العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن
الإحياء العمراني لمدينة القاهرة التاريخية.
ضُمَّت المدينة التاريخية في القاهرة إلى قائمة التراث العالمي عام ١٩٧٩م، إقرارًا بـأهميتها التاريخية والأثرية والعمرانية، وذُكِرَ في ملف الترشيح أنَّ المدينة التاريخية للقاهرة تغطي قرابة ٣٢ كيلو مترًا مربعًا على الضفَّةِ الشرقية لنهرِ النيل، وتحيطُ بها أحياء القاهرة المعاصرة من كلِّ الاتجاهات.
وُصِفَ الموقع بأنَّه نسيجٌ تاريخيٌّ متماسكٌ على نطاقٍ واسع، وتبرزُ فيه المناطق المحورية التالية (من الجنوب إلى الشمال):
١-الفسطاط؛ فيها جامع عمرو بن العاص الذي أُسِّسَ عام٦٤١ م، وقلعةُ قصرِ الشمع الرومانية، وحصنُ بابليون بكنائسه القبطية، وأطلالُ وحفائر مدينة الفسطاط.
٢-جامع أحمد بن طولون الذي أُسِّس عام ٨٧٦ م، والمنطقةُ المحيطةُ بمنطقةِ الصليبة والكبش، وتضمُّ عددًا من الآثارِ المملوكيَّةِ الكبرى.
٣-منطقةُ القلعة والقصور المملوكية المحيطة بها، وجامعُ السلطان حسن ١٣٥٦ – ١٣٥٩م، ومنطقةُ الدرب الأحمر بشوارعها التاريخية مثل سوق السلاح وخط التبانة وآثارها المملوكية والعثمانية.
٤-القاهرةُ الفاطمية التي تمتد من باب زويلة إلى السور الشمالي والذي يضمُّ أبوابَ المدينة: باب الفتوح وباب النصر، وتحوي المنطقة العديدَ من الآثار الأيوبية والمملوكية على المحورِ الرئيسي للمدينة (الشارع الأعظم).
٥ -الجبانات من الفسطاط إلى الأطراف الشمالية للقاهرة الفاطمية، وعددٌ كبيرٌ من الأضرحةِ والمقابرِ من مختلف الحقب التاريخية.
ولكنَّ قائمةَ ترشيحِ القاهرة اشتملت تعريفًا جغرافيًّا غيرَ واضح ومحدد للممتلكات التاريخية المدرجة ضمنها، وافتقرت إلى المعايير القانونية والإدارية للحماية، لذلك أُقيمت العديد من الجلسات المتخصِّصة للحفاظِ على ممتلكاتِ التراث العالمي، كان أهمُّها عام ٢٠٠٧ إذ قدَّمت الحكومةُ المصريةُ أربعَ خرائط مرفقة بطلبِ تعديلِ اسم الممتلكات إلى القاهرة التاريخية، وضمَّت الخرائط خمس مناطق تشملُ القاهرة الفاطمية وأجزاء من المقابر الشمالية والجنوبية ومنطقة الفسطاط.
تطوُّر القاهرة التاريخية:
- القاهرة عام ١٨٠٧ م: تطوَّرت مدينةُ القاهرة على سفحِ هضبةِ المقطم بعيدًا عن مجرى النيل الذي استمرَّ زحفه غربًا، ممَّا أدَّى إلى توفير أراضٍ للنمو العمراني، وحُدِّدت مجموعةٌ من نقاط الخريطة لمقارنتِها بخرائط الحقب التالية:
-المحاورُ الأساسية في شبكةِ الشوارع مثل شارع المعز.
-الآثارُ الهامة مثل بوابات المدينة؛ بابُ الفتوح وبابُ النصر وبابُ زويلة، والجوامع؛ الحاكم بأمر الله والأزهر والأقمر وابن طولون، والقلعةُ ومقياسُ النيل عند الطرف الجنوبي لجزيرةِ الروضة.
- تطوُّر المدينة ١٨٠٧ -١٨٨٨م:
أدَّى تحليل خريطة ١٨٨٨م، إلى معرفة نقاط استمرار وديمومة المورفولوجيا العمرانية ما قبل المعاصرة، وسمات المدينة المعاصرة التي تطوَّرت قرب ضفافِ النيل:
- ظهورُ نقاطٍ محوريَّةٍ جديدة تعكس النماذج العمرانية الأوروبية مثل ميدان الأوزبكية وقصر عابدين والأوبار، وتعبِّر عن تطوُّرِ وسطِ المدينة المعاصرة على إطار المدينة التاريخية.
- رُدِمت الترع والبرك من أجل تعبيدِ الطرق وإنشاء أحياء سكنية جديدة.
- شُقَّت طرقٌ في قلب النسيج العمراني التاريخي مثل شارع محمد علي الذي يصل ميدان الأوزبكية بالقلعة.
-اتَّجه الامتدادُ العمراني إلى ضفاف النيل نحو ميناء بولاق وثكنات وكوبري قصر النيل وهو أول كوبري يربط جزيرةَ الزمالك بضفافِ النيل الأخرى.
-أكملت الأنماطُ العمرانيةُ الجديدة النسيجَ القائم من قبل، وجسَّدت مورفولوجيا عمرانيَّة مختلفة منفتحة إلى الخارج ومغايرة، وتستند إلى نظامِ الشبكات المنتظمة ونماذجِ الإسكان ذات العناصر المعمارية.
- تطوُّر المدينة ١٨٨٨ -١٩٤٨م:
جُمِعت لوحتان صادرتان عن هيئة المساحة المصرية تمثِّلان خريطة الآثار الإسلامية، وقورنت بالخريطتين اللتين تعودان إلى ١٨٠٧ و١٨٨٨م، وأظهرت خريطةُ المقارنة تطوُّرَ القاهرة أثناء أوائل القرن العشرين.
وألقيَ الضوء على التغيُّرات الآتية:
- اكتمالُ المدينةِ المعاصرة في المناطق الواقعة بين المدينة التاريخية والنيل.
- اكتمالُ تخطيطِ منطقةِ وسط البلد للقاهرة، بما يميِّزها من نقاطٍ محوريةٍ ومعالمَ أساسية.
- تطوُّرٌ عمرانيٌّ إضافيٌّ بين المدينةِ التاريخية ومنطقةِ وسطِ البلد الخديوية.
- إنشاءُ حي جاردن سيتي وتطوُّراتٌ جزئيَّةٌ على امتدادِ ضفاف النيل بين بولاق والفسطاط، وتشييد الكوبري الثاني الذي يصل جزيرةَ الزمالك بضفافِ النيل.
- التوسُّع الشمالي للمدينةِ التاريخية المتَّصل بمحطَّة سكَّة الحديد في ميدان رمسيس وبمناطق صناعية جديدة.
- شقُّ شوارع جديدة مثل شارع الأزهر في قلبِ النسيج العمراني ما قبل المعاصر، وقد رُبِطت القاهرةُ التاريخية بالمدينةِ المعاصرة في هذه المرحلة عن طريقِ نمطٍ عمرانيٍّ متَّصل وشبكةِ شوارع جديدة، مع الحفاظ على النسيج التاريخي.
- تطوُّر المدينة ١٩٤٨-٢٠٠٦م:
تقدِّم خريطةُ القاهرة عام ٢٠٠٦ دليلًا على استمرارِ عمليَّةِ التحديث في الفترات المعاصرة، إذ لم تحدث تغيُّراتٌ كبرى في مورفولوجيا المدينة ما قبل المعاصرة، ولكنَّ النسيجَ التاريخي تأثَّر بتدخُّلاتٍ وعمليَّاتِ إعادةِ بناءِ نماذجَ معماريةٍ متباينة، وعُدِّلت أنماطُ الشوارع عن طريق توسيع وإعادةِ تنظيم بعض الشوارع في أماكن متفرِّقة.
- الثابت والمتغِّير في النسيج العمراني للقاهرة التاريخية ١٨٠٧ – ٢٠٠٦م:
من الواضح أنَّ القرن التاسع عشر شهدَ عمليَّةَ تحوُّلٍ كبيرة في بنيةِ وصورةِ القاهرة التاريخية، وخصوصًا ما يخصُّ نسيجها العمراني السكني، وقد هُجِرت القصور والبيوت الكبيرة أو قُسِّمت إلى وحداتٍ أصغر على الرُّغم من الحفاظ على عددٍ كبيرٍ من الآثار.
ولكنَّ مكوِّنات المورفولوجيا العمرانية للقاهرة التاريخية تُظهر استمراريةً ملحوظةً عبر مراحل تطوُّر المدينة، فالنقاطُ المحورية والنسيجُ التاريخيُّ المتضام وخطوطُ تنظيم الشوارع ظلَّت كما هي في عددٍ من الأماكن، بالإضافةِ إلى أنَّ الكثيرَ من الشوارع حافظت على تسمياتها الأصلية التي تعودُ إلى ما قبل المرحلة المعاصرة (درب – حارة – عطفة - زقاق).
المصادر: