التاريخ وعلم الآثار > تاريخ العلوم والاختراعات
الاتجاهات: الوسائل العجيبة التي ابتكرها القدماء من أجل التنقل على وجه الأرض ... الجزء الأول
هل جربت يوماً الابحار على ظهر سفينة؟ هل جربت السير في صحراء تحيط بك الكثبان الرملية من كل جانب؟ أمور قد لا نفكر بها اليوم أثناء قيامنا بهذه النشاطات عنت في القرون الماضية الفرق بين أن تعود الى بيتك وأهلك وألا تعود. عندما تتشابه كل الاتجاهات من حولك ويستحيل كل شيء الى الأصفر أو الأزرق يغدو من المستحيل أن تعرف أو تتذكر من أين بدأت وكيف هو طريق العودة.
في يومنا هذا قد يبدو الأمر سهلاً جداً ، كل ما عليك فعله هو تشغيل تطبيق "البوصلة" او "خرائط جوجل" لتتعرف على الاتجاهات الاصلية من حولك بل و ترى خريطة للمنطقة التي انت فيها.
تعالوا نفكر معاً بالبحارة قبل 500 عام ، في سنة 1492 قام كريستوفر كولومبس بالإبحار لمسافة هائلة دون معرفة وجهته النهائية مكتشفاً قارة أمريكا فكيف استطاع العودة إلى نقطة انطلاقه ؟ وكيف قام عشرات الآف البحارة بعده وقبله بآلاف الرحلات حول العالم.
معرفة أصول الملاحة والتوجه في البر و البحر تعتمد على شبكة معقدة وقديمة من المعارف التي بنتها الحضارة البشرية منذ قيام أقدم حضاراتها ، و قامت كل الحضارات بتحسينها و تطويرها لتصبح أفضل وأقوى مع السنين. قد يعود ذلك لأهمية العودة للوطن في عالم لم يرحب فيه بالغريب الذي قد ينتهي مصيره الى موت سريع. هنا لا بد من التنوية أن الملاحة تتضمن مرحلتين مهمتين الأولى هي معرفة الاتجاهات المحيطة والثانية هو معرفة المكان الحالي على سطح بدقة مقبولة.
لمعرفة الاتجاهات كان لا بد من الاتفاق على اصطلاح جهة ما ، جهة ثابتة في كل مكان و بملاحظة أن الشمس تشرق من اتجاه وتغيب في آخر تشكلت لدينا الجهات الأربع. كل ما عليك هو أن تعرف واحداً منها لتعرف الثلاث المتبقية. يبدو الامر سهلاً عند الشروق والغروب ولكن كيف هو الحال عند العصر؟ أو في الليل؟
هنا بدأ الانسان بالبحث عن أدوات يتمكن بواسطتها من معرفة اتجاه واحد في كل الاوقات فلاحظ الفلكيون القدماء أن نجم القطب دائما يقع في اتجاه الشمال، هذا يعني توافر أداة جديدة لمعرفة الاتجاهات ليلاً عندما لاتكون هناك شمس. كل ما عليك فعله هو وضع نجم القطب امامك فيصبح الجنوب وراءك. هنا لابد من توضيح سبب ثبات نجم القطب بالنسبة للناظرين من نصف الكرة الارضية الشمالي: يعود هذا الثبات لان نجم القطب يقع على محور دوران الارض مباشرة من جهة الشمال وبالتالي سوف تظهر لنا النجوم ليلا وكأنها تدور بخلاف نجم القطب الذي سيبقى في مكانه في مركز الصورة التالية.
هذا الكلام صحيح في نصف الكرة الأرضية الشمالي ، بينما في نصفها الجنوب يتم تحديد قطب السماء الجنوبي باستخدام نجوم الصليب الجنوبي، الفا قنطوروس وبيتا قنطورس حيث يشير هذا القطب الى الجنوب دائماً ويستخدم كنجمة القطب في الشمال. في الليل النجوم وفي النهار الشمس ، ولكن كيف نحدد الجهات حين تملأ الغيوم السماء وتتعذر معها رؤية الشمس أو النجوم؟ هنا ظهرت اختراعات مثل "عربة الجنوب" وهي عربة تشير دوما الى الجنوب بفضل الية دوران تفاضلية لعجلاتها تحافظ على ثبات مؤشر في اتجاه واحد كبديل عن النظر الى السماء
ثم اخترع الصينيون البوصلة بين عامي 1040 و 1044. تلك الاداة التي أحدثت ثورة في السفر البري و الملاحة البحرية . تستفيد البوصلة من فكرة الثبات (المؤقت) لأقطاب الارض المغناطيسية واقترابها من اقطاب الارض الحقيقية وبالتالي فان إبرة ممغنطة حرة الحركة سوف تشير دوما للاقطاب وبالتالي يمكن معرفة الشمال والجنوب ومنها باقي الاتجاهات. بعد اختراع البوصلة يمكن القول بأن مشكلة التوجه قد حلت بشكل كبير، فالبوصلة أداة خفيفة سهلة الحمل والاستخدام وتعطي نتائج مقبولة جداً. لكن بقي سؤال مهم آخر : كيف نعلم موقعنا الحالي على سطح الأرض؟ للتوجه الصحيح نحن بحاجة لمعرفة مكاننا ومعرفة الاتجاهات.
هذا ما سنجيب عنه في الجزء الثاني من مقالنا عن الاتجاهات والتوجه
المراجع ومصادر الصور: