الغذاء والتغذية > رحلة الغذاء
زيت النخيل لإنتاج السمن النباتي والقضاء على عصر السمن المهدرج!
لقد ذكرنا سابقاً في مقال تكرير الزيوت (هنا) أنّ الزيوت النباتية السائلة تحتوي على أحماضٍ دسمة تختلف نوعيّتها ونسبتها حسب نوع الزيت، وهي تنتمي في معظمها إلى الأحماض غير المشبعة، بينما تكون معظم الأحماض الدسمة في الدهون الحيوانية مشبعة.
على عكس الأحماض الدسمة المشبعة (Saturated Fats)، تتميّز الأحماض الدسمة غير المشبعة (Unsaturated Fats) بأنها غنيةٌ بالفوائد الصحية كخفض نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة الضارّ (LDL cholesterol) والدهون الثلاثية في الدم، ولكنّ بعض الاستخدامات، كعمليات الطهو وغيرها، تحتاج إلى دهونٍ صلبة (سمن)، وبسبب عدم كفاية الدهون الحيوانية وضررها كدهونٍ مشبعة وغلاء ثمنها تمّ اللجوء إلى عملية هدرجة الزيوت النباتية وتحويلها من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة عبر استخدام الهيدروجين لإشباع الروابط غير المشبعة في الدهون الدسمة غير المشبعة، حيث تكتسب الزيوت درجات انصهارٍ مرتفعة عند إشباع روابطها مما يمنحها حالةً صلبة في درجة حرارة الغرفة.
تحوّل عملية الهدرجة الأحماض الدسمة إلى مماكباتٍ مشبعة تسمى "الدهون المماكبة" (Trans Fats)، وهذه الأخيرة نادرة التواجد في الحالة الطبيعية إلا بكمياتٍ قليلة في دهون الأبقار والأغنام، والزبدة والحليب. إلّا أنّ نسبة انتشارها ازدادت إلى 40% في المنتجات بعد التوسع في عمليات الهدرجة، فقد رغبها المستهلكون بشدّةٍ في البداية لأنّ السمن المهدرج خفّض استخدام الدهون الحيوانية المشبعة بدرجةٍ كبيرة، فقبل عشرين سنةٍ مضت لم يكدْ بيتٌ يخلو من سمن الطبخ المنزلي أو السمن النباتي المُهدرج، أما اليوم فقد توجّه الناس للتخلّي عنه حيث أُثبِتت مضارّ هذه المماكبات، وهي مشابهةٌ لمضارّ الدهون المشبعة من حيث رفع مستويات الكوليسترول الضارّ والدهون الثلاثية في الدم، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بتصلّب الشرايين والأمراض القلبية الوعائية.
هذا وقد بيّنت دراسةٌ أنّ النساء اللواتي يتناولن هذا النوع من الدهون ترتفع لديهنّ نسبة الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية بنسبة 50%. كما أظهرت دراسةٌ في جامعة هارفرد (Harvard School of Public Health in Boston) أنّ استبدال هذا النوع من الدهون بدهونٍ نباتية سائلة يقلل احتمال الإصابة بمرض السكري إلى 40%. بالإضافة لذلك، ربطت دراسةٌ حديثة بين استهلاك الدهون المماكبة وفقدان الذاكرة.
نجد بمقارنة الدهون المماكبة (السمن النباتي المهدرج) بالدهون الحيوانية المشبعة (السمن الحيواني) أنّ الدهون المماكبة ترفع نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة الضار بمقدارٍ أقلّ بقليل من الدهون المشبعة، ولكن من ناحيةٍ أخرى، ترفع الدهون المشبعة نسبة الكوليسترول عالي الكثافة المفيد (HDL cholesterol) بينما لا ترفعه الدهون المماكبة بل على العكس قد تخفضه، مما يجعلها أشدّ ضرراً على الصحة من الدهون الحيوانية.
لقد حُظرَت الدهون المماكبة في كثيرٍ من الصناعات بعد هذه الدراسات، كما فُرِض على مُصنّعيها التنويه إليها على عبوات منتجاتهم. وقد بقيت مشكلة استخدام الدهون الحيوانية قائمةً حتى ظهر البديل المستعمَل حالياً، وهو ليس الحلّ الأمثل ولكنه أقلّ خطورةَ، ويتمثّل باستخدام الدهون المشبعة الموجودة في الزيت النباتي بعد فصلها، كما في حالة زيت النخيل.
يختلف زيت النخيل المُستخلَص من الثمار عن زيت نوى النخيل، ويتميز هذا الزيت باحتوائه على نسبةٍ عالية من حمض البالميتيك (Palmitic Acid)، وهو حمضٌ دسمٌ مشبع يشكّل 43.5% من مجموع الأحماض الدسمة هنا، كما يحتوي على حمض الأوليئيك (Oleic Acid) أحادي عدم الإشباع بنسبة 36.6%، وحمض الستيئريك (Stearic acid) المشبع بنسبةٍ تقارب 7%، وحمض اللينوليئيك (Linoleic Acid) الثنائي عدم الإشباع بنسبة تصل إلى 11%. إنّ هذا المزيج من الأحماض الدسمة المشبعة وغير المشبعة يُمكّن هذا الزيت من التحوّل من الحالة السائلة إلى الصلبة حسب درجة الحرارة، مع إمكانية الانفصال إلى أطوار.
إنّ درجة انصهار حمض البالميتيك هي 62 مئوية، فيكون صلباً في درجة حرارة الغرفة، بينما ينصهر حمض الأوليئيك عند الدرجة 13-14 مئوية، وحمض اللينوليئيك عند -5 مئوية، فيكونان بالحالة السائلة، وبالتالي ينفصل زيت النخيل إلى طورٍ صلب (مشبع) وآخر سائل (غير مشبع)، فيتمّ إنتاج الزيت النباتي الصلب غير المهدرج.
رغم أنّ زيت النخيل يشكّل بديلاً ممتازاً للسمن المهدرج وجيداً للدهون الحيوانية، إلّا أن ذلك لا يغيّر شيئاً من حقيقة أنّ سمن زيت النخيل مكوّنٌ من أحماضٍ دسمةٍ مشبعة حتى وإنْ كان مصدره نباتياً. فقد بيّنت دراسةٌ أجرتها دائرة البحوث الزراعية الأمريكية (Agricultural Research Service) أنّ تناول الكمية نفسها من سمن زيت النخيل أو زيت الصويا المهدرج يُنتج نفس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة الضار مقارنةً بالوجبات الصحية من زيت الكانولا أو زيت الصويا النباتي غير المهدرج والغني بالأحماض الدسمة الأحادية وعديدة عدم الإشباع.
لا شيء يغيّر إذاً من حقيقة أنّ الزيوت النباتية غير المهدرجة هي الأفضل من الناحية الصحية مقارنةً بسمن زيت النخيل غير المهدرج والذي يأتي في المرتبة الثانية، ليلحق به السمن الحيواني، أما السمن المهدرج فهو غير مقبولٍ صحياً.
المصادر:
1. هنا
2. هنا
3. هنا
4. هنا
5. هنا