الطب > مقالات طبية
تجربة الاقتراب من الموت: هل بات ممكناً تأخير الموت؟
يلعب القلب دوراً مركزيّاً في لحظات ما قبل الموت حسب الاعتقاد السائد. حيث أنّه يتوقّف عن النبض فيتوقّف الدم عن الجريان، ليتوقف بعدها باقي الجسم ببطء. لكن يقترح بحثٌ جديد خطأَ هذا الاعتقاد.
فقد قام علماءٌ بدراسة نشاط قلوب وأدمغة الفئران في اللحظات التي سبقت موتها الناتج عن نقص الأكسجين. ووجدوا أنّ أدمغة هذه الحيوانات ترسل إلى القلب دفعةً من الإشارات التي تسبّب تدهوراً غيّر ردود القلب وبالتالي موته. وعندما أوقف الباحثون انتقال هذه الإشارات نجا القلب لفترة أطول.
ووفقاً لدراسة نشرت في الرابع من شهر نيسان للعام الحالي (2015) في المجلة الوطنيّة للعلوم، سيصبح ممكناً مساعدة الأشخاص على البقاء على قيد الحياة بعد توقف قلوبهم، إن حدثت عملية مشابهة عند البشر بقَطْع تدفق هذه الإشارات القادمة من الدّماغ.
ذكر الفريق البحثي أن الأشخاص يركزون على القلب معتقدين أنّه بإنقاذ القلب سيُنقَذ الدماغ. لكنهم وجدوا أنّه ينبغي قطع الاتصال الكيميائي بين القلب والدماغ لإنقاذ القلب. وتعاكس هذه النتائج كل الممارسات الطبية الإسعافية تقريباً.
يعاني أكثر من 400 ألف أمريكي كل عام من السكتة القلبية، والتي تحدث عندما يتوقّف القلب عن النبض. ووفقاً للجمعية الأمريكية للقلب ينجو نحو 10% منهم فقط ويسرّحون من المشفى.
عالج الباحثون السؤال القائل: لماذا يتوقّف قلب شخصٍ سليمٍ فجأةً وبشكل كامل عن القيام بوظائفه، بعد بضع دقائقَ فقط من الحرمان من الأكسجين؟ لقد تبيّن أنّ الدماغ يستمر بنشاطه حتى عندما يفقد مريض السكتة القلبية الوعي ولا يُظهر أيّ علاماتٍ للحياة؛ إذ وجد العلماء في دراسة سابقة نُشرت في PNAS عام 2013، أنّ القلب يُغمر أثناء موته بإشاراتٍ من الدماغ، ربّما في محاولة يائسةٍ لإنقاذ القلب. ويعتقد البعض أنّ وابلَ الإشارات هذا قد يكون هو المسؤول عن تجربة الاقتراب من الموت.
وكان الباحثون في الدّراسة الجديدة قد حرّضوا السكتةَ القلبيةَ عند الفئران بجعلها تتنفس ثنائي أوكسيد الكربون أو بإعطاءها حقنةً قاتلة. ودرسوا في اللحظات المؤدية إلى الموت كلا من نشاط أدمغتها باستخدام مخطط كهربيّة الدماغ (EEC)، ونشاط قلوبها باستخدام مخطط كهربية القلب (ECG). وقاسوا خلال التجربة الإشارات (التي هو مركبات كيميائية بطبيعتها) الموجودة في أدمغتها وقلوبها.
تتباطأ نبضات القلب بانحدارٍ في البداية. لكن يصبح نشاط الدماغ متزامناً بقوة مع نشاط القلب فيما بعد. كما طوّر الباحثون تقنيّةً جديدةً لقياس نبض القلب نبضةً تِلوَ نبضة.
لاحظ العلماء فيض أكثر من 12 مادة كيميائيّة عصبيّة بينما كان القلب والدماغ في تزامن، مثل الدوبامين الذي يعطي إحساس المتعة، والنورإبينفرين الذي يسبّب إحساس التنبيه (اليقظة). ويمكن لهذا الفيض أن يفسّر سبب وصف الأشخاص الّذين يختبرون تجربة الاقتراب من الموت لها بأنها حقيقية أكثر من الحقيقة!
وظلّ نشاط القلب والدماغ متزامناً عند الفئران إلى أن خضع القلب لحالةٍ تدعى الرجفان البطينيّ. وفيها ترتجف غُرف القلب السفليّة بدلاً من التقلص الكافي، مما يمنع القلب من ضخّ الدم.
ولكن عندما منعوا تدفّق هذه المواد الكيميائيّة من الدماغ إلى القلب بقطع الحبل الشوكي للفئران قبل قتلها، تأخّر حدوث الرجفان البُطَيني ونجت الفئران بنسبة أكثر بثلاث مرات من تلك التي أُبقي على الاتصال القلبي الدماغي لديها.
وبالطّبع، أُجريت جميع هذه التّجارب على الفئران. ويبقى السؤال: هل تسلك أجسام البشر السّلوك نفسه؟
إذا وجد العلماء طريقةً لقطع الاتصال بين القلب والدماغ باستخدام الأدوية (عوضاً عن قطع الحبل الشوكي) سيكون بالإمكان إعطاؤها لمريضٍ يعاني من السكتة القلبية، ممّا سيعطي العاملين الصحّيين مزيداً من الوقت لإنعاش وعلاج هؤلاء المرضى.
المصادر:
حقوق الصورة
www.shutterstock.com
www.gettyimages.co.uk