كتاب > روايات ومقالات
الجميلات النائمات..... عندما يُثيرُ الجمالُ الذاكرة.
"أنتِ وحلمكِ العاري لا تعلمين
تنامين كلا لا تعلمين وأنا في السهاد
وأنتِ بريئةً، تنامين تحتَ السماء
أنتِ في حلمكِ، وفي البحر السفين"
عندما يخونُ الجسد صاحبه، وتخونه الذاكرة أيضاً، يصبحُ الإنسان أسير ذكرياتِ الماضي، ولكن أي ذكريات؟
ذكريات مغامراته وهفواته. ذكرياتُ نساءٍ مررن به طوال الفترة التي كان بها شخصاً يسبب المتاعب.
منظر أوراق زهرة الكاميليا التي فرشت أرضَ الحديقة بألوانٍ متنوعة، وصوت ارتطام موج البحر بالصخور، ولمساتِ حبات المطر لحجارةِ المكان، والماضي بأحزانهِ وأفراحه، والمستقبل بمخاوفه والحاضر بآلامه.
رحلةٌ مليئةٌ بالمشاعر والأحاسيس الإنسانيَّة لرجل أراد التّمتع بآخر أشكال الحبّ وأنقاها، إلى جانبِ فتيات غرقن في نومهنَّ غير مدركات للزمن.
إنها ليست مجردَ عملٍ روائي، بل هي رسم بالكلمات، فدقة الوصف لوضعية الأجساد، وأبعادِ المكان، وحتى حالة الطقس، تجعل من كل جملةٍ صورةً تراها أمامك، و كأنَّ الكاتب أراد من القارئ أَن يكون شاهداً صامتاً على عواطف العجائز، وشريكاً في زيارة المكان.
تتحدثُ الرّواية عن إيغوشي الرَّجل ذو الخمسة والستين عاماً، الذي توقف عند منزل الجميلاتِ النَّائمات، مدفوعاً بحبه لاستكشافِ كلِّ ما هو غريب، والذي لم يعلم بأنَّ هذه المغامرة الفريدة ستكون بوابةَ عودتهِ في الزَّمن.
كلُّ شيءٍ بدأَ بعد كوبٍ من الشاي، أعدته صاحبة المنزل لإيغوشي، مبينةً له قواعد المنزل الخاص بمن لا يسببونَ المشاكل.
ستائرُ مخملية قرمزيةُ اللون، وحسناء نائمة، وهديرُ أمواج، وذاكرةٌ استيقظت لتعيدَ الرجل العجوز لسنواتِ الصبا، وتجعلهُ غارقاً في تأملاتهِ التي أوصلتهُ إلى عتبةِ الطفولةِ وحافة الموت. مِما جعلَ كاواباتا مبدعاً بمزج كآبة الشّيخوخة السّوداء بلهيب حُبِّ الشّباب، متمكناً بذلك من اختراق مشاعر البطل وتفسير العواطفِ التي يمكن أن تجتاح العجائز بشكل مرهف وحساس.
في كلُّ مرة من المرات الخمس التي ذهب فيها البطلُ إلى المنزل، كانت توجدُ فتاةٌ نائمة غير التي رآها في المرة السابقة، وكانَ جسد كلّ واحدة منهنَّ يتمتع بشيءٍ يميزه عن أجسادِ الفتيات السابقات، مما يحركُ في إيغوشي ذكرى امرأةٍ معينة مرت في حياته. وفي استرجاع الذكريات هذا تظهر براعةُ ياسوناري في استخدام تقنية الإرجاع الفني، وأحياناً بمستويين (إرجاعٌ ضمن إرجاعٍ آخر). فالبطل لم يتوقف عند لحظةٍ معينة بل تنقل بين ذكرياته ابتداءً من رائحة الحليب وصديقتهِ الأولى وهروبهما إلى كيوتو معاً، ثمَّ إلى تلك العذراء الَّتي أعادت إليه صورة بناته الثلاث وخصوصاً الصغرى منهن، وبعدها إلى امرأة متزوجةٍ قضى معها ليلتين في أحد الفنادق. لكنَّ الرجوع للماضي لم يتوقف هنا، بل عاد به إلى المرأة الأطهر والأكثر تأثيراً في حياة كلّ إنسان.
"الجميلاتُ النَائمات" روايةٌ تبينُ قسوةَ العمر وصعوبة الإحساس بعدم القدرة على فعل أيّ شيءٍ سوى إدارة عقارب الساعة للوراء.
الرواية: الجميلات النائمات.
الكاتب: ياسوناري كاواباتا.
ترجمة: ماري طوق.
عدد الصفحات: 140.
الطبعة الثانية 2006
دار النشر: دار الأدب للنشر والتوزيع.