البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات
نحن أشبه وراثياً بآبائنا!
كلنا نعلم أن نصف صبغياتنا وبالتالي مورثاتنا تأتي من أمهاتنا ونصفها الثاني من آبائنا ولكن هل يختلف التعبير عن المورثة الواحدة القادمة من الأم فيما لو أتت من الأب؟ وعليه فهل نحن أشبه وراثياً بأمهاتنا أم بآبائنا؟
هذا ما كشفته لنا مورثاتنا، إذ أكدت دراسة علمية جديدة أنَّ مصدر المورثات (أم/أب) يؤثر بشكل قطعي وحاسم في الأمراض التي سنعاني منها لاحقاً، وتمكننا معرفة مصدر الخلل من الكشف عن الأسباب و سبل العلاج المتوفرة. ورغم أن الصبغيات التي تحدد هوياتنا وتميزنا عن بعضنا الآخر تقسم بشكل متساوٍ مع ما تحمله من مورثات وطفرات بحيث يأتي نصفها من الأم والنصف الآخر من الأب إلَّا أنَّ الطفرات (التغايرات الوراثية) التي تجعلنا مميزين عن بعضنا يأتي القسم الأكبر منها من DNA الأب. لهذه الدراسة التي نشرت في المجلة العلمية Nature Genetics تطبيقات واسعة لدراسة الأمراض التي تصيب البشر وخاصة عند استخدام الثدييات للتجربة.
ففي تجارب دراسة الأمراض القائمة على دراسة التعبير المورثي في الفئران، لم يؤخد مصدر المورثات بعين الاعتبار ولكن تبين أنَّ معرفة مصدر الطفرة الوراثية (من الأم أم الأب) عونٌ مهمٌ لدراسة أمراض الثدييات. استخدمت لهذه الدراسة فئران من سلالات مُصمَّمَة حسب الحاجة تدعى Collaborative Cross (الهجن المساعدة) ويقصد بالتسمية أنَّ هذه الفئران يمكن التحكم بجينومها وتصميمه بما يخدم أغراض الدراسة، وتعد هذه الفئران حجر الأساس لهذا البحث الضخم وذلك بسبب التنوع المورثي الكبير في ذخيرتها الوراثية إذ تعد أكثر فئران العالم تنوعاً وراثياً. كشفت الدراسة عن 95 مورثة تخضع للقانون السابق ذكره (الأثر حسب المصدر أم/أب) وتبين لاحقاً أن هناك آلاف المورثات التي تعمل بالطريقة ذاتها وتلعب دوراً هاماً في أمراض الثدييات.
إنَّ الطفرات التي تورث من الآباء إلى الأبناء تظهر في عدة أمراض شائعة و لكنها معقدة حيث يساهم في حدوثها عدد من الجينات ومن هذه الأمراض مرض السكري من النوع 2 وأمراض القلب والسمنة والفصام والسرطان، وقد سمحت دراسة هذه الأمراض باستخدام فئران ذات تنوع وراثي كبير أخذاً بعين الاعتبار كون مصدر الطفرات من الأب أو الأم للعلماء بأن يتعمقوا أكثر في كشف أسبابها والبحث عن علاجات لها.
كيف أُنجزت هذه الدراسة؟
إنَّ عملية التعبير المورثي هي عبارة عن تحويل ال DNA إلى بروتينات وظيفية وهذه العملية ضرورية جداً وحساسة لضمان صحة الإنسان، وتسمى الطفرات التي تقوم بتبديل التعبير المورثي الحاصل بطفرات التنظيم المورثي. ولأنَّ العديد من الأمراض يشترك فيها عدد كبير من التغايرات الوراثية التي قد تصل إلى مئات الآلاف لذلك كان استخدام فئران الهجن المساعدة مفيداً لدراسة التعبير المورثي لكل مورثة في كل جينوم لكل نسيج مع أخذ المصدر (أب/أم) بعين الاعتبار، حيث تم انتقاء ثلاث سلالات فئران مختلفة متنوعة ومتباعدة وراثياً ثم إكثارها لإنتاج تسعة أنماط جديدة هجينة بحيث لعبت كل سلالة دوري الأب والأم بالمحصلة. وعندما بلغت الفئران سن البلوغ قاس التعبير المورثي في أربعة أنواع من النسج بما فيها تتابع الـ RNA في الدماغ ثم أحصوا عمليات التعبير المورثي المشتقة من الأم وتلك المشتقة من الأب وذلك لكل مورثة في الجينوم.
وجد الباحثون أن الغالبية العظمى من المورثات (80%) احتوت على تغايرات وراثية عملت على تعديل التعبير المورثي فهناك عدم توازن في التعبير المورثي لصالح الأب (التعبير المورثي عن مورثات الأب أكبر من التعبير عن مورثات الأم)، وتجلى هذا الفرق في كون التعبير الوراثي في أدمغة النسل أشبه بالتعبير المورثي في أدمغة الآباء. يمكن لفريق الدراسة اليوم أن "يصمم" فئراناً ذات تعبير مورثي متدنٍ أو متوسط أو عالٍ لأية مورثة يرغب في دراستها ومعرفة ما إذا كان التعبير عنها يسبب مرضاً ما.
نعرف الآن إذاً أن الثدييات تعبر عن التباينات الوراثية القادمة من الأب أكثر من تلك الآتية من الأم، ولكن ما أهمية معرفة هذا؟
إذا كانت طفرة ما (تباين وراثي) طفرةً سيئة فعندما يكون مصدرها الأم لن يعبَّر عنها بشدة كما لو كانت مورَّثة من الأب، أي أن التأثير السيء للمورثة ذاتها يختلف فيما إذا كان مصدرها الأم أو الأب. هذا النوع من الطفرات الوراثية في مئات المورثات ليس من السهل دراسته ولكن هذه المهمة باتت أسهل بوجود فئران الـ "Collaborative Cross" القابلة للتصميم وفق الحاجة لنتمكن من فهم كيفية عمل هذه المورثات وتأثيرها على الصحة.
المصدر: هنا