الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
ما الذي يكسب الحليب مذاق الشمس؟
على الأغلب فإن معظمنا قد تذوق الحليب المتروك عرضةً للشمس والذي اكتسب طعماً مميزاً غير مرغوب به وخارج عن المألوف. إن ذلك يعود إلى أن الحليب ومنتجات الألبان الأخرى تتزنخ عند تعرضها للضوء.
حيث يحتاج كوب من الحليب لبضعة دقائق فقط في الشمس ليكتسب هذا المذاق غير المرغوب به، وكذلك الزبدة ومنتجات الألبان الأخرى؛ وفي الحالات الشديدة يشبه هذا المذاق إلى حد كبير الشعر المحروق. لا يعتبر ضوء الشمس هو المسبب الوحيد لهذا المذاق، فقد ينتج أيضاً عن أي ضوء آخر مما يجعل تجنب تعريض منتجات الألبان والحليب للضوء أمراً هاماً يجب أخذه بعين الاعتبار في المحلات التجارية لإطالة مدة صلاحية هذه المنتجات قدر الإمكان. في بعض الدول كالنرويج تباع منتجات الألبان في علب كرتونية من الورق المقوى الذي يمنع نفاذ الضوء ولكن في العديد من البلدان الأخرى يباع الحليب في عبوات زجاجية أو بلاستيكية شفافة يسهل نفاذ الضوء إلى داخلها وهنا تكمن مشكلة اكتساب الحليب للطعم غير المرغوب.
أجريت العديد من الأبحاث خلال السنوات الـ60 الماضية في محاولة لفهم سبب هذه النكهة الخارجة عن المألوف. وقد افتُرض منذ فترة طويلة أن المسبب الرئيسي لهذه النكهة هو الفيتامين B2 (ريبوفلافين riboflavin) الموجود في الحليب والذي يبدأ تفاعلاً تأكسدياً عند تعرضه للضوء يؤدي إلى إكساب المنتج طعماً خارجاً عن المألوف. ومع ذلك، فإن الريبوفلافين يبدأ هذا التفاعل فقط عند تعرضه لبعض أطياف الضوء مثل الضوء البنفسجي والأزرق ولا يُعتقد أن للضوء الأصفر أو الأحمر أي تأثير سلبي من هذا القبيل عليه.
إلا أنَّ المثير للدهشة أن المعهد النرويجي لأبحاث الغذاء Nofima) the Norwegian food research institute) أظهر أن الضوء البرتقالي والأحمر يكسب الحليب نكهة خارجة عن المألوف أكثر من الضوء الأزرق، كما استطاع المعهد اكتشاف السبب.
حيث وجد بالدراسة أن الحليب يحتوي على كميات دقيقة من الكلوروفيل chlorophyll ونواتج تحطمه والتي تصل إلى الحليب نتيجة تناول البقرة للعشب الأخضر. يتميز الكلوروفيل بحساسيته الشديدة للضوء، ويستطيع البدء أيضاً بتفاعل الأكسدة في الحليب. تعتبر هذه المنتجات الحساسة للضوء المكتشفة حديثاً هي الأكثر حساسية للضوء البنفسجي والبرتقالي والأحمر، وهذا هو سبب النكهة القوية الخارجة عن المألوف والتي تنتج عند تعرض الحليب للضوء الأحمر.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يتم اكتشاف هذه المعلومات منذ فترة طويلة في مادة متوفرة ومألوفة بشكل كبير كالحليب. والجواب هو أن هذه المواد تتواجد في الحليب بتراكيز منخفضة للغاية، لذا لم يتمكن الباحثون من ذلك سابقاً. في الحقيقة أنه تم اكتشافها بالصدفة في Nofima قبل بضع سنوات، عندما كان العلماء يقومون باستخدام طريقة قياس حساسة للغاية معتمدة على الفلورة fluorescence. ومن ذلك الحين قام هؤلاء العلماء بدراسة كيفية تأثير الضوء على هذه المواد في الحليب، وكيف أن هذا التأثير يؤدي إلى ظهور النكهة غير المرغوبة. وقد أظهروا حتى الآن أن مشتقات الكلوروفيل تسبب نكهة خارجة عن المألوف في الحليب أقوى بكثير من تلك الناتجة عن الريبوفلافين. وقد تم نشر العديد من المقالات العلمية حول هذا الموضوع.
وأضاف فريق الباحثين في Nofima أن هنالك عاملاً آخراً مهماً مكنهم من تحقيق تقدم في فهم العلاقة بين الضوء والأكسدة وهو عبارة عن استخدامهم لأكثر الطرق حساسية في العالم –حسب قولهم- لقياس النكهة الخارجة عن المألوف ورائحة الحليب وهي اللجنة الحسية (خبراء التذوق) sensory panel.
وتتكون هذه اللجنة من 10-12 شخصاً (معظمهم من النساء) الذين يستطيعون تقييم وتحديد طعم ورائحة الطعام. تتألف اللجنة في Nofima من المتذوقين المدربين تدريباً جيداً، وقد تم اعتمادهم كأداة موضوعية. وجد الباحثون أن هذه الطريقة في التقييم ليست أكثر حساسية فقط من الأجهزة، بل هي أكثر ثباتاً واستقراراً – حسب تصريح Jens Petter Wold كبيرة العلماء في معهد Nofima.
إن معرفة أي من مواد الحليب تسبب النكهة الخارجة عن المألوف يساعد على تجنبها وتجنب تخرب المنتجات. حيث أن معرفة هذه المنتجات يساعد على تصميم عبوات خاصة لتجنب التأثير على هذه المواد بالإضافة إلى تحديد نوعية وكيفية الإضاءة التي يجب استخدامها في المحلات لتقليل التأثير السلبي للضوء على تخريب المذاق. كما يمكن تطبيق هذه المعلومات على أنواع أخرى من الغذاء حيث أن الكثير من الأغذية تتأثر سلباً بالضوء.
المصادر: