الأيقونية مشهورة بقدرتها على التكيف مع عالمها الجليدي، فهي تتناسل على جليد البحر في الشتاء القطبي حين تنخفض درجات الحرارة عادةً إلى ما دون الـــ -30 درجة مئوية!، وعلى أية حال يعتقد العلماء إنَ الشروط كانت على الأرجح قاسية جداً بالنسبة لبطاريق الإمبراطور خلال العصر الجليدي الأخير، وإنَّ التجمعات كانت أصغر بـسبع مرات مما هي عليه الآن بالإضافة إلى أنها انقسمت أيضاً إلى ثلاثة تجمعات.

ونظراً لأن هناك حوالي ضعف كمية الجليد في العصر الجليدي الأخير، لم تستطع البطاريق أن تضع بيوضها إلا في بضعة مواقع حول القارة القطبية الجنوبية، بالإضافة إلى أنَّ المسافة بين المحيط المفتوح -حيث تتغذى البطاريق- وبين جليد البحر المستقر -حيث تفقس البيوض- كانت على الأرجح بعيدة جداً.

ربما قامت التجمعات الثلاثة التي استطاعت النجاة بالتكاثر والعيش قرب "البولينياز polynyas*" ويُعتقد أن واحدة من هذه البولينياز والتي كانت ملجأً لتجمّع بطاريق الإمبراطور طوال العصر الجليدي الأخير كانت في بحر روس، حيث وجد الباحثون أن بطاريق الإمبراطور التي فقست في بحر روس متميزة جينياً ووراثياً عن غيرها من بطاريق الإمبراطور في القارة القطبية الجنوبية.

إنَّ هذا البحث الذي قام به العلماء يدعم فكرة أنَّ التجمعات كانت معزولة في العصر الجليدي الأخير وبهذا إشارة إلى أنَّ بحر روس قد كان ملجأ مهماً لبطاريق الإمبراطور وغيرها من الأنواع الأخرى أيضاً.

إنِّ تغيّر المُناخ أثَّر على بحر روس من ضمن مناطق القارة القطبية الجنوبية بسبب تغير أنماط الرياح المرتبطة بتغيّر المناخ. من الجدير بالذكر أنَّ بحر روس كان قد واجه تزايداً بدلاً من التناقص في كمية الجليد البحري الشتوي خلال العقود القليلة الماضية، رغم أنه من المتوقع أنَّ هذا النمط سينعكس في نهاية القرن الحالي.

بالنتيجة من المدهش أن يظهر بحر روس كتجمع مميز ومأوى لمثل هذه الأنواع، مما يضع على عاتقنا مهمة حمايته كمنطقة بيئية بخصائص مميزة. كما علينا الأخذ بعين الإعتبار أنه على الرغم من قدرة البطاريق على تحمل درجات الحرارة الباردة جداً في القارة القطبية الجنوبية، يبقى السؤال: "هل ستنجو البطاريق عندما تميل قيم الحرارة إلى الإرتفاع؟" على أ/ل أن تتمكن الأبحاث المستقبلية من الإجابة عن هذه التساؤلات.

-------

(*): البولينياز: منطقة مياه بحرية غير متجمدة بفعل التيارات والرياح التي تمر فيها ولكنها محاطة بالجليد...

المصدر:

هنا