البيولوجيا والتطوّر > التطور
السكون التطوري - اكتشاف بكتيريا لم تتطور لملياري سنة!
كشف فريق عالميّ من الباحثين عن ظاهرة تطورية استثنائية: بكتيريا بحرية دقيقة لم يتم ملاحظة أيّ عرض تطوري قد طرأ عليها لأكثر من 2 مليار سنة تقريباً، فالصخور التي وجدت فيها مستحاثات البكتيريا المحفوظة منذ 1.8 مليار سنة في غرب اوستراليا تتطابق بالشكل مع بكتيريا من نفس النوع أقدم من تلك العينات بـ 500 مليون سنة، وكذلك تتطابق مع العينات الحديثة من نفس البكتيريا والتي يمكن ايجادها حالياً في الشواطئ الغربية لاميركا الجنوبية! وقد تم نشر ما توصل له الباحثون في هذا المجال في الأكاديمية الوطنية للعلوم. فهل في هذه الظاهرة تأكيد أم تضارب مع نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي؟ في ما يلي تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع...
كائنات حية دقيقة، تدعى بالبكتيريا الكبريتية، لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة ويعود عمرها لحوالي 1.8 مليار سنة، محفوظة في حجارة على شواطئ استراليا الغربية. بعد فحصها والتأكد منها باستخدام أحدث التقنيات، تم التأكيد على أنها تشبه تماماً ذات البكتيريا التي وجدت في نفس المكان إلا أنها تعود لأكثر من 2.3 مليار سنة. وهذان النوعان ليسا الوحيدين في الكوكب، و إنما تم التعرف على أفراد أخرى من العائلة تتطابق مورفولوجياً مع نوع البكتيريا السابقة ولكن على شواطئ تشيلي في أميركا الجنوبية.
استخدم ج.ويليام شوبف، برفيسور علوم الأرض والكواكب والفضاء في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس وفريقه في هذه الدراسة أكثر التقانات المتطورة للكشف عن الكائنات الحية الدقيقة -التي تحفظ ضمن أحجار وصخور قديمة- و تحليلها. فقد لجأ إلى دراسة البنية التركيبية و الكيميائية للحجر بوساطة Raman spectroscopy، كما لجأ إلى المسح الليزري المجهري و الذي استطاع من خلاله تصوير البنية الثلاثية الأبعاد للحجر.
"من المذهل أن نجد كائناتٍ لم تتطور مورفولوجياً خلال فترة تتجاوز الملياري سنة، أي ما يساوي تقريبا نصف عمر الأرض" هذا ما صرح به شوبف "باعتبار أن التطور حقيقة، فإن عدم تطور كائنٍ لفترة طويلة يثير التساؤل ولا بد من البحث فيه وتفسيره".
ركّز داروين في أبحاثه على الأنواع التي لوحظ تغيرات فيها مع مرور الزمن وليس على الحالة المناقضة: تلك الأنواع الاستثنائية التي لم تتغير لفترةٍ طويلة، فماذا قد يكون السبب في ذلك؟
يقول شوبف، وهو مدير قسم التطور ونشأة الحياة في جامعة كاليفورنيا، أن نظرية التطور تنص على ما يلي: " إن التطور لا يمكن أن يحدث في بيئة مستقرة، ولا بد لحدوثه من وجود تغيراتٍ فيزيولوجية وحيوية في البيئة المحيطة بالكائن مما يدفعه للتطور عبر الزمن"
أما في حالتنا، البكتيريا الكبريتية، فيمكننا القول أن البيئة المحيطة بها لم تتغير طيلة هذه المدة تغيراً يدفعها للتطور بهدف التأقلم مع المتغيرات. وبذلك فإن الكائنات الحية الدقيقة المتواجدة في تلك البيئة تبدي تكيفاً رائعاً مع بساطتها و استقرارها الحيوي و الفيزيولوجي.
هذه النتائج تتفق تماماً مع فرضية تدعى بـ"فرضية السكون التطوري" أو Null Hypothesis والتي تتفق مع ما طرحه داروين في كتابه "أصل الأنواع" ولكن الأمثلة التي تدعم هذه الفرضية نادرة، وهي تقول بأنّه تبعاً لنظرية التطور بالانتقاء الطبيعي، لو أنّ مجموعة من الكائنات لم يتعرض محيطها إلى أيّ تغيير فإنا قد لا تتطوّر، أو أنّ تطورها قد يكون بطيئاً لدرجة أنه مهمل مهما مرّ عليها من الزمن، ولقراءة المزيد عن هذا يمكنكم الاطلاع على مقالنا من سلسلة أسئلة شائعة عن نظرية التطور هنا. ولو أاننا وجدنا عكس ما ذكر سابقا أو ظهر عرضٌ تطوري في إطار ما يمكن وصفه بـ "البيئة المستقرة"، فلا يمكننا عندها سوى الاعتراف بأسف أننا أسأنا فهمنا لنظرية التطور، أي أن هذا الاكتشاف كما وصفه شوبف: "ما هو إلا مثال حقيقي يؤيد ما جاء به داروين".
ولكن، كيف افترض العلماء بأنّ محيط هذه البكتيريا بقي ثابتاً خلال هذه المدة؟ يعتقد العلماء أن ظاهرة ازدياد في نسبة الأوكسجين الأرضي اجتاحت كوكبنا من حوالي 2.2 أو 2.4 مليار سنة، وهو ذات التاريخ الذي يعتقد أنه بداية ظهور هذه البكتيريا. إلا أن من نتائج هذه الظاهرة كان أيضا ازدياداً ملحوظا في نسبة الكبريت والنتروجين على سطح الأرض، واللذين يعدان الغذاء الأساسي لهذه الكائنات وهذا ما ساعد على بقائها وتكاثرها ونموها في تلك التربة الطينية لماء البحر.
وبذلك فإن هذه البكتريا تصلح كمثالٍ هامّ لفرضية السكون التطوري والتي تعدّ أحد الجوانب الناتجة عن نظرية التطور، ولكن العلماء يعتقدون بأنّها لا تكفي للتأسيس لنظريةٍ علمية في هذا المجال، بل أنّ المزيد من الأبحاث والأمثلة ضرورية ليتحول السكون التطوري من فرضية إلى نظرية.
المصادر: