الموسيقا > تعرف إلى موسيقيي العالم
ماريا كالاس... السوبرانو الآسر و الجمال اللافت.
"بالنسبة لي، فإنَّ الموسيقى فنٌّ رائعٌ، ولا يمكنني تحمّل رؤيتها تُعامل بطريقة متهالكة. عندما يتمُّ احترامها واحترام الفنانين الذين يعملون بها، عندها سأعمل بجهد وأُقدِّم أفضل ما عندي. لا أريد أن أكونَ مرتبطةً بعرضٍ أو ذوقٍ أو غناءٍ أو تنظيمٍ أو إشراف متدنٍّ".
هذا ما قالته ماريا كالاس(Mariah Callas) في حديثٍ لها لمجلة Life)) عام 1959.
في مانهاتن العليا فوق صيدلية والدها عاشت ماريا كالاس طفولةً غير سعيدة تشوبها المشاحنات بين والديها والغيرة من أختها.
وُلدت Cecilia Sophia Anna Maria Kalogeropoulus)) في 3/12/1923 في نيويورك لأبوين يونانيين مهاجرين.
اختصر الوالدان اسمهما إلى (Callas) عندما دخلت ماريا المدرسة الابتدائية.
بدأت بدروس البيانو الكلاسيكي في السابعة من عمرها، ولكنها سرعان ما شعرت أنَّها تُحبُّ غناءَ الموسيقى بأسلوب درامي أكثر من العزف.
عندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها عادت مع أمها وأختها إلى أثينا بعد انفصال والديها، حيث حازت على منحة إلى الأكاديمية الملكية للموسيقى، وكان أحد أساتذتها إلفيرا دي هيدالجو(Elvira de Hidalgo) التي كانت مغنية سوبرانو إسبانية مشهورة في وقتها.
تتذكَّر إلفيرا ماريا أنَّها كانت سمينة ومربعة الشكل ولكنها وضعت مجهوداً وعواطف وترجمة مذهلة في كلِّ ما غنته، ببساطة لقد كانت ذات إرادة رائعة.
(وجب التنويه أنَّ العمر الأدنى للقبول في الأكاديمية كان 16 سنة، ولكن ماريا أظهرت بريقاً من الأمل لذلك تمَّ قبولها بعمرٍ صغير).
بعد عِدة أداءات مدرسة عُرض عليها دور في الأوبرا الملكية في عرض Boccaccio) ل Suppe).
عانت كالاس خلال الحرب العالمية الثانية في إيجاد أدوار، وكانت تُقدِّم أداءات أحياناً لقوات العدو.
حصلت على دورها الاحترافي الكبير الأول عندما كانت في العشرينات من عمرها في عرض أوبرا Tosca)).
بعد نهاية الحرب، عادت ماريا إلى نيويورك لقضاء الوقت مع والدها والبحث عن عمل، فقدَّمت تجربة أداء في أوبرا ميتروبوليتان (Metropolitan Opera) وعُرض عليها دورا بطولة رفضتهما كليهما: دور في عرض Madama Butterfly)) لبوتشيني (Giacomo Puccini) الذي بررت رفضها له بأنَّها كانت سمينة جداً (تزن 210 باوندات) والدور الثاني في عرض (Fidelio) لبيتهوفن والذي كان سيقدَّم بالانجليزية، وحسب رأيها فإنَّ الأوبرا بالإنجليزية سخيفة جداً ولا أحد يأخذها على محمل الجد.
عادت عام 1947 إلى إيطاليا لتظهر حسب المتفق في (Verona Arena) لأداء دور في عرض أوبرا La Giocanda)) ، وهناك التقت بزوجها المستقبلي والصناعي الغني Meneghini)) وبمعلمهاTullio) Serafin).
مع اقتراب ظهورها الأول في أميركا (شيكاغو) مع مجموعة من المغنين الإيطاليين، أفلست الشركة وفشل العرض.
اصطحبها سيرافين بعد عرضها في فيرونا إلى البندقية حيث غنَّت أدواراً تتطلب صوتاً دراماتيكياً ومنها: (أيسولد في أوبرا فاغنر وتوراندوت في أوبرا بوتشيني).
في الوقت نفسه بدأ اهتمامها بالـBel Canto) ) يزداد عندما تعلَّمت دور إلفيرا الصعب في عرض لبيليني (IPuritani) خلال خمسة أيام لتكون البديلة عن مغنية مريضة.
تلقَّت بعد هذا العرض الكثير من عروض التسجيل مع شركات تسجيل أسطوانات الجراموفون التي جعلتها مشهورة وزادت من شعبيتها في أنحاء العالم كافة.
غنَّت في أوبراLa Scala) ) في ميلان التي كانت تُعتبر الهدف الطبيعي لكلِّ مغنيي الأوبرا في ذلك الوقت، وذلك ضمن عرض أوبرا عايدة عام 1949.
بعد ذلك عرض عليها عقد في (The Met) عام 1952 ولكنها لم توافق بسبب عدم قدرة زوجها في الحصول على الفيرا.
خلال هذه المرحلة اكتسبت خبرة واسعة وحقَّقت نجاحاً كبيراً ليس فقط في إيطاليا ولكن أيضاً في أميركا الجنوبية والمكسيك وغيرها.
خسرت 70 باونداً حتى أصبح وزنها 135 بطول 5.8 أقدام ومع عظمتي وجنتين جميلتين أصبحت إحدى أجمل النساء على المسرح الأوبرالي.
تمَّ أخيراً ظهورها الأول في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954 بدور Norma)) في أوبرا (Chicago Lyric) ، وهو ذات الدَّور الذي أدَّته بعد سنتين في أوبرا ميتروبوليتان.
يُقال عن صوت كالاس أنَّه صناعة بشرية أكثر من كونه طبيعياً، وأنَّ له ثلاثة أقسام: (في القسم العلوي يميل لأن يكون فولاذياً وشديداً، وغالباً ما كانت النوتات العالية لتكون أكثر من صرخات. الصوت المتوسط قد يوجد صوت يغطيه وقد يكون أحياناً مخملياً، أمَّا في أدنى المستويات قد يكون حاداً نوعاً ما أيضاً).
من الناحية الفنية كانت مغنية السوبرانو تفعل أشياء مثيرة بصوتها مثل التلوين النغمي، كما كان بإمكانها غناء مدرج كروماتيكي تنازلي بشكل متألِّق، ولكن مع ذلك لم يكن صوتها دائماً ليستجيب لما تطلبه منه بسلاسة.
كان سلوكها مزاجياً فاكتسبت سمعة بسببه، وكانت إجابتها على هذه الاتهامات الموجهة نحوها أنَّها لن تغني إلَّا إذا كانت هي وظروفها جيدتين، وهذا كان السبب الرئيسي في خروجها من العروض والعقود، وفي ظهور الخلافات والإجراءات القانونية أينما غنَّت، ولكن مع ذلك تمَّ إحباط معظم النزاعات وعادت ماريا للغناء مع الشركات المختلفة لاحقاً لأنَّها كانت تُعتبر فنانة ذات أهمية كبيرة.
ذهبت عام 1971 إلى مدرسة جوليارد لإعطاء سلسلة من 12 حصة لدرجة الماستر.
وفي عام 1973 قامت هي وصديقها المقرب مغني التينور جوزيبي دي ستيفانو (Giuseppe Di Stefano) بالقيام بتجربة الإخراج ولكن حسب رأي النقاد كان فشلهما ذريعاً وكارثياً.
في العام نفسه قامت بجولةٍ موسيقيةٍ عالميةٍ بدأت من هامبورغ في ألمانيا.
لم يكن زواجها ناجحاً، فقد انفصلت عن زوجها عام 1959 بعد ارتباطها بعلاقة عاطفية مع أرسطو أوناسيس (Aristotle Onassis) الذي تزوج فيما بعد من جاكلين كينيدي (Jacqueline Kennedy) مما تسبَّب لها في صدمة، ولكنها قالت فيما بعد أنَّهما بقيا أصدقاء.
كانت حياة المغنية الشخصية في أغلب الوقت تحت الأضواء ومع ذلك لم يكن هناك أي إنكار أنَّ سحرَ شخصيتها هو الذي جعل كل خطوة من خطواتها جديرة بالمتابعة.
لطالما تحدَّثَت عن عائلتها بمرارة فقالت مرة: "ليس هناك اتصال بيني وبين عائلتي، ولقد عرفتُ أنَّ أمي كتبت عني كتاباً ولكني لم أقرأه قط".
أنهت ماريا علاقتها أيضاً بمعلمها سيرافين ويُقال أنَّ السبب كان اختياره لمغنية سوبرانو أخرى للتسجيل الذي كان يتوقع أن تقوم هي به.
ومما يُقال أيضاً أنَّها كانت على عداوة مع المغنية المعاصرة لها رينيتا تيبالدي (Renata Tebaldi ) ، وتمَّ إبقاء هذا العداء حيّاً لدى الصحافة وبين معجبي المغنيتين، وذلك حتى يوم الافتتاح في (The Met) والذي غنَّت به تيبالدي دور البطولة في أوبرا (Cilea) حيث التقت المغنيتان واحتضنت إحداهما الأخرى خلف الكواليس.
شاركت كالاس في فيلم مبني على قصة أوبرا Medea)) إصدار عام 1971 كتبه وأخرجه الراحل بيير باولو باسوليني (Pier Paolo Pasolini).
توفِّيت في 17 أيلول من عام 1977 عن عمر 53 عاماً نتيجة ذبحة قلبية في باريس.
مما قاله ليونارد برنشتاين (Leonard Bernstein) عند سماعه خبر الوفاة: "إلى جانب كونها صديقة عزيزة، فلقد كانت بالنسبة لي المطربة المميزة العظيمة لـ (Bel Canto ) في منتصف القرن العشرين، والتي يصعب الاستغناء عنها".
وهكذا رحلت صاحبة صوت السوبرانو المتألِّقة وإحدى أكثر مغنيي الأوبرا إثارة وإمتاعاً وسحراً.
وإليكم بعضاً من أداءاتها:
المصادر: