الطب > مقالات طبية
الأركيلة تنقّي التبغ من السموم الضارّة... حقيقة أم خيال؟
يعتقد الكثيرون أن تدخين الأركيلة (النرجيلة، الشيشة) أقل ضررًا من تدخين التبغ بطرق أخرى؛ إذ إن خرطوم أو بربيش الأركيلة يمتص المواد الكيميائية السامة، لكنَّ دراسةً جديدةً فضحت كذب تلك الأسطورة، وأظهرت أن العديد من المعادن الثقيلة الموجودة في التبغ المُستخدَم في تحضير الأركيلة تبقى موجودةً في الدخان المنبعث منها (أي لا تخضع لعملية تنقية ضمن الأركيلة حتى وصولها لمرحلة التدخين ودخولها لجسم المدخّن).
وقد حلَّل باحثون في الجامعة الأردنية الألمانية في الأردن أربعَ عينات من التبغ المعسّل من الأسواق المحلية، وهي تمثّل أكثر العلامات التجارية والنكهات شُهرة واستخدامًا ضمن البلاد، وبمقارنة كمية المعادن الثقيلة التي يحويها التبغ في العينات الأربع المأخوذة مع كميتها في دخان الأرجيلة (أي كمية أو نسبة هذه المعادن الثقيلة قبل وبعد تدخين التبغ)، فقد لوحظ أنَّ عددًا من المعادن الثقيلة لا زالت موجودة سواء ضمن تبغ الأركيلة الخاص (المعسل) أم ضمن دخان التبغ، كالنحاس والحديد والكروم والرصاص واليورانيوم.
من المعلوم لمدخني الأركيلة أن دخان التبغ (المعسّل) ينتقل إلى صندوق الماء في الأسفل؛ إذ يتحول لفقاعات قبل أنْ يُستنشَق عبر خرطوم الماء (البربيش).
وقد لوحظ أن الماء استطاع تنقية 3% فقط من مجمل المعادن الثقيلة الموجودة في تبغ الأركيلة، في حين تمكن 57% من كمية المعادن الثقيلة من شقّ طريقها إلى الدخان المنبعث من الأركيلة، فإن تلك النسبة المئوية الصغيرة التي نُقِّيت لن تستطيع حماية المدخن من التعرض للكمية الأكبر من المعادن الثقيلة السامّة على الأغلب، وهذا ما ذكره الباحثون في عدد 19 شباط من دوريّة BMC للصحة العامة.
ويقدّم هذا الاكتشاف دليلًا آخر يدحض الاعتقاد القائل أنّ استخدام الخرطوم سيقي من التأثيرات الضارة للسموم الناتجة عن تدخين التبغ.
ويظنّ العديد من الناس أن تدخين الأركيلة أكثر أمانًا أو أقل ضررًا من تدخين السجائر، ولكن دراسات أخرى وجدت علاقة ما بين تدخين الأركيلة من جهة وسرطان الرئة وسرطان الفم واضطرابات أخرى في الجهاز التنفسي من جهة أخرى.
ونظرًا لاحتواء الأركيلة على المادة الكيميائية التي تُدعى البِنزين Benzene والناجمة عن حرق فحم الأركيلة، فإن مدخني الأركيلة معرّضون لاحقًا للوكيميا (سرطان الدم) وخصوصًا (ابيضاض الدم النقوي الحاد)*.
وفي محاولة لتقفّي أثر اللوكيميا عن طريق الأركيلة، حلل باحثون عينات من البول لـ 105 مدخنين للأركيلة "قبل وبعد تدخينهم"، و103 أشخاص غير مدخنين للأركيلة إلا أنهم كانوا في أماكن معرضة لدخان الأركيلة "كالمقاهي" وذلك لاختبار تأثير التدخين السلبي للأركيلة على الآخرين.
وقد لاحظ الباحثون وجود مستوياتٍ مختلفةٍ من حمض S-phenylmercapturic acid (SPMA) وهو الشكل الذي يتحول إليه مركب البنزين داخل أجسادنا، وقد زادت هذه المستويات 4 أضعاف ما كانت عليه قبل التدخين عند مدخني الأركيلة في المقاهي، وضعفَيْ ما كانت عليه للمدخنين في المنزل، فمن ناحية أخرى كان مستوى الـ SPMA أعلى بـ 2.6 مرة لدى الأشخاص الذين تعرضوا لدخان الأركيلة في المقاهي ولم يدخنوها بأنفسهم (تدخين سلبي).
ووجدت الدراسة أيضًا أن المشاركين في الدراسة من غير المدخنين للأركيلة حافظوا على المستوى ذاته من الـ SPMA قبل وبعد انضمامهم لجلسات تدخين الأركيلة في منازلهم، النتيجة التي لم تظهر لدى رواد المقاهي، مما يدل على أن هؤلاء الأشخاص تعرضوا لجرعات مزمنة من البنزين الناجم عن تدخين الأركيلة في منازلهم سابقًا.
وصنّفت كل من الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية WHO والبرنامج الوطني لعلم السموم في الولايات المتحدة الأمريكية، البنزين كمادة مسرطنة من الدرجة الأولى Group 1 carcinogen، مما يعني أنه مادة مسرطنة للبشر، وما من مستوى آمن مسموح بالتعرّض له. بمعنى آخر أن التعرض للبنزين خطر جدًّا على الصحة مهما كان هذا التعرض بسيطًا وقصيرًا.
وقد أظهرت دراسة سابقة في الولايات المتحدة أن 15-17% من طلاب المدارس الثانوية، وأكثر من 40% من طلاب الجامعات أقرّوا بأنهم يدخنون الأركيلة في العام السابق لإجراء الدراسة، وفقًا لمراكز السيطرة والوقاية من الأمراض، فتخيل النسبة في العالم العربي إذًا!
*خاص بنقي العظم المولد لكريات الدم البيض.
المصادر:
حقوق الصورة: