البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
فأر "مشع" يساعدنا في فهم العمليات الحيوية، الأمراض والأدوية
لنبدأ معاً بإيضاح مفهوم الاستشعاع، وهو آلية تعتمد على الوميض المتألِّق، تسمح بتتبع العديد من العمليات الحيوية والأمراض وفعالية الأدوية وتقييم تأثيراتها في وقت محدد من فعاليتها. وجهاز الاستشعار البيولوجي _ يدعى "Raichu-Rac" والذي اخترعه العالم الياباني المبدع Miki Matsuda عام 2002، هو عبارة عن بروتين يعرف باسم (Rac) يُماشي (يلاحق) هذا البروتين وظيفة الخلية المستهدفة حيث يقوم بتتبع حركتها أثناء تطورها مثلاً، أو أثناء الالتهابات أو ترميم الجروح وكذلك في السرطان، فيعمل هذا البروتين Rac تماماً كالقاطع أو قابس الضوء حيث يتأرجح ويتذبذب على المستوى الجزيئي بين حالتين (نشط / خامل).
ففي حال كان Rac نشطاً (فعال) يقوم جهاز الاستشعار البيولوجي بالتقاط الإشارات الكيميائية الحيوية المعبرة عن الحالة فيضيئ الجهاز باللون الأصفر، وفي حال كان Rac خاملاً فيضيئ الجهاز باللون الأزرق...
وباستخدام تقنيات التصوير المتطورة أصبح من السهل تتبع فعالية Rac في أي عضو وأي وقت ومشاهدة تذبذبات نشاطه داخل الخلايا لحظة بلحظة أثناء تطورها وحركتها.
وقد استخدمت هذه التقنية في رصد ومراقبة نشاط Rac في العديد من الأعضاء والأجهزة لدراسة استجابتها للعلاج الدوائي.
أرجو الآن أن يكون مفهوم الاستشعاع أو الاستشعار البيولوجي واضحاً للجميع.
استخدم العديد من العلماء جهاز “Raichu-Rac” خلال الثلاث عشرة سنة الماضية، إلا أنَّ مجموعةً من الباحثين من معهد بابراهام- Babraham Institute- وبإشراف الدكتور Heidi Welchنجحوا و للمرة الأولى بتعديل فأر وراثياً بطريقة تسمح لاختبار جهاز الاستشعار البيولوجي في أي عضو أو جهاز أو حتى في جميع انحاء الجسم حسب المهمة المطلوبة وبدون أي تأثير على الفأر نفسه!
لقد استُخدِم هذا الفأر المعدل وراثياً لأول مرة في تتبع مرض السرطان علماً أنه ممكن أن يتكيف بسهولة لدراسة الأمراض الأخرى عن طريق تقاطعه مع نماذج من الأمراض ذات صلة وقرابة، كما يمكن وبنفس الطريقة أن يستخدم في دراسة الخلايا الطبيعية ووظائف الأنسجة.
قام الدكتور Welch باستخدام هذا الفأر لدراسة حركة الخلايا المناعية المعروفة باسم العدلات Neutrophils التي تجوب الجسم لضمان عملية الدفاع المناعي ضد الالتهابات البكتيرية والفطرية.
يقول الدكتور Welch: "الأمر العظيم بالنسبة لهذا الفأر هو تعدد جوانب استخدامه والإمكانية الكبيرة التي يتيحها في تتبع مجموعة واسعة من العمليات الحيوية والأمراض والجزيئات المستهدفَة، مما يسمح بتحديد وتتبع أجزاء من الخلية أو العضو الذي يكون Rac فيه نشطاً، وكأنها خريطة تتبع واضحة في بث حي ومباشر".
ولقد أُقِرَّ استخدام هذا الفأر في أبحاث السرطان وفق تعاون وثيق بين مجموعتين من الباحثين التابعين لكل من معهدBabraham و معهد Beatison لأبحاث السرطان في غلاسكو - جنوب اسكتلندا بالإضافة للبروفيسورPaul Timpson من معهد Garvanللبحوث الدوائية. وأصبحت هذه الدراسة مُعلنَةً على شبكة الانترنت وقد تم نشرها في مجلة Cells Reports.
يقول الدكتور Timpson: "في السرطان على سبيل المثال يكون الاستشعاع البيولوجي دلالةً على وجود ورم خبيث أثناء طور الانتشار، وعند استخدام الأدوية يمكنك مشاهدة أجزاء من الورم تتبدل ألوانها حرفياً نتيجة استهداف الجرعات الدوائية لها، ومن ثم نستطيع رصد وتحديد كيفية تراجُع هذا التأثير الدوائي".
إن شركات الأدوية والعقاقير الطبية تحتاج لمثل هذه التفاصيل في إدارة منتجاتها، وخصوصاً الكميات وعدد الجرعات ومدة فعاليتها وأوقاتها...
ويرى الدكتور Welch أن فأر الاستشعار البيولوجي يعتبر أداة ستساعد العلماء في فهم ألية عملRac البيولوجية والعمل على توظيف ذلك في الحد من حركة الخلايا السرطانية وانتشارها.
واليوم وبفضل العالم Miki Matsuda الذي جعل اكتشافه متاحاً للمجتمع العلمي وبسبب المنافسة العملية والتطور السريع، استطاع العلماء تحويل فئران عادية إلى أجهزة استشعار بيولوجي تستخدم على نطاق واسع في تتبع العمليات الحيوية المختلفة بالاضافة إلى الأمراض والأدوية.
المصدر: هنا